في العصر التي تمكنت فيه التكنولوجيا من أن تخترق المجالات قاطبة، حيث شهدنا خلال السنوات القليلة الماضية ثورة صناعية ضخمة وطفرة تكنولوجية هائلة، استطاعت من خلالها أن تثبت أنها عنصر حيوي وفاعل في مختلف التخصصات، تمكنت كذلك من الولوج إلى الساحة الدولية بمختلف مجالاتها وأبعادها بما فيها مجال العمل السياسي والدبلوماسي والعلاقات الدولية، حيث أحدثت فيهم أثرا عميقا وتغيرات ملحوظة، كطرق إبداء الفعل، وطرق التعاطي بين الفاعلين، وبيئة العمل الدولي بشكل عام.
كما أثرت على تحول مسار طبيعة عنصر القوة داخل نطاق العلاقات الدولية، وغيرت من مؤشرات القياس القديمة والتقليدية لرصد مقدار أثر هذا العنصر بين الدول والحكومات، وذلك بسبب التحولات التي أحدثتها التكنولوجيا في جوهر وهيكل وسياق عنصر القوة، الأمر الذي ترتب عليه إعادة توزيع أوراق العلاقات الدولية في توازن القوى، وذلك لأن التكنولوجيا منحت بعض الدول الضعيفة في مجال العلاقات الدولية قوة لم تكن تملكها من قبل.
وكان للتكنولوجيا تأثير في طبيعة ردود الأفعال الدولية، التي يمكن تقسيمها في العلاقات الدولية إلى (السلام والحرب)، حيث لا يمكن أن ننكر أن كان لها ظل ثقيل ألقى بآثاره في الحروب الدولية، إلا أن كان لها أيضًا شعاع بازغ ألقى بنوره على عملية السلام، وذلك من خلال الدبلوماسية العلمية التي تعد أحد أجزاء الأنظمة الدبلوماسية في العالم، حيث باتت تتخذ شكل عملية ثنائية أو متعددة الأطراف، وذلك من خلال التعاون بين الدول والحكومات أو المؤسسات الإقليمية والدولية في مجال التطور التكنولوجي.
إذ يتم اليوم الاعتماد على التكنولوجيا في العلاقات الدولية، من خلال استخدام العديد من التقنيات الحديث والمتقدمة، كبرامج التحليل البياني وذلك لتحليل البيانات المعقدة ولرصد التغيرات في العلاقات الدولية، وتقنيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي في التحليل الاقتصادي والسياسي والتنبؤ بالأحداث وصنع القرار، كذلك تكنولوجيا الاتصال والمعلومات لتسهيل عملية التواصل والتفاعل بين الدول والمنظمات الدولية.
ويتم استخدام الروبوتات والطائرات من دون طيار في العمليات الاستخباراتية والمراقبة السياسية وبعض الاحتياجات العسكرية، كما تستخدم العديد من الدول والقادة السياسيين والمؤسسات الدولية الشبكات الاجتماعية للتواصل والتعبير بينها وبين بعضها البعض أو مع المواطنين والمجتمع المدني بشكل عام.
كما يتم استخدام تقنية «البلوك تشين» أو «سلسلة الكتل» لزيادة الأمن في المعاملات الدولية، وكذلك لتعزيز الدبلوماسية وتلافي النزاعات بين الدول، حيث إن هذه التقنية تسمح بمشاركة المعلومات بشفافية، بالإضافة إلى التكنولوجيا الحيوية، وتقنية النانو، وحلول الأمن السيبراني، وإنترنت الأشياء، والطاقة المتجددة، واكتشاف الفضاء والأسلحة المستقلة وغيرها.
وعلى الرغم من محطات التعاون التكنولوجي في العلاقات الدولية فإن هناك الكثير من التنافس أيضًا، ومحاولات فرض للنفوذ والسيطرة في مجال التقدم التكنولوجي، وهذا ليس بشيء جديد، إذ ظل التنافس الدولي في نطاق العلاقات الدولية سنوات طويلة محصورا بين الجغرافيا السياسية والجغرافيا الاقتصادية، لكن يمكن القول بأن اليوم هناك متغير جديد اقتحم الساحة وهو المتغير التكنولوجي، الذي بات يتسيد المشهد الدولي حاليًا، والذي من شأنه قلب الموازيين وتغيير أقطاب القوى العالمية، الأمر الذي بات يخلق تنافسا في مجال التكنولوجيا بين الدول العظمى، وذلك للمحافظة على هيمنتها على عنصر القوة، إلا أن تطور المنظومة التكنولوجية للدول ومقدار ما تملكه من قدرات تكنولوجية هو ما سيحسم ذلك، ويحدد القوى الكبرى في المستقبل القريب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك