العدد : ١٧١٢١ - الخميس ٠٦ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٢١ - الخميس ٠٦ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ شعبان ١٤٤٦هـ

مقالات

الصيرفة الإسلامية ومقاصد الشريعة

بقلم: عدنان يوسف

الاثنين ٢٧ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

اشتهر‭ ‬عن‭ ‬الشيخ‭ ‬صالح‭ ‬كامل‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬تأكيده‭ ‬الدائم‭ ‬على‭ ‬مقاصد‭ ‬الشريعة‭ ‬في‭ ‬التمويل‭ ‬الإسلامي،‭ ‬مذكرا‭ ‬دوما‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالي‭ ‬أوكل‭ ‬إلينا‭ ‬مهمة‭ ‬إعمار‭ ‬الأرض،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬ينتقد‭ ‬باستمرار‭ ‬تركيز‭ ‬البنوك‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬تكييف‭ ‬منتجاتهم‭ ‬مع‭ ‬الصيغ‭ ‬المتوافقة‭ ‬مع‭ ‬الشريعة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يولوا‭ ‬نفس‭ ‬الاهتمام‭ ‬للأغراض‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬هذه‭ ‬التمويلات‭.‬

نحن‭ ‬نقول‭ ‬للأسف‭ ‬إن‭ ‬ممارسات‭ ‬بعض‭ ‬البنوك‭ ‬الإسلامية‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬إعطاء‭ ‬هذا‭ ‬الانطباع،‭ ‬ولكن‭ ‬الصيرفة‭ ‬الإسلامية‭ ‬الحقة،‭ ‬وفقا‭ ‬لمفهومنا‭ ‬الذي‭ ‬عملنا‭ ‬على‭ ‬التمسك‭ ‬به‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬عقود،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬خدمات‭ ‬وتمويلات‭ ‬مصرفية‭ ‬حقيقية‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬مقاصد‭ ‬الشريعة‭ ‬السمحاء‭.‬

ومما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬الأزمات‭ ‬المالية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬العالم‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الثقة‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬النموذج‭ ‬المالي‭ ‬الإسلامي‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬الاستدامة،‭ ‬حيث‭ ‬أظهرت‭ ‬تلك‭ ‬الأزمات‭ ‬قدرة‭ ‬هذه‭ ‬الصناعة‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬أزمات‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية،‭ ‬وتجنب‭ ‬مشاكل‭ ‬الديون‭ ‬المتعثرة‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬منها‭ ‬الأسواق‭ ‬المصرفية‭ ‬التقليدية‭.‬

ولكن‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نذكر‭ ‬باستمرار‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬البنوك‭ ‬الإسلامية‭ ‬التمسك‭ ‬بمقاصد‭ ‬الشريعة‭ ‬في‭ ‬التمويل‭ ‬الإسلامي‭ ‬والتركيز‭ ‬عليها،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬نجاح‭ ‬البنوك‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬تجنب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬انعكاسات‭ ‬الأزمات‭ ‬المالية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬كان‭ ‬بسبب‭ ‬تجنيب‭ ‬نفسها‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬مضاربات‭ ‬مثل‭ ‬التعامل‭ ‬في‭ ‬المشتقات،‭ ‬وكانت‭ ‬حريصة‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬التمويل‭ ‬المرتبط‭ ‬بالأصول‭ ‬الحقيقية‭ ‬وليس‭ ‬الورقية‭ ‬وفقا‭ ‬لمفهوم‭ ‬إعمار‭ ‬الأرض‭.‬

إن‭ ‬الالتزام‭ ‬بمقاصد‭ ‬الشريعة‭ ‬في‭ ‬التمويل‭ ‬الإسلامي‭ ‬يوفر‭ ‬للصناعة‭ ‬المالية‭ ‬الإسلامية‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المقومات‭ ‬التي‭ ‬تحقق‭ ‬لها‭ ‬الأمن‭ ‬والأمان‭ ‬وتقليل‭ ‬المخاطر‭ ‬مثل‭ ‬الأمانة‭ ‬والمصداقية‭ ‬والشفافية‭ ‬والبينة‭ ‬والتيسير‭ ‬والتعاون‭ ‬والتكامل‭ ‬والتضامن،‭ ‬فلا‭ ‬اقتصاد‭ ‬إسلامي‭ ‬بدون‭ ‬أخلاق‭ ‬ومثل،‭ ‬وتعتبر‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬من‭ ‬الضمانات‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحقق‭ ‬الأمن‭ ‬والأمان‭ ‬والاستقرار‭ ‬لكافة‭ ‬المتعاملين،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تحرم‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬المعاملات‭ ‬المالية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الكذب‭ ‬والمقامرة‭ ‬والتدليس‭ ‬والغرر‭ ‬والجهالة‭ ‬والاحتكار‭ ‬والاستغلال‭ ‬والجشع‭ ‬والظلم‭. ‬ومن‭ ‬المقومات‭ ‬الرئيسية‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬المالي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬الإسلامي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الربح‭ ‬والخسارة‭ ‬وعلى‭ ‬التداول‭ ‬الفعلي‭ ‬للأموال‭ ‬والموجودات‭.‬

ولو‭ ‬تحدثنا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬أسباب‭ ‬الأزمات‭ ‬المالية‭ ‬فإن‭ ‬التمويل‭ ‬المالي‭ ‬الإسلامي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬علاج‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدة‭ ‬جوانب‭ ‬منها‭ ‬تعديل‭ ‬أسلوب‭ ‬التمويل‭ ‬العقاري،‭ ‬ليكون‭ ‬بإحدى‭ ‬الصيغ‭ ‬الإسلامية‭ ‬منها‭ ‬أسلوب‭ ‬المشاركة‭ ‬التأجيرية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ضبط‭ ‬عملية‭ ‬التوريق‭ ‬لتكون‭ ‬لأصول‭ ‬عينية‭ ‬وليس‭ ‬للديون‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬المالية‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬صكوك‭ ‬الإجارة‭ ‬والمشاركة‭ ‬والمضاربة،‭ ‬أما‭ ‬الديون‭ ‬فيمكن‭ ‬توريقها‭ ‬عند‭ ‬الإنشاء‭ ‬ولا‭ ‬تتداول،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬المالية‭ ‬الإسلامية‭ ‬بصكوك‭ ‬المرابحة‭ ‬والسلم‭ ‬والاستصناع‭.‬

كما‭ ‬يمكن‭ ‬منع‭ ‬أساليب‭ ‬المضاربات‭ ‬القصيرة‭ ‬الأجل‭ ‬من‭ ‬البيع‭ ‬على‭ ‬المكشوف‭ ‬والشراء‭ ‬بالهامش‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬إثر‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬وإنجلترا،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬التعامل‭ ‬بالمشتقات‭ ‬مثل‭ ‬المستقبليات‭ ‬والتعامل‭ ‬بدلا‭ ‬منها‭ ‬بأسلوب‭ ‬بيع‭ ‬السلم‭. ‬وجعل‭ ‬الخيارات‭ ‬بدون‭ ‬مقابل‭ ‬كما‭ ‬قرر‭ ‬الفقه‭ ‬الإسلامي‭ ‬والانتهاء‭ ‬عن‭ ‬التعامل‭ ‬في‭ ‬المؤشرات‭ ‬بيعا‭ ‬وشراء‭ ‬والانتهاء‭ ‬عن‭ ‬الفوائد‭ ‬الربوية‭ ‬واستخدام‭ ‬أساليب‭ ‬المشاركات‭ ‬والبيوع،‭ ‬ووضع‭ ‬ضوابط‭ ‬للمعاملات‭ ‬ووجود‭ ‬هيئات‭ ‬متخصصة‭ ‬للإشراف‭ ‬والرقابة‭ ‬على‭ ‬الأسواق‭ ‬والمؤسسات‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الحرية‭ ‬المنضبطة‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬عليها‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الإسلامي‭ ‬وفوق‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬جعل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬أخلاقيا‭ ‬ووضع‭ ‬السبل‭ ‬التي‭ ‬تساند‭ ‬الالتزام‭ ‬بالأخلاق‭ ‬الحميدة‭ ‬في‭ ‬التطبيق‭.‬

سوف‭ ‬نظل‭ ‬نتذكر‭ ‬للشيخ‭ ‬صالح‭ ‬كامل‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬تمسكه‭ ‬الواضح‭ ‬بنموذج‭ ‬الصيرفة‭ ‬الإسلامية‭ ‬الأخلاقي‭ ‬ودافع‭ ‬عنه‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬أيامه‭ ‬وعمل‭ ‬على‭ ‬تجسيده‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬البنوك‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬أسسها‭ ‬وترأس‭ ‬مجالس‭ ‬إدارتها،‭ ‬بل‭ ‬كافة‭ ‬أعماله‭ ‬التجارية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا