لم يكن كما حلمتُ! هي الصدفة التي قادتني نحو ذلك الحلم، تلك الصفة التي صبغت ذاكرتي من حيث لم أدرك!
زمن له عدة ألوان وعدة مواقع جغرافية، بينها تقارب واختلاف لكنها في مواطن الذاكرة هي التي لم تغادر صفتها ولم يكن لها ما يشبه الآخرين!
امتدت بقياس امتداد العاطفة مشحونة بتوجس ونداء بعيد رسم لها خطواتها وفي كل يوم تحيك من ذاكرتها ما اعتادت على حياكته في وحدتها، دون أن يكون لها اتصال بالعالم الآخر، كما كان العالم في مخيلتها واقع -لا- تستطيع الانعتاق عنه أو التحايل عليه.
في زمنها الأول: كانت نطفة في رحم الأرض، كبرت من دون إدراك وعيها الباطني، ومن دون أن يقف العالم أمامها ليشهد هول تكوين نطفتها.
في زمنها الآخر: تشكلت على هيئة يرقة، دخلت عالم الآخرين من برعم وردة لها ربيع وليس لها خريف، لكن لها قيامة تقف أحيانا كموقف الثابت في تربة الأرض دون جذور ودون حظ يفتح لها دفاتر كانت بالأمس مغلقة أمام تقدمها نحو جسد ليس له قدمين ولا يدرك إن بين الشروق والغروب معادلة لمعنى الضوء والظلام.
امتد بها العمر، وكان البياض أول شاهد لتقدمها في العمر، حيث الطيف الذي شُكل من جسدها جذيلة لفتاة تعرف تفاصيل موتها ولا تعرف عن ولادتها شيئا، حائرة تنبش بأظافرها أحشاءها لعلها تتذكر ما خفي عنها ولم تصل إليه منذ أول النطفة وآخر الوجع.
كان بيت عمتها مجاورا لبيت خالتها وخالتها لم تكن على وفاق مع عمتها، هذا ما عرفته من جدتها لأبيها، رغم أن أبيها قد غادرها من أول يوم لخروج النطفة من رحم أمها التي كانت سبباً في وفاة والدتها، معتبراً أنها نحسٌ يجب أن يقبر!
عاشت بوحدتها، لا رفيقة تدقُ بابها ولا جارة تعطف عليها، اختلط الفجر في عينها بنهار مشوش كما ذاكرتها المشوشة.
الوحيدة التي رضت بها ورافقتها منذ أول يوم للواقعة هي السنون التي كتبت فوق جسدها ما لم يستطع الحلم إدراكه، ضياع لا يلتقي بصحبته وجنون لم يفقدها الذاكرة.
على رابية وقفت تعانق واقعها وتسأل من ليس له جواب يشفي ما بداخلها من اضطراب نفسي يعيش على التلذذ بوجعها، كل يوم تنتظر من يقرع بابها، ويعيد إليها بصيرتها مذكر اياها بالحلم الأول: (أنا أبوك) فلا تحزني، كل هذا ضاع وتلاشى في واقع إن لم تكن قوياً تمت من دون أن يسأل عنك أحد!
هكذا أدركت ان بين الحلم والواقع كفين قويين يحفران بصبر وتجلد في قبر وحدتها، لعل بعد الفقد ندرك أننا أحياء في عالم لا يدرك أن المرء ليس كمثله شيء، فهو الضوء وهو الظلام، معادلة تعني الاختلاف وتعني أن البقاء في الألم يعطي صاحبه الشدة على كسر هذا الألم، فيدرك المرء حينها أن النطفة لم تمت بموت الجسد!
a.astrawi@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك