تعد الحضارة أساس الدول المتقدمة عالميا، لا سيما في مجال العمران والبنية التحتية، فما بالك لو ارتبط هذا بالتكنولوجيا العصرية! ذلك ما باتت تتوجه نحوه دول العالم، من خلال تبني سياسة التحول نحو تشييد المدن الذكية، وهو المفهوم الذي أصبح سائدًا مؤخرًا على الساحة التكنولوجية، ويهيمن على القطاع العقاري، ليصبح رؤية عالمية لأي مدينة قيد الإنشاء أو بصدد التطوير، بمختلف مسمياتها المتعددة ما بين المدن الذكية أو الرقمية أو الإيكولوجية أو التكنولوجية.
إلا أن المتفق عليه هو أن هذه المدن المستقبلية؛ ستكسب الدول رؤية شاملة لكافة العمليات وللبنية الأساسية ولمختلف الخدمات باستخدام أحدث الحلول الرقمية، الأمر الذي من شأنه التنبؤ بالمشكلات المحتملة، والتغلب على التحديات المتوقعة، بما يتيح الفرصة لتحسين المخرجات والنتائج، وهذا ما من شأنه أن يتيح للسكان وللسياح وللمؤسسات بتنوعها تجربة ذات مستوى رفيع تنبئ بمستقبل مشرق، بما يحقق مزيدًا من الرفاهية للفرد والمجتمع.
فالمدن الذكية كما يمكن تعريفها، هي المدن التي تعتمد على التقنيات الرقمية، أي تكون مجهزة بتقنيات المعلومات والاتصالات، وتعتمد على جودة البنية الأساسية، وتضم أحدث الخدمات الحكومية، وتعمل كمحفز لديناميكية التنمية الاقتصادية، وتوفر سهولة الوصول والتنقل، وتتسم بالاستخدام الفعال للبيانات والتحليلات والتكنولوجيا، بما يضمن الكفاءة والاستدامة، خاصة إبان تحديات العصر الأكثر تعقيدًا من ناحية الكثافة السكانية ومتطلبات الوصول السهل والسريع للمعلومة، والتي تشكل ضغطًا على مختلف الجهات الخدمية، خاصة في هذا العصر الذي يضج بالسرعة، ويصطبغ بالطابع الرقمي، لذلك تسعى الحكومات لتسريع التحول الرقمي، وذلك بهدف توفير أفضل الخدمات من حيث الجودة والثقة والآمن للمستهلكين، وخاصة أن هذه المدن باتت أكثر الأماكن المطلوبة والمرغوبة سواء للمعيشة أو للعمل.
إذ توعد هذه المدن التي تحتوي على مجموعة من التكنولوجيات المتطورة؛ كانترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والحوسبة السحابية وغيرها من حلول المدن الذكية بفوائد عديدة، وذلك من أجل تسهيل الحياة اليومية بما يضمن جودة حياة الفرد والمجتمع، من خلال توفير خدمات ذكية ومبتكرة بما يسهل العمليات الحكومية، كما تعمل على دعم وتحفيز النمو الاقتصادي بما يسهم بتطور الاقتصاد الرقمي، وتعزيز الاستدامة البيئية عبر تبني التقنيات البيئية المحفزة للحياة المستدامة، وضمان كفاءة البنية الأساسية بالاعتماد على البيانات للصيانة الدورية، وتعزيز الأمن بشكل عام عن طريق نظم الرصد والمراقبة الذكية، إلى جانب تعزيز إمكانية إدارة الموارد وتقنين الاستهلاك، وتسيير النقل وتمكين العمليات اللوجستية بأفضل الطرق من خلال نظم مراقبة حركة المرور، وإتاحة الفرص لجمع البيانات وتحليلها بما يعود بنتائج ذات قيمة أعلى في كافة الأمور الحيوية. يمثل اليوم مشروع المدن الرقمية المتكاملة نموذجا جديدا بدول مجلس التعاون الخليجي، وذلك بما يتماشى مع مبادراتهم الوطنية التي تسعى لرفاهية المجتمع، وتعزيز الابتكار بأعلى معايير الجودة، بما يستهدف الرقمنة والتنوع الاقتصادي، حيث بدأت تخطط لتشييد هذه المدن، إذ أعلنت مملكة البحرين في نوفمبر المنصرم (مدينة الهملة الرقمية) التي تتبنى رؤية طموحة ومعيارا يحتذى به لحياة عصرية تعزز الاستدامة والشمولية والرقمنة، كما أعلنت المملكة العربية السعودية المشروع العملاق (لمدينة المستقبل نيوم) التي توعد بزخم عمراني وثورة تكنولوجية تعتمد على الروبوتات عوضا عن العنصر البشري.
نحن اليوم على الصعيد الإقليمي موعودون بحياة ذات جودة أفضل، برتم أسرع وأكثر سهولة وأقل بيروقراطية بالمستقبل القريب، بما يكفل لنا على كافة الأصعدة نقلة نوعية وتجربة استثنائية وفريدة، قادرة على أن توفر لنا مزيدًا من الوقت وتحفظ لنا كثرًا من الجهد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك