العدد : ١٧٢٨١ - الأربعاء ١٦ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٨١ - الأربعاء ١٦ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

لماذا أصبح القمر ضمن المواقع المهددة بالخطر؟!

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الخميس ٠٦ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

عبثتْ‭ ‬أيدي‭ ‬الإنسان‭ ‬بكوكب‭ ‬الأرض‭ ‬برمته‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرنين‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬فامتدت‭ ‬آثار‭ ‬الملوثات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يُطلقها‭ ‬وتجذرت‭ ‬أضرارها‭ ‬في‭ ‬الهواء،‭ ‬والمسطحات‭ ‬المائية،‭ ‬والمياه‭ ‬الجوفية،‭ ‬والتربة،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬شبرٍ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المكونات‭ ‬البيئية‭ ‬أينما‭ ‬كانت،‭ ‬قريبة‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬والقرى،‭ ‬أم‭ ‬بعيدة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬النائية‭ ‬الخالية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وجود‭ ‬أو‭ ‬نشاط‭ ‬بشري‭. ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬العقود‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬بلغت‭ ‬هذه‭ ‬السموم‭ ‬التي‭ ‬سمح‭ ‬الإنسان‭ ‬لها‭ ‬بدخول‭ ‬بيئتنا‭ ‬إلى‭ ‬أعالي‭ ‬السماء‭ ‬السفلى‭ ‬في‭ ‬طبقة‭ ‬الأوزون‭ ‬وفي‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عام،‭ ‬ثم‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬أعالي‭ ‬السماء‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الواسع‭ ‬الشاسع‭ ‬العظيم‭.‬

واليوم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ارتكب‭ ‬الإنسان‭ ‬عمله‭ ‬الشنيع‭ ‬بتلويث‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض،‭ ‬والتعدي‭ ‬على‭ ‬حرماته،‭ ‬واستباحة‭ ‬صحة‭ ‬وسلامة‭ ‬عناصره‭ ‬الحية‭ ‬وغير‭ ‬الحية،‭ ‬هل‭ ‬جاء‭ ‬دور‭ ‬الأجرام‭ ‬السماوية‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬والسماء‭ ‬العليا‭ ‬ليعيث‭ ‬أيضاً‭ ‬فيها‭ ‬فساداً‭ ‬وتدميراً،‭ ‬ويتعدى‭ ‬على‭ ‬فطرتها‭ ‬الأصلية‭ ‬السليمة‭ ‬كما‭ ‬خلقها‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى؟‭ ‬

والإجابة‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬دولية‭ ‬يُطلق‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬صندوق‭ ‬الآثار‭ ‬العالمي‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬الصندوق‭ ‬العالمي‭ ‬للآثار‭ ‬والتراث‭ ‬والمعالم‭ ‬الدولية‭. ‬فطبيعية‭ ‬عمل‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬هي‭ ‬إلقاء‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬معالم‭ ‬التراث‭ ‬التاريخي‭ ‬الأثري‭ ‬الدولي،‭ ‬وتهتم‭ ‬بلفت‭ ‬أنظار‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬المواقع‭ ‬الأثرية‭ ‬المهددة‭ ‬والموجود‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭. ‬وهناك‭ ‬عدة‭ ‬أسباب‭ ‬تَذْكرها‭ ‬المنظمة‭ ‬لهذا‭ ‬التدهور‭ ‬في‭ ‬سلامة‭ ‬المواقع‭ ‬التراثية‭ ‬والثقافية‭ ‬الأثرية‭. ‬أما‭ ‬السبب‭ ‬الأول‭ ‬فهو‭ ‬نزول‭ ‬ظاهرة‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬المعروفة‭ ‬لدى‭ ‬الجميع‭ ‬على‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬برمتها،‭ ‬ولهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الدولية‭ ‬تداعيات‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬سخونة‭ ‬الأرض‭ ‬وارتفاع‭ ‬حرارتها،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬وما‭ ‬ينجم‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬كوارث‭ ‬مناخية،‭ ‬وفيضانات‭ ‬مدمرة،‭ ‬وأعاصير‭ ‬مهلكة‭ ‬للبشر‭ ‬والشجر‭ ‬والحجر‭. ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬الكوارث‭ ‬تضر‭ ‬بصحة‭ ‬وسلامة‭ ‬واستمرارية‭ ‬وجود‭ ‬المعالم‭ ‬الأثرية‭ ‬الموجودة‭ ‬على‭ ‬البيئات‭ ‬الساحلية‭. ‬والسبب‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬السياحة‭ ‬المفرطة،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬أعدادٍ‭ ‬كثيفة‭ ‬مزدحمة‭ ‬من‭ ‬السواح‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬أثري‭ ‬واحد،‭ ‬واستمرار‭ ‬ذلك‭ ‬طوال‭ ‬العام‭ ‬يضر‭ ‬بأمن‭ ‬هذه‭ ‬المواقع‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬سلوكيات‭ ‬وتصرفات‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬السواح‭. ‬وأما‭ ‬السبب‭ ‬الثالث‭ ‬فهو‭ ‬الأزمات‭ ‬السياسية‭ ‬والنزاعات‭ ‬البشرية‭ ‬المسلحة،‭ ‬سواء‭ ‬بداخل‭ ‬الدولة‭ ‬الواحدة‭ ‬وبين‭ ‬الطوائف‭ ‬المختلفة،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬واحدة،‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬عندما‭ ‬هدم‭ ‬الجيش‭ ‬الصهيوني‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعالم‭ ‬الأثرية،‭ ‬والمرافق‭ ‬التاريخية‭ ‬التراثية،‭ ‬من‭ ‬كنائس،‭ ‬ومساجد،‭ ‬ومقابر،‭ ‬وارتكب‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬شاملة‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية‭ ‬الأثرية‭ ‬والتراثية‭ ‬والخدمية‭ ‬والتعليمية‭ ‬والسياحية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ثم‭ ‬يأتي‭ ‬السبب‭ ‬الرابع‭ ‬المؤثر‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬المباني‭ ‬التراثية‭ ‬وهو‭ ‬الزحف‭ ‬العمراني‭ ‬والسكاني‭ ‬والصناعي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المواقع‭ ‬التراثية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬شح‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬والبشرية‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬لحمايتها‭ ‬والحفاظ‭ ‬عليها‭. ‬

ولكن‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬انتقل‭ ‬اهتمام‭ ‬صندوق‭ ‬الآثار‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬المرافق‭ ‬والمواقع‭ ‬التراثية‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض،‭ ‬وركز‭ ‬بوصلته‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬كوكبنا،‭ ‬فتوسع‭ ‬الاهتمام‭ ‬وامتد‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬حدود‭ ‬كوكبنا‭ ‬بمسافات‭ ‬طويلة‭ ‬جداً‭ ‬لم‭ ‬تخطر‭ ‬على‭ ‬بال‭ ‬أحد،‭ ‬ولم‭ ‬يتوقعها‭ ‬أي‭ ‬إنسان،‭ ‬فالتفت‭ ‬الأنظار‭ ‬إلى‭ ‬الأجسام‭ ‬والكويكبات‭ ‬التي‭ ‬تحوم‭ ‬في‭ ‬فضائنا‭ ‬الواسع‭ ‬الفسيح‭. ‬

وهذه‭ ‬السنة‭ ‬توسع‭ ‬اهتمام‭ ‬ورؤية‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬لتخرج‭ ‬من‭ ‬أروقة‭ ‬كوكبنا‭ ‬الصغير،‭ ‬ومن‭ ‬حدود‭ ‬أرضنا‭ ‬الضيقة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير،‭ ‬وبمسافات‭ ‬بعيدة‭ ‬جداً‭ ‬وإلى‭ ‬الفضاء‭ ‬الرحب‭ ‬الشاسع‭ ‬العظيم،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬القمر‭. ‬فتقرير‭ ‬المنظمة‭ ‬لعام‭ ‬2025‭ ‬يشتمل‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬مهددة‭ ‬بالخطر‭ ‬من‭ ‬29‭ ‬دولة‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬منها‭ ‬بريطانيا،‭ ‬والهند،‭ ‬والصين،‭ ‬ولكن‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬المواقع‭ ‬التاريخية‭ ‬المهددة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الإنسان‭ ‬يكون‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬كوكبنا‭ ‬براً‭ ‬وبحراً‭ ‬وجواً،‭ ‬وإلى‭ ‬القمر‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الفسيح،‭ ‬والذي‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬المواقع‭ ‬التراثية‭ ‬الطبيعية‭ ‬الفطرية‭ ‬للبشرية‭ ‬جمعاء،‭ ‬ويشترك‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬ملكيته‭ ‬وحق‭ ‬التصرف‭ ‬فيه‭. ‬

وهناك‭ ‬عدة‭ ‬أسباب‭ ‬ومبررات‭ ‬جعلت‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬حدود‭ ‬كوكبنا،‭ ‬فتنظر‭ ‬إلى‭ ‬القمر‭ ‬الذي‭ ‬يبعد‭ ‬قرابة‭ ‬384400‭ ‬كيلومتر‭ ‬عن‭ ‬الأرض،‭ ‬كمعلم‭ ‬تاريخي‭ ‬تراثي‭ ‬مهدد‭ ‬بوقوع‭ ‬تغييرات‭ ‬على‭ ‬هويته،‭ ‬وطبيعته،‭ ‬وفطرته‭ ‬التي‭ ‬فطره‭ ‬الله‭ ‬عليه‭. ‬أما‭ ‬السبب‭ ‬الأول‭ ‬فهو‭ ‬أن‭ ‬أيدي‭ ‬الإنسان‭ ‬العبثية،‭ ‬وأنشطته‭ ‬اللامتناهية‭ ‬قد‭ ‬انتقلت‭ ‬من‭ ‬كوكبنا‭ ‬إلى‭ ‬عنان‭ ‬السماء‭ ‬وفي‭ ‬أعالي‭ ‬الفضاء،‭ ‬وتوسعت‭ ‬برامجه‭ ‬الطموحة‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود‭ ‬وإلى‭ ‬مواقع‭ ‬لم‭ ‬تخطر‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬على‭ ‬بال‭ ‬أحد،‭ ‬مثل‭ ‬القمر،‭ ‬والمريخ‭ ‬وغيرهما‭. ‬فبدأ‭ ‬اهتمام‭ ‬الإنسان‭ ‬يتزايد‭ ‬باستكشاف‭ ‬القمر،‭ ‬والتعرف‭ ‬على‭ ‬أسراره‭ ‬وخفاياه‭ ‬منذ‭ ‬الخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم،‭ ‬وهذا‭ ‬الاهتمام‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استراتيجيات‭ ‬وخطط‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد،‭ ‬كاستغلال‭ ‬الموارد‭ ‬والثروات‭ ‬الطبيعية‭ ‬المخزنة‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬القمر‭ ‬والتي‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها‭ ‬الإنسان‭ ‬لأنشطته‭ ‬الصناعية‭ ‬المستقبلية‭. ‬كذلك‭ ‬اعتبار‭ ‬القمر‭ ‬قاعدة‭ ‬أولية،‭ ‬وبناء‭ ‬مستعمرات‭ ‬بشرية‭ ‬عليه،‭ ‬أو‭ ‬اعتباره‭ ‬منطقة‭ ‬عبور‭ ‬وتنقل‭ ‬‮«‬ترانزيت‮»‬،‭ ‬وموقع‭ ‬للانطلاق‭ ‬نحو‭ ‬الأجسام‭ ‬البعيدة‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬كوننا‭ ‬الفسيح‭ ‬والعميق‭. ‬

فأول‭ ‬رحلة‭ ‬إلى‭ ‬القمر‭ ‬بدون‭ ‬أي‭ ‬إنسان‭ ‬في‭ ‬المركبة‭ ‬الفضائية،‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬12‭ ‬سبتمبر‭ ‬1959‭(‬لونا‭ ‬2‭) ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬واعتبرت‭ ‬أول‭ ‬رحلة‭ ‬ميدانية‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬التحام‭ ‬والتماس‭ ‬مادة‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬مع‭ ‬جسم‭ ‬كوكب‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬حيث‭ ‬حطَّت‭ ‬السفينة‭ ‬الفضائية‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬القمر‭. ‬ثم‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬فبراير‭ ‬1966‭(‬لونا‭ ‬9‭) ‬نجح‭ ‬السوفييت‭ ‬بالنزول‭ ‬بأمان‭ ‬على‭ ‬القمر‭. ‬وفي‭ ‬30‭ ‬مايو‭ ‬1966‭(‬سيرفيور‭ ‬1‭) (‬Surveyor‭ ‬1‭)‬،‭ ‬أنزلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أول‭ ‬سفينة‭ ‬على‭ ‬القمر،‭ ‬وجاءت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬المهمة‭ ‬التاريخية‭ ‬‮«‬أبولو‭ ‬11‮»‬‭ ‬في‭ ‬20‭ ‬يوليو‭ ‬1969،‭ ‬حيث‭ ‬وطأة‭ ‬قدما‭ ‬أول‭ ‬إنسان‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬القمر‭. ‬وبعد‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬الناجحة،‭ ‬توقفت‭ ‬الرحلات‭ ‬عقوداً‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬حتى‭ ‬تمكنت‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬ديسمبر‭ ‬2013‭ (‬Change-3‭) ‬ودخلت‭ ‬تاريخ‭ ‬الفضاء‭ ‬في‭ ‬النزول‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬القمر،‭ ‬كما‭ ‬نجحت‭ ‬الصين‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬أخذ‭ ‬عينة‭ ‬من‭ ‬التربة‭ ‬من‭ ‬الجزء‭ ‬البعيد‭ ‬من‭ ‬القمر‭. ‬وبعدها‭ ‬جاءت‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬المهمة‭ ‬الفضائية‭ (‬Chandrayaan-3‭) ‬في‭ ‬23‭ ‬أغسطس‭ ‬2023،‭ ‬فأصبحت‭ ‬الدولة‭ ‬الرابعة‭ ‬في‭ ‬الهبوط‭ ‬بسلام‭ ‬على‭ ‬القمر،‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬عالمياً‭ ‬في‭ ‬الهبوط‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الجنوبي‭ ‬البعيد‭ ‬من‭ ‬القمر،‭ ‬حيث‭ ‬يوجد‭ ‬الماء‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬الجليد‭.‬

وأما‭ ‬السبب‭ ‬الثاني‭ ‬فهو‭ ‬دخول‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬الاستكشافات‭ ‬الفضائية،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬الرحلات‭ ‬إلى‭ ‬القمر‭. ‬ففي‭ ‬السابق‭ ‬جميع‭ ‬المهمات‭ ‬والاستكشافات‭ ‬الفضائية‭ ‬البحثية‭ ‬كانت‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬الحكومات‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬والتمويل‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬ميزانية‭ ‬هذه‭ ‬الحكومات‭. ‬ولكن‭ ‬الخطورة‭ ‬في‭ ‬تقديري‭ ‬هو‭ ‬سياسة‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬الذي‭ ‬أولويته‭ ‬الرئيسة‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬الاستكشاف‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬الاستثمار‭ ‬وجني‭ ‬الأرباح‭ ‬والأموال‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الرحلات‭ ‬الفضائية،‭ ‬واعتبارها‭ ‬فرصاً‭ ‬للازدهار‭ ‬والنمو‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وعلى‭ ‬حساب‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬آخر،‭ ‬سواء‭ ‬أكان‭ ‬صحة‭ ‬الناس،‭ ‬أو‭ ‬صحة‭ ‬البيئة‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬كوكبنا،‭ ‬أو‭ ‬صحة‭ ‬وسلامة‭ ‬الفضاء‭ ‬والأجسام‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭. ‬فمن‭ ‬ضمن‭ ‬مهمة‭ ‬وكالة‭ ‬الفضاء‭ ‬الأمريكية‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬‮«‬أرتيميس‮»‬‭ (‬Artemis‭)‬،‭ ‬شاركت‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬الشركات‭ ‬الخاصة،‭ ‬وأسهمت‭ ‬مالياً‭ ‬مع‭ ‬ناسا‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬فبراير‭ ‬2024‭ ‬في‭ ‬هبوط‭ ‬المركبة‭ ‬‮«‬أوديسيس‮»‬‭ (‬Odysseus‭) ‬على‭ ‬سطح‭ ‬القمر‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬شركة‭ (‬STAR‭ ‬VISION‭) ‬الصينية‭ ‬أعلنت‭ ‬في‭ ‬26‭ ‬يناير‭ ‬2025‭ ‬عن‭ ‬برامجها‭ ‬الطموحة‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬الصينية‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬القومية‭ ‬الصينية‭ ‬للفضاء‭ ‬وباستخدام‭ ‬الإنسان‭ ‬الآلي‭ ‬بتقنية‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬لاستكشاف‭ ‬البيئة‭ ‬القمرية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬فضائي‭ ‬جديد‭ ‬هو‭ ‬السياحة‭ ‬الفضائية‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها،‭ ‬فالنوع‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬فقط‭ ‬الرحلة‭ ‬الفضائية‭ ‬والمكوث‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬وربما‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭ ‬ستكون‭ ‬الرحلات‭ ‬متجهة‭ ‬نحو‭ ‬القمر‭ ‬والهبوط‭ ‬على‭ ‬سطحه‭.‬

فكل‭ ‬هذه‭ ‬المهمات‭ ‬والرحلات‭ ‬الاستكشافية‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬القمر‭ ‬تركت‭ ‬وراءها‭ ‬مخلفات‭ ‬صلبة‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬كثيرة‭ ‬مختلفة،‭ ‬كالأجهزة‭ ‬والمعدات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والكبيرة،‭ ‬ولا‭ ‬يعلم‭ ‬أحد‭ ‬تأثيراتها‭ ‬المستقبلية‭ ‬على‭ ‬هوية‭ ‬سطح‭ ‬القمر،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬هددت‭ ‬نوعية‭ ‬التربة،‭ ‬وأثرت‭ ‬على‭ ‬استقرارها‭ ‬وثباتها‭.‬

فالإنسان‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬مكونات‭ ‬الأرض‭ ‬الحية‭ ‬وغير‭ ‬الحية‭ ‬التي‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬وأمام‭ ‬عينيه،‭ ‬وأثر‭ ‬عليها‭ ‬نوعياً‭ ‬وكمياً،‭ ‬فتسبب‭ ‬في‭ ‬انكشاف‭ ‬ظواهر‭ ‬ومشكلات‭ ‬بيئية‭ ‬مزمنة‭ ‬كثيرة‭ ‬انعكست‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬وسلامة‭ ‬كوكبنا‭ ‬برمته‭. ‬فهل‭ ‬سيتعلم‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الدرس‭ ‬لينجح‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬القمر‭ ‬والأجسام‭ ‬الفضائية‭ ‬الأخرى‭ ‬وبيئة‭ ‬الفضاء‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬فساد‭ ‬الإنسان؟

 

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا