العدد : ١٧١١٤ - الخميس ٣٠ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٣٠ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١١٤ - الخميس ٣٠ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٣٠ رجب ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

هذا هو «سلام» ترامب

عندما‭ ‬تحدث‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬تنصيبه‭ ‬عن‭ ‬المنطقة‭ ‬وقال‭ ‬انه‭ ‬سوف‭ ‬ينهي‭ ‬الحروب‭ ‬وسيكون‭ ‬‮«‬صانع‭ ‬سلام‮»‬،‭ ‬اعتبر‭ ‬كثيرون‭ ‬هذا‭ ‬أمرا‭ ‬إيجابيا‭ ‬مبشرا‭. ‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬لهذا‭ ‬التقدير‭ ‬الايجابي‭ ‬لحديث‭ ‬ترامب‭ ‬أي‭ ‬أساس‭. ‬القضية‭ ‬ليست‭ ‬ان‭ ‬ترامب‭ ‬يريد‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬‮«‬صانع‭ ‬سلام‮»‬،‭ ‬وانما‭ ‬أي‭ ‬سلام‭ ‬بالضبط‭ ‬يقصده‭ ‬ويريد‭ ‬ان‭ ‬يصنعه‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية؟

بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬أي‭ ‬سلام‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وأي‭ ‬أمن‭ ‬أو‭ ‬استقرار‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يتحقق‭ ‬الا‭ ‬عبر‭ ‬الحل‭ ‬العادل‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ومنح‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬حقوقه‭ ‬المشروعة،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬دولته‭ ‬المستقلة‭. ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬حال‭ ‬الموقف‭ ‬الرسمي‭ ‬لكل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭.‬

أين‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬العربي‭ ‬للسلام‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬أبسط‭ ‬ما‭ ‬يحتمه‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬ومقررات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬؟‭ ‬

لن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬مواقف‭ ‬ترامب‭ ‬المعلنة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬وما‭ ‬فعله‭ ‬أثناء‭ ‬ولايته‭ ‬الأولى،‭ ‬لكن‭ ‬سنتوقف‭ ‬عند‭ ‬المواقف‭ ‬النظرية‭ ‬والعملية‭ ‬التي‭ ‬أفصح‭ ‬عنها‭ ‬مؤخرا‭.‬

قبل‭ ‬انتخاب‭ ‬ترامب‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أفصح‭ ‬بالفعل‭ ‬عن‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬جوانب‭ ‬رؤيته‭ ‬للمنطقة‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬ان‭ ‬إسرائيل‭ ‬مساحتها‭ ‬صغيرة‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تتوسع‭. ‬بالطبع‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬إشارة‭ ‬واضحة‭ ‬جدا‭ ‬الى‭ ‬أنه‭ ‬يعتزم‭ ‬تأييد‭ ‬أي‭ ‬عدوان‭ ‬إسرائيلي‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬أرض‭ ‬عربية‭ ‬وأي‭ ‬عمليات‭ ‬توسع‭ ‬إسرائيلي‭.‬

وبمجرد‭ ‬تنصيبه‭ ‬سارع‭ ‬ترامب‭ ‬باتخاذ‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬والإجراءات،‭ ‬وعبر‭ ‬عن‭ ‬مواقف‭ ‬تكشف‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬نوع‭ ‬السلام‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭.‬

أول‭ ‬قرار‭ ‬اتخذه‭ ‬كان‭ ‬رفع‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬فرضتها‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬على‭ ‬المستوطنين‭ ‬الاسرائيليين‭ ‬الذين‭ ‬ارتكبوا‭ ‬أعمالا‭ ‬إرهابية‭ ‬مروعة‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬كما‭ ‬قال‭ ‬المعلقون،‭ ‬حتى‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬أنفسهم‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬تأييدا‭ ‬لإرهاب‭ ‬المستوطنين‭ ‬بل‭ ‬بمثابة‭ ‬ضوء‭ ‬أخضر‭ ‬كي‭ ‬يمضوا‭ ‬قدما‭ ‬في‭ ‬ارتكاب‭ ‬أي‭ ‬جرائم‭ ‬إرهابية‭ ‬بحق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وهم‭ ‬مطمئنون‭ ‬الى‭ ‬مباركة‭ ‬ترامب‭.‬

هذا‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬المستوطنين‭ ‬وإرهابهم‭ ‬وراءه‭ ‬موقف‭ ‬آخر‭ ‬أكثر‭ ‬خطورة‭ ‬يتبناه‭ ‬ترامب،‭ ‬هو‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬تقوم‭ ‬اسرائيل‭ ‬بضمّ‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭.‬

سبق‭ ‬لترامب‭ ‬ان‭ ‬عبر‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭. ‬ومنذ‭ ‬أيام‭ ‬قال‭ ‬أحد‭ ‬مستشاريه‭ -‬ويدعى‭ ‬مايك‭ ‬ايفانس‭- ‬انه‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬القادمة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬ترامب‭ ‬‮«‬سيكون‭ ‬هناك‭ ‬ضم‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‮»‬‭.‬

بالطبع‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬ضم‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬تعني‭ ‬أنه‭ ‬بالنسبة‭ ‬لترامب‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬لإقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬بأي‭ ‬صيغة،‭ ‬وأنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬مكان‭ ‬أصلا‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭.‬

وقبل‭ ‬أيام‭ ‬أصدر‭ ‬ترامب‭ ‬تعليمات‭ ‬للجيش‭ ‬برفع‭ ‬الحظر‭ ‬الذي‭ ‬فرضه‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬بايدن‭ ‬على‭ ‬توريد‭ ‬قنابل‭ ‬تزن‭ ‬ألفي‭ ‬طن‭ ‬الى‭ ‬إسرائيل‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يعنيه‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬من‭ ‬تأييد‭ ‬لجرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬الشاملة‭ ‬التي‭ ‬ترتكبها‭ ‬إسرائيل‭. ‬

وتابعنا‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬الكارثة‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬ترامب‭.. ‬نعني‭ ‬دعوته‭ ‬الصريحة‭ ‬إلى‭ ‬تهجير‭ ‬كل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬بلادهم‭ ‬الى‭ ‬الأردن‭ ‬ومصر‭.‬

لسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬الحديث‭ ‬عما‭ ‬يعنيه‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬تصفية‭ ‬نهائية‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬تحذر‭ ‬منه‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬مواقفها‭ ‬واجتماعاتها‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬يريد‭ ‬ترامب‭ ‬أن‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تطبيع‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭.‬

الجوانب‭ ‬التي‭ ‬ذكرناها‭ ‬تلخص‭ ‬إذن‭ ‬معنى‭ ‬‮«‬السلام‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يريده‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭.‬

‮«‬سلام‮»‬‭ ‬ترامب‭ ‬يعني‭ ‬أمورا‭ ‬ثلاثة‭ ‬محددة‭:‬

1‭ - ‬التصفية‭ ‬النهائية‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬أي‭ ‬قتل‭ ‬القضية‭.‬

2‭ - ‬تمكين‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأبدي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭. ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬إطلاق‭ ‬يدها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬كلها‭ ‬لتنفيذ‭ ‬أي‭ ‬عدوان‭ ‬او‭ ‬توسع‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

3‭ - ‬ويعني‭ ‬هذا‭ ‬بالطبع‭ ‬ان‭ ‬ترامب‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يحكم‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬الدائم‭.‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬‮«‬السلام‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يريده‭ ‬ترامب‭.‬

المسألة‭ ‬المهمة‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬يريده‭ ‬ترامب‭ ‬ليست‭ ‬مواقف‭ ‬عابرة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬خطة‭ ‬متكاملة‭ ‬لفرض‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬بكامله،‭ ‬وضعت‭ ‬إسرائيل‭ ‬أبعادها‭ ‬وأقرها‭ ‬هو‭.‬

بعد‭ ‬ان‭ ‬اتضحت‭ ‬كارثة‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬ترامب‭ ‬فرضه‭ ‬على‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو،‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬ماذا‭ ‬ستقرر‭ ‬وماذا‭ ‬ستفعل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذا‭ ‬الخطر‭ ‬الوجودي‭ ‬التاريخي‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا