العدد : ١٧١٢٣ - السبت ٠٨ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٢٣ - السبت ٠٨ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ شعبان ١٤٤٦هـ

الثقافي

قصة قصيرة:
المجنونة

بقلم: فاطمة النهام

السبت ٠٨ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

تعالى‭ ‬صياح‭ (‬خديجة‭) ‬من‭ ‬آلام‭ ‬المخاض،‭ ‬كان‭ ‬صراخها‭ ‬مدويا‭ ‬كأنه‭ ‬زلزال،‭ ‬قالت‭ ‬لها‭ ‬جارتها‭ ‬بصوت‭ ‬متوتر‭: ‬

ـ‭ ‬هيا‭.. ‬ادفعي‭ ‬بقوة‭.. ‬ادفعي‭.‬

طفقت‭ ‬إحداهن‭ ‬تمسح‭ ‬ما‭ ‬يتصبب‭ ‬من‭ ‬العرق‭ ‬على‭ ‬جبينها،‭ ‬تمتمت‭ ‬باضطراب‭: ‬

ـ‭ ‬يا‭ ‬رب‭.. ‬كن‭ ‬في‭ ‬عونها‭ ‬يا‭ ‬رب‭.‬

ارتفع‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬بكاء‭ ‬الطفل،‭ ‬حملته‭ ‬إحدى‭ ‬النسوة‭ ‬ثم‭ ‬قالت‭ ‬بخيبة‭ ‬أمل‭: ‬

ـ‭ ‬رباه‭.. ‬إنها‭ ‬أنثى‭.‬

‭ ‬حملت‭ ‬إحداهن‭ ‬الطفلة‭ ‬ثم‭ ‬همت‭ ‬بغسلها،‭ ‬همست‭ ‬بأإذن‭ ‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬بجانبها‭: ‬

ـ‭ ‬إن‭ ‬ملامحها‭ ‬تبدو‭ ‬غريبة‭.. ‬إنها‭ ‬لا‭ ‬تشبه‭ ‬أحداً‭ ‬من‭ ‬الأسرة‭!‬

رفعت‭ (‬خديجة‭) ‬يديها‭ ‬للمرأة‭ ‬وهي‭ ‬تقول‭ ‬بوهن‭:‬

ـ‭ ‬أعطني‭ ‬إياها‭.‬

سادت‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬الصمت‭ ‬اقتربت‭ ‬المرأة‭ ‬نحو‭ (‬خديجة‭) ‬لتعطيها‭ ‬الطفلة،‭ ‬التقطتها‭ ‬وتأملت‭ ‬ملامحها،‭ ‬ترقرقت‭ ‬عيناها‭ ‬بالدموع‭ ‬ثم‭ ‬قالت‭:‬

ـ‭ ‬سأسميها‭ (‬بركة‭) ‬لأنها‭ ‬هدية‭ ‬من‭ ‬الله‭.‬

همت‭ (‬خديجة‭) ‬بإعداد‭ ‬وجبة‭ ‬الغداء،‭ ‬خطت‭ ‬نحوها‭ (‬بركة‭) ‬وهي‭ ‬تقول‭:‬

ـ‭ ‬أمي‭.. ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يلعب‭ ‬معي‭ ‬أولاد‭ ‬الجيران؟

شرعت‭ ‬تحرك‭ ‬الطعام‭ ‬في‭ ‬القدر‭ ‬بصمت،‭ ‬اقتربت‭ ‬منها‭ ‬أكثر‭ ‬لتهز‭ ‬كتفها‭ ‬قائلة‭:‬

أمي‭..‬

ارتفع‭ ‬صوت‭ ‬أباها‭ ‬قائلا‭ ‬بغلظة‭:‬

ـ‭ ‬اقبعي‭ ‬في‭ ‬مكانك‭.. ‬ستسببين‭ ‬لنا‭ ‬المشاكل‭.‬

انكمشت‭ (‬بركة‭) ‬على‭ ‬نفسها،‭ ‬رمقها‭ ‬بغيظ‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭:‬

ـ‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬رزقي‭ ‬في‭ ‬الحياة‭.. ‬ابنة‭ ‬مجنونة‭.‬

التفتت‭ (‬خديجة‭) ‬نحوه‭ ‬قائلة‭ ‬بغضب‭:‬

ـ‭ ‬لا‭ ‬تتكلم‭ ‬عن‭ ‬ابنتي‭ ‬هكذا‭.‬

قال‭ ‬بسخرية‭ ‬مريرة‭:‬

ـ‭ ‬هذا‭ ‬كلام‭ ‬الناس‭.. ‬ليس‭ ‬كلامي‭ ‬أنا‭.‬

وقف‭ ‬أمام‭ ‬المرآه‭ ‬وهي‭ ‬يلف‭ ‬رأسه‭ ‬بغترته‭ ‬المهترئة،‭ ‬زفر‭ ‬بضيق‭ ‬ثم‭ ‬استدار‭ ‬إليها‭ ‬قائلا‭:‬

ـ‭ ‬لا‭ ‬فائدة‭ ‬من‭ ‬علاجها‭.. ‬لقد‭ ‬سمعت‭ ‬بنفسك‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الطبيب‭ ‬الوافد‭ ‬من‭ ‬الهند‭.. ‬ابنتك‭ ‬لديها‭ ‬تخلف‭ ‬عقلي،‭ ‬لا‭ ‬جدوى‭ ‬من‭ ‬اختلاطها‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬سوى‭ ‬جلب‭ ‬المشاكل‭ ‬والقيل‭ ‬والقال‭.‬

ثم‭ ‬أشار‭ ‬إليها‭ ‬بسبابته‭ ‬محذرا‭:‬

ـ‭ ‬لقد‭ ‬قلتها‭ ‬لك‭ ‬مراراً‭ ‬وتكراراً‭.. ‬إياك‭ ‬أن‭ ‬تتركيها‭ ‬خارج‭ ‬البيت‭.‬

ثم‭ ‬انصرف‭ ‬من‭ ‬المكان‭ ‬وهو‭ ‬يصفق‭ ‬الباب‭ ‬خلفه‭ ‬بقوة‭.‬

تأملت‭ (‬بركة‭) ‬بحسرة‭ ‬أطفال‭ ‬الجيران‭ ‬وهم‭ ‬يلعبون‭ ‬في‭ ‬الحي،‭ ‬مطت‭ ‬شفتها‭ ‬وهي‭ ‬تحادث‭ ‬نفسها‭:‬

ـ‭ ‬لماذا‭ ‬يرفضون‭ ‬اللعب‭ ‬معي؟‭ ‬لماذا‭ ‬يبتعدون‭ ‬عني‭ ‬حينما‭ ‬أقترب‭ ‬منهم؟

خفضت‭ ‬رأسها‭ ‬بانكسار‭ ‬قائلة‭:‬

ـ‭ ‬أحيانا‭ ‬أسمع‭ ‬أمهاتهم‭ ‬يقولون‭ ‬لهم‭ ‬لا‭ ‬تلعبوا‭ ‬معها‭.. ‬لا‭ ‬تقتربوا‭ ‬منها‭.. ‬ولكن‭ ‬لماذا؟‭ ‬

فجأة‭.. ‬اشتمت‭ ‬رائحة‭ ‬حريق،‭ ‬دفعها‭ ‬الفضول‭ ‬لتعرف‭ ‬مصدره،‭ ‬توجهت‭ ‬نحو‭ ‬حوش‭ ‬البيت‭ ‬لترى‭ ‬والدها‭ ‬يجمع‭ ‬سعف‭ ‬النخيل‭ ‬الجافة‭ ‬ليضعها‭ ‬فوق‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬والنار‭ ‬تشتعل‭ ‬بها،‭ ‬قام‭ ‬بحمل‭ ‬قنينة‭ ‬كبيرة‭ ‬ليصب‭ ‬السائل‭ ‬الذي‭ ‬تحويه‭ ‬فوق‭ ‬تلك‭ ‬السعف،‭ ‬بلغ‭ ‬بها‭ ‬الفضول‭ ‬مبلغه‭.. ‬ماذا‭ ‬يفعل‭ ‬أبي‭ ‬يا‭ ‬ترى؟‭ ‬وما‭ ‬هذا‭ ‬السائل؟‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬ماء؟‭ ‬

شهقت‭ ‬وهي‭ ‬تضع‭ ‬كلتا‭ ‬كفيها‭ ‬على‭ ‬فمها،‭ ‬وهي‭ ‬تشاهد‭ ‬ألسنة‭ ‬اللهب‭ ‬المتصاعدة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تأكل‭ ‬تلك‭ ‬الكومة‭ ‬بشراسة،‭ ‬سعلت‭ ‬بشدة‭ ‬بفعل‭ ‬الدخان‭ ‬الكثيف،‭ ‬ثم‭ ‬هرولت‭ ‬لتعود‭ ‬أدراجها‭ ‬الى‭ ‬داخل‭ ‬البيت‭.‬

بعد‭ ‬أن‭ ‬حل‭ ‬المساء‭ ‬وأوى‭ ‬الجميع‭ ‬إلى‭ ‬فراشهم‭ ‬تسللت‭ ‬إلى‭ ‬حوش‭ ‬البيت‭ ‬لتبحث‭ ‬عن‭ ‬القنينة‭ ‬وعلبة‭ ‬الكبريت،‭ ‬وبعد‭ ‬البحث‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬وجدتها‭ ‬جوار‭ ‬إحدى‭ ‬النخل،‭ ‬حملتها‭ ‬لتذهب‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬الحقل،‭ ‬كانت‭ ‬تشعر‭ ‬برغبة‭ ‬في‭ ‬إضرام‭ ‬النار‭ ‬بالأشجار‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬والدها،‭ ‬بدأت‭ ‬بسكب‭ ‬ذلك‭ ‬السائل‭ ‬ثم‭ ‬رمت‭ ‬عود‭ ‬الثقاب‭ ‬فيه‭.. ‬بدأت‭ ‬النيران‭ ‬تشتعل‭ ‬ثم‭ ‬تنتشر‭ ‬بسرعة‭ ‬البرق‭ ‬لتغطي‭ ‬الزرع‭ ‬والحقل‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭!‬

خرج‭ ‬أهل‭ ‬القرية‭ ‬من‭ ‬بيوتهم‭.. ‬رجالهم‭ ‬ونساءهم‭ ‬وأطفالهم‭ ‬وحتى‭ ‬مواشيهم‭.. ‬ساد‭ ‬الهرج‭ ‬والمرج‭ ‬في‭ ‬المكان،‭ ‬كانوا‭ ‬يحاولون‭ ‬إطفاء‭ ‬النيران‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬أوتوا‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭.. ‬ثم‭ ‬اختبأت‭ ‬خلف‭ ‬إحدى‭ ‬الصخور‭ ‬الكبيرة‭ ‬وهي‭ ‬تتأمل‭ ‬المشهد‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا