العدد : ١٧١١٤ - الخميس ٣٠ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٣٠ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١١٤ - الخميس ٣٠ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٣٠ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

التغيير في لبنان يصنعه الشعب

بقلم: فاروق يوسف

الثلاثاء ٢٨ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

أن‭ ‬يتفاءل‭ ‬اللبنانيون‭ ‬باختيار‭ ‬جوزيف‭ ‬عون‭ ‬رئيسًا‭ ‬للجمهورية،‭ ‬فهم‭ ‬على‭ ‬حق‭. ‬وأن‭ ‬يتسع‭ ‬فضاء‭ ‬تفاؤلهم‭ ‬بتسمية‭ ‬رجل‭ ‬القانون‭ ‬نواف‭ ‬سلام‭ ‬رئيسًا‭ ‬للوزراء،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أملهم‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬مرحلة‭ ‬التغيير‭ ‬قد‭ ‬أصبحت‭ ‬حقيقة‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تفاؤلهم‭ ‬سيظل‭ ‬ناقصًا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬تنحية‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬المكرسة‭ ‬تاريخيًّا‭ ‬جانبًا،‭ ‬فتلك‭ ‬الطبقة‭ ‬التي‭ ‬حوّلت‭ ‬لبنان‭ ‬عبر‭ ‬الخمسين‭ ‬سنة‭ ‬الماضية‭ ‬إلى‭ ‬إقطاعيات‭ ‬لمصالحها‭ ‬هي‭ ‬الوباء‭ ‬الذي‭ ‬جلب‭ ‬كل‭ ‬الكوارث‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬لبنان،‭ ‬بدءًا‭ ‬بحربه‭ ‬الأهلية‭ ‬منتصف‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وانتهاءً‭ ‬بهيمنة‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تابعها‭ ‬حزب‭ ‬الله،‭ ‬والتي‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬لولا‭ ‬الجنون‭ ‬الذي‭ ‬أصيبت‭ ‬به‭ ‬إسرائيل‭ ‬بعد‭ ‬هجوم‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬ودخول‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭.‬

ومن‭ ‬المهم‭ ‬هنا‭ ‬التذكير‭ ‬بأن‭ ‬تلك‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬راغبة‭ ‬في‭ ‬الانتقال‭ ‬بلبنان‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬سياسية‭ ‬جديدة‭ ‬تقع‭ ‬خارج‭ ‬وصاية‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صفّت‭ ‬إسرائيل‭ ‬قيادتي‭ ‬الحزب‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬وباتت‭ ‬إيران‭ ‬عاجزة‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬مد‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬لكتلة‭ ‬الحزب‭ ‬البشرية‭ ‬الضائعة‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬مكشوفة‭ ‬بما‭ ‬يمنعها‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬المسلح‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬تنتحر‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنها‭ ‬ستحظى‭ ‬بقبول‭ ‬الطائفة‭ ‬الشيعية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أدرى‭ ‬بما‭ ‬تفعله‭ ‬الحرب‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬أصحاب‭ ‬الإقطاعيات‭ ‬يميلون‭ ‬إلى‭ ‬فتح‭ ‬صفحة‭ ‬سياسية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬لأنهم‭ ‬يدركون‭ ‬أن‭ ‬طي‭ ‬صفحة‭ ‬الماضي‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تتضمن‭ ‬خروجهم‭ ‬من‭ ‬المشهد‭ ‬بشكل‭ ‬نهائي‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬ماضي‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬معظم‭ ‬أولئك‭ ‬الإقطاعيين‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬ورثة‭ ‬العمل‭ ‬الطائفي‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تحضر‭ ‬صورهم‭ ‬وهم‭ ‬يحجّون‭ ‬إلى‭ ‬الضاحية‭ ‬لملاقاة‭ ‬زعيم‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬الراحل‭ ‬أو‭ ‬الجلوس‭ ‬في‭ ‬الصفوف‭ ‬الأولى‭ ‬أمام‭ ‬الشاشة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬يلقي‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬خطاباته‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬أحيانا‭ ‬يسخر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬منهم‭. ‬

بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭ ‬أسهمت‭ ‬تلك‭ ‬الطبقة‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬لبنان‭ ‬تحت‭ ‬حزب‭ ‬الله‭. ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬فإن‭ ‬حسن‭ ‬نصرالله‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يتأخر‭ ‬عن‭ ‬تقديم‭ ‬الحماية‭ ‬لهم‭ ‬وهم‭ ‬يعيثون‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬اللبناني‭ ‬فسادا‭. ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬تبادل‭ ‬المنفعة‭ ‬ذهب‭ ‬لبنان‭ ‬بشعبه‭ ‬ضحية‭ ‬له‭. ‬حتى‭ ‬المحكمة‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬أصدرت‭ ‬أحكامها‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬اغتيال‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الأسبق‭ ‬رفيق‭ ‬الحريري‭ ‬كانت‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬اختراق‭ ‬السياج‭ ‬الحكومي‭ ‬الذي‭ ‬التف‭ ‬حول‭ ‬حزب‭ ‬الله‭.‬

على‭ ‬مدار‭ ‬سنتين‭ ‬ظل‭ ‬لبنان‭ ‬عاجزا‭ ‬عن‭ ‬اختيار‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬يدير‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬قصر‭ ‬بعبدا‭ ‬كرئيس‭ ‬للجمهورية‭ ‬وظل‭ ‬يُدار‭ ‬بطريقة‭ ‬عرجاء‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬حكومة‭ ‬تصريف‭ ‬الأعمال‭. ‬أما‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬واجهة‭ ‬للأطراف‭ ‬المستفيدة‭ ‬من‭ ‬شلل‭ ‬الدولة‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬الشعب‭ ‬ينتظر‭ ‬منه‭ ‬ما‭ ‬ينفع‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬أزماته‭ ‬التي‭ ‬صغرت‭ ‬فيها‭ ‬سرقة‭ ‬أموال‭ ‬المودعين‭ ‬في‭ ‬المصارف‭ ‬أمام‭ ‬الانفجار‭ ‬العظيم‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬مرفأ‭ ‬بيروت‭ ‬وكان‭ ‬القضاء‭ ‬واضحا‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬الاتهام‭ ‬إلى‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬باعتباره‭ ‬صاحب‭ ‬المخازن‭ ‬التي‭ ‬انفجرت‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬تواطأت‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬مع‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬جرائمه‭ ‬التي‭ ‬همّش‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الدولة‭ ‬اللبنانية‭ ‬وكان‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬هو‭ ‬الأداة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬استعمالها‭ ‬لتأكيد‭ ‬ذلك‭ ‬التهميش‭.‬

بعد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬لحزب‭ ‬الله‭ ‬عاد‭ ‬لبنان‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المنظار‭ ‬الفرنسي‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المنظار‭ ‬الأمريكي‭. ‬ولأن‭ ‬أفراد‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬خبراء‭ ‬بالفرق‭ ‬بين‭ ‬المنظارين‭ ‬فقد‭ ‬سارعوا‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬لانتخاب‭ ‬قائد‭ ‬الجيش‭ ‬السابق‭ ‬رئيسا‭ ‬للجمهورية‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الإجراء‭ ‬على‭ ‬أهميته‭ ‬لا‭ ‬يشكل‭ ‬جوهر‭ ‬التحول‭ ‬الذي‭ ‬يحتاجه‭ ‬لبنان‭.‬

إن‭ ‬لبنان‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬طبقة‭ ‬سياسية‭ ‬جديدة‭. ‬طبقة‭ ‬تمثل‭ ‬حاضره‭. ‬طبقة‭ ‬تنتصر‭ ‬لشعبه‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬منبوذا‭ ‬ومقادا‭ ‬بطريقة‭ ‬ذليلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العوائل‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬عائلات‭ ‬إقطاعية‭. ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬مهمة‭ ‬الشعب‭ ‬اللبناني‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬القادمة‭.‬

لن‭ ‬يتغير‭ ‬لبنان‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬فيه،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬رئيسه‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬بقايا‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬إلى‭ ‬أصغر‭ ‬أفراده‭ ‬الذين‭ ‬يمثلون‭ ‬عوائلهم‭. ‬ذلك‭ ‬يتطلب‭ ‬أن‭ ‬يتغير‭ ‬الشعب‭ ‬اللبناني‭ ‬ليكون‭ ‬مناسبا‭ ‬لبناء‭ ‬دولة‭ ‬حديثة،‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬يثق‭ ‬العالم‭ ‬بها‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬من‭ ‬معاناة‭ ‬عبر‭ ‬الخمسين‭ ‬سنة‭ ‬الماضية‭.‬

ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬لبنان‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكف‭ ‬اللبنانيون‭ ‬عن‭ ‬خدمة‭ ‬العوائل‭ ‬الإقطاعية‭ ‬التي‭ ‬استعبدتهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوهم‭ ‬السياسي‭. ‬لبنان‭ ‬المعاصر‭ ‬هو‭ ‬دولة‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تتنفس‭ ‬هواء‭ ‬العصر،‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كمالياته‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جوهره‭ ‬الحي‭ ‬الذي‭ ‬يضع‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬أهدافه‭.‬

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا