جاء في سورة القمر، في أربعة مواضع منها قوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) الآيات: (17، 22، 32 ،40) في هذه الآيات رفع الحق سبحانه وتعالى الحرج عن المؤمنين عند محاولة فهم النص القرآني من خلال تدبر الآيات التي نتلوها في صلاتنا، وفِي تلاوتنا للقرآن طلبًا للأجر، وتقربًا إلى الله تعالى.
وضرورة فهم النص القرآني وإدراك مقاصده وغاياته لنستعين بهذا الفهم حتى نطبق الأحكام القرآنية في حياتنا، ونعرف حدود المباح فلا نتجاوزه، وندرك خطر المعاصي فلا نكتفي بتركها، بل نحاول أن نتجنب السبيل إليها.
ولأن القرآن إنما نزل للتدبر، وتنظيم حركة الحياة، والتطبيق لما جاء في القرآن من أوامر ونواه، وهذا المسألة تحتاج إلى أمرين اثنين الأول: فهم مقاصد القرآن، والثاني: فهم أسرار الإنسان وقدراته، فقد يكون الإنسان قادرًا، فيصبح عاجزًا، ويكون سليمًا فتداهمه الأمراض فيعجز عن أداء التكاليف بتمامها، فيخفف عنه الله تعالى شيئًا من شروط التكاليف، وهذا الفهم الذي نسعى إليه للنص القرآني يقود إلى التصالح مع هذا النص في عمومه وخصوصه، وكما أن للعموم مفاتيح، فكذلك للخصوص مفاتيح، وإذا كان مفتاح العموم هو قوله تعالى: (قل يا أيها الناس..)، فإن المفتاح الآخر هو قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) البقرة / 153.
وإذا كان الغالب في خطاب يا أيها الناس يدور حول قضايا العقائد وما شابهها من الأمور التي يشترك فيها المؤمن وغير المؤمن، فإن الخطاب بـ« يا أيها الذين آمنوا» خاص بالتكاليف وعلى هذا الأساس قسم العلماء آيات القرآن إلى مكي ومدني، فالذي نزل في مكة الغالب على آياته الدعوة إلى التوحيد، وأما القسم الثاني فهو المدني أي الذي نزل في المدينة وغالب آياته تتعلق بالأحكام الفقهية.
إذًا، فمن آيات العموم قوله تعالى: (يا أيها الناس ضرب مثلٌ فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئًا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب (72) ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز(73)) (سورة الحج).
قضية أخرى يتوجه إليها القرآن في صراحة ووضوح، وهي قوله سبحانه: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة / 21. وأيضًا حين يدعوهم إلى أمر يهمهم جميعًا ولا يستثني منهم أحدًا، وهو ما يتعلق بمعاشهم من الطعام والشراب، فيبين لهم الحلال الطيب، والحرام الخبيث، وطعام الضرورة، وهو الذي في أصله حرام ولكن يبيح الحق سبحانه شيئًا منه عند الضرورة، ومن الممكن أن نطلق عليه «طعام الضرورة» وهذا دليل على سماحة الإسلام ويسره الذي يقول الله تعالى عنه: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر..) البقرة/ 185.
وأيضًا هناك خطاب عامٌ للناس جميعًا حول الإيمان بنبوة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) وذلك في قوله تعالى: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) الأعراف/ 158.
هذا ما يتعلق بخطاب العموم، أما ما يتعلق بخطاب الخصوص، فهو خطاب له سماته، وبداياته ونهاياته، والغالب أن مفتاح هذا الخطاب هو التكاليف التي تأتي عقب الاستفتاح في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا..)، إن المخاطب هنا هم المؤمنون الذين يدينون لله تعالى بالولاء الذي لا تشوبه شائبة من شرك خفي أو جلي.
وفِي بيان واضح وصريح يرفع الحرج عن المؤمنين في مواضع من القرآن العظيم، ففي مواضع أخرى يأمر بالعزائم، ففي المباحات يكتفي بالأمر إلى فعلها، وأما في النواهي، فلا يكتفي بالنهي عن التعدي، بل ينهي ويشدد في النهي عن مجرد الاقتراب منها كما قال سبحانه عن النهي عن الزنا قال تعالى: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) الإسراء/ 32.
ولقد تضمن برنامج التدريب الذي أُعد لآدم (عليه السلام) الأمرين معًا، قال تعالى: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) الأعراف / 19.
إذًا، فجميع أشجار الجنة مباحة إلا هذه الشجرة الوحيدة ليس فقط ممنوع الأكل منها، بل ممنوع حتى مجرد الاقتراب منها، وقال العلماء: «إن الأصل في الأشياء الإباحة، ولا تحريم إلا بنص».
هذا هو الإسلام، وهذه عظمة شرائعه.. وهذا هو منهجه القويم الذي صلح عليه أمر الدنيا والآخرة، الدين الذي يرفع شعار: «يريد الله بكم اليسر، ولا يريد بكم العسر».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك