الكتابة عن الأديبة الروائية والقاصة زينب علي البحراني، سيرة عميقة في البعد الإنساني، أديبة لم تتركنا لوحشة الخوف دون أن تغطينا بوشاح يسترُ عفتنا بشيء من الحب ومن الإخلاص والتفاني، كونها اليد البيضاء والقلم الناصع الذي يقدم ولا يطلب، فهي سيرة النقاء في زمن فقد فيه هذا النقاء واضمحلت لغة الحب الحميمي.
منذ سنوات بعيدة وهي التي تصر على أن تفتح كل أبواب الخير وترمي لكل الجياع زادها، لم تبخل بشيء كونها كالنحلة أو كالفتيلة التي تذوب في الاحتراق لترسم البسمة على شفاه الآخرين.
قلم ناصع، يغربل الحياة بغربال الإبداع، من دون أن تنتظر من أحد كلمة شكر أو ثناء.
سيرة المرأة التي تحاكي الحياة، وتبحث في شدة الظهيرة عن واقع الكلمة (الصدق) لا ترى في شدة الاحتراق ما يمنعها عن تقديم رسالتها الإنسانية المقرونة بالبحث المضني في إبداعات من سبقوها، من دون أن تكل، تترك لقلمها ما يجب أن يكتب!
منذ كانت طالبة وهاجس الكتابة يخيط عالمها بالإصرار، فلا ترضى لنفسها الجلوس في الخلف، بل يتقدمها واجبها الذي اعتدتُ منذ عرفتها واقفة كنخلة عالية مثمرة معطاء، انها امرأة نقية ذات طيبة عالية التفاني شديدة في بناء علاقاتها الإنسانية، إنها المثقفة التي لا تلين أو تنكسر، رغم الخطوب التي صادفت مسيرتها الإنسانية والأدبية وفقدها أقرب الناس لقلبها، ظلت لا تشغل الآخرين بحزنها، بل تقدم ابتسامتها وتحنو على كل قلب بحاجة إلى الوقوف معه.
إنها المرأة الاجتماعية، في كل محفل أدبي أو إنساني تراها بين الجموع، بصمت تحبر ما يشدها في تلك المحافل، تقدم رسالتها كأديبة مبدعة بهدوء وبإتقان أدبي متأصل في روحها الشفيفة.
فهي التي فاجأت قراءها في بدء تجربتها بمجموعتها القصصية «فتاة البسكويت» في عام 2008.
وبمذكراتها التي عنونتها بعنوان ملفت يكشف عن أصالتها وإنسانيتها المتواضعة: مذكرات أديبة فاشلة عام 2011.
وعلى صليب الإبداع كتابها الذي فاجأت به أكثر القراء محبة لها، بل فاجأت من حاورتهم على هذا الصليب المقرون بألم الكتابة وانشغالات المثقف في قولها أو عنونتها للكتاب (عندما يفصح المبدعون عن أوجاعهم استطلاعات رأي صحفية عام 2012م).
بهذا الظل الواقف أمام رياح السموم، شدت البحراني جسدها النحيف، لتقف على أرض صلبة، لتقول لكل مبدع إن الحكايات التي تتصل بروح، لا تنقطع في واقع الجفاف.
ولا ترى في الانحدار ما يشبهها، لأنها آمنت البحراني إن الإبداع رهان المبدع الجاد المتفاني في حمل رسالة الأدب والمثقف.
فالدرب الذي اختارته البحراني، ليس درباً سهلا، بل هو درب وعر، به الكثير من المطبات، لكنه في المقابل، درب لا يعرفه إلا من يؤمن بأن الحرف رسالة أكبر من أي رسالة أخرى، فهي رسالة السماء والأنبياء التي بدأت منذ ولادة الخليقة، فالجد لدى البحراني قادها أن تذهب بعيداً لتقول: (أنا مع الشمس ما دامت الشمس تضيء الظلمة، وتفتح للآخرين درب الشعور بالأمان والطمأنينة). فالذي عرف البحراني الإنسانة المتواضعة والغنية بالإنسانية وصفاء السريرة لا يمكن أن يؤمن انها أديبة فاشلة، كما قالت في أحد كتبها التي عنونته: «مذكرات أديبة فاشلة» هذا الكتاب الذي يشد القارئ لصفحاته عبر تلك المذكرات التي جمعتها البحراني في 30 مذكرة تصف فيه البحراني البعد التربوي والأدبي العالي كاشفة عن أحد عشر فشلا غير مألوف في تاريخ الأدب، فالكتاب بهذا العنوان يستنفر القارئ ويطرح اسئلة عدة في بعد الفشل.
مثل هذا الكشف ألا يعني لنا إن الأديبة البحراني هي مبدعة في رسم أو كشف عوالم الجوانب الأخرى للمبدعين، وحياة المثقفين؟
كل هذا وأكثر نكتشفه في عالم زينب البحراني، لأنها مخزون كبير ومبدعة، ثمارها من أطيب الثمار المعالجة لواقع المثقف والأديب العربي.
ومن ضمن إبداعاتها أيضاً «روايتها المعنونة: هل تسمح لي أن أحبك» رواية رومانسية صدرت عام 2013م والتي قدمتها بقولها: «الحب لا يتقن فن قرع أبواب القلوب على استحياء، أو الوقوف على أعتابه وقفة استئذان مترقب، يقود مركبته العمياء بطيش حيث ما يشاء، دون رخصة سياقة، أو أوراق إثبات هوية، أو حتى شهادة ميلاد، ماساً بعصاه السحرية أرض الروح الراكدة ليوقظ دهشتها غير عابئ بتاريخ الجدب، أو حاضر الغياب..» في هذه الرواية كونها كتبت ببعد رومانسي إلا إنها تعمقت في البعد الإنساني وكشفت الكثير ضمن هذه الحالة التي استوطنت الحبيبين.
ولم تتخلف البحراني أن تدخل مع الذين يحملون البسمة للصغار، فكانت مجموعتها القصصية «منير المليونير» قصة أطفال صدرت عام 2019م. ولها في بوح الشعر ما قدمتها الأديبة التي لم تنفض ثوب دون حراك حنون عبر النص وعبر مجموعتها المعنونة: «اعتراف أصغر من مشاعري» نصوص شعرية صدرت عام 2019.
وفي جعبة البحراني الكثير من الأدب الرصين الذي لم تكشف عنه، كونها في صراع مع واقع البعد الثقافي والتعمق في قراءة ما لم نستطع قراءته.
هكذا هي زينب علي محمد البحراني، الأديبة والمثقفة السعودية التي فرضت احترامها على الجميع، وفي عامنا الجديد 2025 أتمنى لزينب أن يكون عاماً خصباً وناجحا دون قلق وانشغالات الحروب، وتكون الرسائل المحبوسة بين أدراج مكتبها قد انعتقت من الأسر لتخرج لنا بما نحب، ولتضيف لنا ما نفقده من الحب ضمن رسالة الأدب الإنساني العميق.
a.astrawi@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك