القراء الأعزاء،
كانت القبائل العربية توقد ناراً على أعلى قمة لديها لتُعلن ولادة شاعر يحمل اسمها في صورة من صور التعبير عن الفخر، حتى قِيل إن (الشعر ديوان العرب)، وقد التصقت هذه المقولة بالشعر منذ أن كان هو الوسيلة الإعلامية الأولى للعرب، فكان أداة التعبير التي تبث لواعج القلب وتُفصح عن مشاعر الحب والعتب والغضب والفخر والانتماء والمدح والرثاء، وكانت للقصيدة سلطة تحفيز الهمم؛ حيث كانت قادرة على أن تُشعل الحرب وأن تُطفئها.
كما كان الشعر هو الذي يوثّق الأحداث ويحفظ ذاكرة الأيام، وفي صورة متقدمة للوسائل الإعلامية فقد كان (سوق عكاظ) أهم المحافل الثقافية التي يغتنمها الشعراء لإبراز مواهبهم الشعرية في ظل ذائقة نقدية تدقيقية قد ترقى بإحدى قصائدهم لتكون معلقة على أستار الكعبة حينئذ، كُلّ ذلك كان قبل أن تغزو المجتمعات الوسائل الإعلامية المختلفة التقليدية حتى وصلت إلى وسائل التواصل الاجتماعي بغثّها وسمينها.
وتعتبر الأمسيات والأصبوحات والمهرجانات الشعرية من أهم المناسبات التي يغتنمها الشاعر لعرض نتاجه الشعري وللاستماع إلى تجارب الآخرين في مساحة لتبادل الخبرات وتلاقح الأفكار والآراء، والاستفادة من اختلاف الثقافات.
وعلى الرغم من أن الساحة الشعرية لا تخلو من تنظيم أمسيات شعرية هنا وهناك بجهود مؤسسية أو فردية متواضعة قد تكون مُكلفة للشاعر أحياناً، كما لم تخل الساحة من مهرجانات شعر لمع نجمها في فترة ثم أفِل بمرور الأيام ولأسباب لا يعلمها سوى منظميها، مثل مهرجان الدوحة الثقافي، ومهرجان أهل القصيد وغيرها.
ومن أهم المهرجانات الشعرية التي تفخر بها الساحة (مهرجان الشارقة للشعر النبطي) الذي انطلقت نسخته التاسعة عشرة في الرابع من فبراير ويستمر إلى اليوم العاشر منه، الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من منظومة أدبية ثقافية (شعر فصيح، شعر نبطي، مسرح، موروث شعبي وغيرها) تبنّتها إمارة الشارقة تحقيقاً لرؤية حاكمها سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ليجعل من الشارقة عاصمة الثقافة الدائمة.
وقد أصبح المهرجان ملتقى سنويا للشعراء ولعشاق الشعر ومتذوقيه، يترقب الجميع تاريخ انطلاقته، حتى يكاد ينطلق منه قريبا تجمّع لشاعرات عربيات يجمعهن تحت مظلته.
ولقد لاقى المهرجان هذا العام نجاحاً كبيراً وحصد إشادات يستحقها، وكان بحق مختبرا للإبداعات الشعرية برزت من خلاله وجوه جديدة للساحة تُعزز استمرارية الشعر وبقاءه وتؤكد أن الشعر مازال بخير وأن بلادنا العربية ولّادة للشعراء النجباء مذ خلقت.
وقد افتقدنا هذا العام وسابقه الندوات النقدية لغير الشعراء المكرمين والحوارات التي تلي الأمسيات الشعرية التي تعود بالنفع على الشعراء أنفسهم وعلى المستمعين من غيرهم.
وإن كانت الأمسية الشعرية غير الرسمية التي تقام في كل ليلة ويشارك فيها الضيوف من الشعراء تُشكّل مساحة رائعة للتعرف على تجارب الشعراء الحاضرين ولمواكبة تطور التجارب الشعرية لهم عاماً بعد عام. فشكراً للسيد عبدالله العويس مدير دائرة الثقافة وشكراً لمجلس الحيرة الأدبي وهو أحد أجهزة هذه الادارة على رأسه الشاعر الجزل بطي المظلوم رئيس المجلس، وللشاعرة المبدعة مريم النقبي (سجايا الروح) ولجميع الطواقم الإدارية في المجلس.
وأكرر تأكيد أهمية أن تزخر بحريننا العريقة بمهرجان شعري مماثل يقوم على أسس من الموضوعية والانتصار للشعر الحقيقي بعيداً عن المحسوبيات والشللية، بل يمتد هذا المقترح ليشمل جميع دول الخليج وهي التي تمتلك المقومات لكي تكون كل منها منارة ثقافية موازية ومستقلة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك