الرأي الثالث
محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
عن «الوفاء» البحريني.. أحدثكم
يقول العرب عن «وفاء الأصدقاء»: الصديق الوفي هو من يمشي تجاهك عندما يمشي الجميع بعيداً عنك.. وهناك من يكون حضوره في حياتك علامة فارقة، وهناك من يكون علامة فارغة.. الصديق الوفي، وطن صغير وأخ لم تلدْهُ أمُّك، ونعمة عظيمة لن يشعر بها إلا من يقدرها.. ليست الصداقة البقاء مع الصديق وقتا أطول، الصداقة هي أن تبقى على العهد؛ حتى وإن طالت المسافات، أو قصرت.
كثيرة هي القصص والحكايات التي نقرأها في كتب التاريخ والسير عن الوفاء بين الأصدقاء.. حتى تصورنا أن «الوفاء» غاب عن زمننا الحاضر، وأصبح من المستحيلات.. إلا أن حكاية بحرينية واقعية معاصرة، أبطالها شباب بحريني، لم يتركوا صديقهم بعد أن أقعده المرض سنوات طويلة.
هي حكاية الشاب البحريني عبدالعزيز محمد الياسي، لاعب نادي المنامة الرياضي والمنتخب الأولمبي السابق.. الذي تعرض في عام 2012 لحادث مروري أصيب بالشلل الرباعي.. ولكن بفضل الله تعالى، ورعاية والديه وأسرته الكريمة، وكذلك جزء من رعاية الدولة له، جعلت من المرض حياة جديدة.. ومن الألم أمل.. ومن المحنة منحة.
أذكر أنني كتبت مقالا في عام 2012 عن حالته الصحية، وأشرت إلى توجيهات الحكومة الموقرة لعلاجه، وناشدت وزارة الصحة تسريع الإجراءات، وقد تم ذلك.. كما أذكر في عام 2013 أن قناة البحرين الرياضية أعدت حلقة في برنامج تلفزيوني، تناولت قصة هداف دوري الشباب ونجم منتخبنا الأولمبي وفريق المنامة عبدالعزيز الياسي، الذي أصبح الآن على السرير الأبيض بعد حادث أليم.
في عام 2018 حل الشاب عبدالعزيز الياسي ضيفا في إحدى الديوانيات، وتحدث عن رحلته في حفظ القرآن الكريم كاملاً، متحدياً إصابته بالشلل الرباعي إثر حادث سير، ضاربًا بذلك نموذجاً رائعاً في علو الهمة، ومواجهة صعاب الحياة، ومؤكدا أن المرء قادر على تحقيق أهدافه في حياته بالعزيمة والإرادة.
في عام 2022 أصدر الياسي كتابا بعنوان: (وكأنّني أُبحر..)، قدم فيه قصته كاملة، من الطفولة إلى كرة القدم، إلى مرحلة الاحتراف في منتخب البحرين الوطني، ثم يكشف تفاصيل الحادث الذي أقعده وغيّر مسار حياته، ويواصل عبر رحلة العلاج شرقًا وغربًا، ليستكشف معاني الحياة وفهم الذات.. وقدم في الكتاب تجربة إنسانيّة عميقة تستمدّ أصولها من الواقع الذاتيّ، كبُر فيها الشاب عبدالعزيز الياسي، بما خاض من كفاح ضدّ تناقص قدرات الجسد، وفي تناسب عكسيّ عجيب، ارتفعت في نفسه -برغبة صادقة وعزم قائم - قدرات روحيّة وفكريّة، قصة أمل.. وللعلم الكتاب يباع في العديد من المكتبات، ويستحق القراءة والاقتناء.
وبالأمس استوقفني الأخ العزيز «جاسم أبل»، وأبلغني عن قصة الوفاء التي حصلت للشاب عبدالعزيز الياسي، وقال لي: إن أصدقاءه الأوفياء قاموا بشراء سيارة خاصة له، وتكفلوا بدفع الراتب الشهري للسائق.. في صورة من صور الوفاء النادرة التي سطرها شباب في المجتمع البحريني.. فلم ينسوا زميلهم، ولم يتركوه وحيدا، وهم يستحقون الشكر والثناء.
أتمنى من الشاب عبدالعزيز الياسي أن يؤلف كتابا جديدا عن هذه القصة، لأنها تستحق أن تروى، ونموذجا فريدا لقيمة الوفاء بين الأصدقاء، وخصلة جميلة في المجتمع البحريني، بثوابته وثقافته وعاداته الأصيلة العريقة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك