يتجه العالم اليوم بوتيرة متسارعة نحو الرقمنة في مختلف القطاعات الاقتصادية، ويأتي القطاع المالي في صدارة هذه التحولات. تُعد مملكة البحرين واحدة من الدول الرائدة في تبني التكنولوجيا المالية على مستوى المنطقة، حيث استطاعت بناء بيئة داعمة للابتكار وجذب الاستثمارات في هذا القطاع. ووفقًا لتقارير محلية، وصل عدد شركات التكنولوجيا المالية في البحرين إلى 115 شركة بحلول عام 2024م ونمت عدد الشركات لأكثر من 100 بالمائة منذ السنوات الأربع الأخيرة، مما يعكس نموًا ملحوظًا في هذا القطاع.
لعبت البيئة التنظيمية دورًا محوريًا في تعزيز مكانة البحرين كمركز إقليمي للتكنولوجيا المالية. وتميز مصرف البحرين المركزي بتبنيه إطارًا تنظيميًّا مرنًا وداعمًا للابتكار، وهو ما شجع الشركات المحلية والدولية على إنشاء عملياتها في المملكة.
ومن أبرز الأدوات التي أسهمت في هذا النجاح إطلاق «منصة الاختبار التنظيمي» (الساندبوكس) في عام 2017م، والتي سمحت للشركات الناشئة باختبار حلولها المبتكرة في بيئة خاضعة للرقابة من دون الحاجة إلى الالتزام الكامل باللوائح والتشريعات المالية التقليدية. وساعدت هذه المنصة في تطوير حلول مبتكرة في مجالات مثل المدفوعات الرقمية، تقنية البلوك تشين، والخدمات المصرفية المفتوحة، وغيرها الكثير.
إلى جانب البيئة التنظيمية، أسهمت الشراكات بين المؤسسات المالية التقليدية وشركات التكنولوجيا المالية في تعزيز النمو لهذا القطاع. فقد تم تشجيع إقامة تعاون بين البنوك والشركات الناشئة، ما أدى إلى خلق علاقة تكافلية تدعم الابتكار مع الحفاظ على الاستقرار المالي. كما أن إطلاق مبادرات مثل إطار العمل المصرفي المفتوح واعتماد لوائح الحوسبة السحابية عزز من جاذبية البحرين كوجهة للاستثمار في التكنولوجيا المالية.
ومع استمرار تطور قطاع التكنولوجيا المالية في البحرين، تبرز فرص كبيرة لتصدير الخبرات والحلول البحرينية إلى الأسواق العالمية. فالبحرين تتميز في مجالات مثل التمويل الإسلامي الرقمي، والمدفوعات الإلكترونية، وتقنيات البلوك تشين، التي يمكن أن تكون ذات قيمة عالية في الأسواق الناشئة والمتقدمة على حد سواء. ومع ذلك، تواجه الشركات البحرينية تحديات كبيرة في التوسع خارجيًا، وخاصة فيما يتعلق بفهم الأطر التنظيمية والقانونية المعقدة في الدول الأخرى.
ولتصدير الخبرات المحلية في مجال التكنولوجيا المالية إلى الأسواق العالمية، فينبغي التركيز على عاملين مهمين: الدعم المؤسسي لشركات التكنولوجيا المالية وإجراء الدراسات الخاصة حول هذا القطاع.
وفيما يتعلق بالدعم المؤسسي، فينبغي معالجة التحديات التي تواجهها شركات التكنولوجيا المالية في التعامل مع الأطر التنظيمية والقانونية المعقدة خارج الدولة. فسيكون تقديم الدعم والبرامج الموجهة مثل خدمات الاستشارات القانونية وبرامج دخول الأسواق أمرا بالغ الأهمية لمساعدة شركات التكنولوجيا المالية البحرينية على التوسع دوليًا، وخاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة.
وأما من جانب الدراسات والبحوث، فتلعب الأخيرة دورًا محوريًا في توفير رؤية شاملة حول البيئات التنظيمية، والاحتياجات السوقية، والمنافسة الدولية، بالإضافة إلى فهم مختلف التحديات والفرص التي تواجه الشركات المحلية. فيمكن للدراسات أن تسلط الضوء على مختلف التحديات التي تواجه هذه الشركات مثل المخاطر التنظيمية أو المنافسة الشديدة أو العوائق البيروقراطية.
ومن جانب آخر، يمكن للدراسات أن تركز على الفروقات التنظيمية بين البحرين والدول المستهدفة. فكل سوق لديه إطاره القانوني الخاص، الذي قد يختلف بشكل كبير عن النظام المتبع في البحرين.
وفي الختام، يمثل قطاع التكنولوجيا المالية في البحرين نموذجًا ناجحًا للابتكار والتنمية الاقتصادية، حيث توفر البيئة التنظيمية الداعمة والبنية التحتية المتطورة فرصًا واعدة للنمو المحلي والتوسع العالمي.
ومع ذلك، يتطلب تعزيز صادرات الخبرات البحرينية في هذا المجال دعمًا مؤسسيًّا قويًّا ودراسات متخصصة لفهم الأسواق الدولية، مما يمكن الشركات المحلية من تجاوز التحديات وترسيخ مكانة البحرين كمركز إقليمي وعالمي رائد في التكنولوجيا المالية.
{ مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك