العدد : ١٧٠٨٩ - الأحد ٠٥ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٩ - الأحد ٠٥ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ رجب ١٤٤٦هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

عن «الوفاء» البحريني.. أحدثكم

يقول‭ ‬العرب‭ ‬عن‭ ‬‮«‬وفاء‭ ‬الأصدقاء‮»‬‭: ‬الصديق‭ ‬الوفي‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يمشي‭ ‬تجاهك‭ ‬عندما‭ ‬يمشي‭ ‬الجميع‭ ‬بعيداً‭ ‬عنك‭.. ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يكون‭ ‬حضوره‭ ‬في‭ ‬حياتك‭ ‬علامة‭ ‬فارقة،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يكون‭ ‬علامة‭ ‬فارغة‭.. ‬الصديق‭ ‬الوفي،‭ ‬وطن‭ ‬صغير‭ ‬وأخ‭ ‬لم‭ ‬تلدْهُ‭ ‬أمُّك،‭ ‬ونعمة‭ ‬عظيمة‭ ‬لن‭ ‬يشعر‭ ‬بها‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬يقدرها‭.. ‬ليست‭ ‬الصداقة‭ ‬البقاء‭ ‬مع‭ ‬الصديق‭ ‬وقتا‭ ‬أطول،‭ ‬الصداقة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬على‭ ‬العهد؛‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬طالت‭ ‬المسافات،‭ ‬أو‭ ‬قصرت‭.‬

كثيرة‭ ‬هي‭ ‬القصص‭ ‬والحكايات‭ ‬التي‭ ‬نقرأها‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭ ‬والسير‭ ‬عن‭ ‬الوفاء‭ ‬بين‭ ‬الأصدقاء‭.. ‬حتى‭ ‬تصورنا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الوفاء‮»‬‭ ‬غاب‭ ‬عن‭ ‬زمننا‭ ‬الحاضر،‭ ‬وأصبح‭ ‬من‭ ‬المستحيلات‭.. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬حكاية‭ ‬بحرينية‭ ‬واقعية‭ ‬معاصرة،‭ ‬أبطالها‭ ‬شباب‭ ‬بحريني،‭ ‬لم‭ ‬يتركوا‭ ‬صديقهم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أقعده‭ ‬المرض‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭.‬

هي‭ ‬حكاية‭ ‬الشاب‭ ‬البحريني‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬محمد‭ ‬الياسي،‭ ‬لاعب‭ ‬نادي‭ ‬المنامة‭ ‬الرياضي‭ ‬والمنتخب‭ ‬الأولمبي‭ ‬السابق‭.. ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬لحادث‭ ‬مروري‭ ‬أصيب‭ ‬بالشلل‭ ‬الرباعي‭.. ‬ولكن‭ ‬بفضل‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬ورعاية‭ ‬والديه‭ ‬وأسرته‭ ‬الكريمة،‭ ‬وكذلك‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬رعاية‭ ‬الدولة‭ ‬له،‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬المرض‭ ‬حياة‭ ‬جديدة‭.. ‬ومن‭ ‬الألم‭ ‬أمل‭.. ‬ومن‭ ‬المحنة‭ ‬منحة‭. ‬

أذكر‭ ‬أنني‭ ‬كتبت‭ ‬مقالا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬عن‭ ‬حالته‭ ‬الصحية،‭ ‬وأشرت‭ ‬إلى‭ ‬توجيهات‭ ‬الحكومة‭ ‬الموقرة‭ ‬لعلاجه،‭ ‬وناشدت‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬تسريع‭ ‬الإجراءات،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬ذلك‭.. ‬كما‭ ‬أذكر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2013‭ ‬أن‭ ‬قناة‭ ‬البحرين‭ ‬الرياضية‭ ‬أعدت‭ ‬حلقة‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬تلفزيوني،‭ ‬تناولت‭ ‬قصة‭ ‬هداف‭ ‬دوري‭ ‬الشباب‭ ‬ونجم‭ ‬منتخبنا‭ ‬الأولمبي‭ ‬وفريق‭ ‬المنامة‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الياسي،‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬السرير‭ ‬الأبيض‭ ‬بعد‭ ‬حادث‭ ‬أليم‭.‬

في‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬حل‭ ‬الشاب‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الياسي‭ ‬ضيفا‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الديوانيات،‭ ‬وتحدث‭ ‬عن‭ ‬رحلته‭ ‬في‭ ‬حفظ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬كاملاً،‭ ‬متحدياً‭ ‬إصابته‭ ‬بالشلل‭ ‬الرباعي‭ ‬إثر‭ ‬حادث‭ ‬سير،‭ ‬ضاربًا‭ ‬بذلك‭ ‬نموذجاً‭ ‬رائعاً‭ ‬في‭ ‬علو‭ ‬الهمة،‭ ‬ومواجهة‭ ‬صعاب‭ ‬الحياة،‭ ‬ومؤكدا‭ ‬أن‭ ‬المرء‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافه‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬بالعزيمة‭ ‬والإرادة‭.‬

في‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬أصدر‭ ‬الياسي‭ ‬كتابا‭ ‬بعنوان‭: (‬وكأنّني‭ ‬أُبحر‭..)‬،‭ ‬قدم‭ ‬فيه‭ ‬قصته‭ ‬كاملة،‭ ‬من‭ ‬الطفولة‭ ‬إلى‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬الاحتراف‭ ‬في‭ ‬منتخب‭ ‬البحرين‭ ‬الوطني،‭ ‬ثم‭ ‬يكشف‭ ‬تفاصيل‭ ‬الحادث‭ ‬الذي‭ ‬أقعده‭ ‬وغيّر‭ ‬مسار‭ ‬حياته،‭ ‬ويواصل‭ ‬عبر‭ ‬رحلة‭ ‬العلاج‭ ‬شرقًا‭ ‬وغربًا،‭ ‬ليستكشف‭ ‬معاني‭ ‬الحياة‭ ‬وفهم‭ ‬الذات‭.. ‬وقدم‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬تجربة‭ ‬إنسانيّة‭ ‬عميقة‭ ‬تستمدّ‭ ‬أصولها‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬الذاتيّ،‭ ‬كبُر‭ ‬فيها‭ ‬الشاب‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الياسي،‭ ‬بما‭ ‬خاض‭ ‬من‭ ‬كفاح‭ ‬ضدّ‭ ‬تناقص‭ ‬قدرات‭ ‬الجسد،‭ ‬وفي‭ ‬تناسب‭ ‬عكسيّ‭ ‬عجيب،‭ ‬ارتفعت‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ -‬برغبة‭ ‬صادقة‭ ‬وعزم‭ ‬قائم‭ - ‬قدرات‭ ‬روحيّة‭ ‬وفكريّة،‭ ‬قصة‭ ‬أمل‭.. ‬وللعلم‭ ‬الكتاب‭ ‬يباع‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المكتبات،‭ ‬ويستحق‭ ‬القراءة‭ ‬والاقتناء‭.‬

وبالأمس‭ ‬استوقفني‭ ‬الأخ‭ ‬العزيز‭ ‬‮«‬جاسم‭ ‬أبل‮»‬،‭ ‬وأبلغني‭ ‬عن‭ ‬قصة‭ ‬الوفاء‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬للشاب‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الياسي،‭ ‬وقال‭ ‬لي‭: ‬إن‭ ‬أصدقاءه‭ ‬الأوفياء‭ ‬قاموا‭ ‬بشراء‭ ‬سيارة‭ ‬خاصة‭ ‬له،‭ ‬وتكفلوا‭ ‬بدفع‭ ‬الراتب‭ ‬الشهري‭ ‬للسائق‭.. ‬في‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬الوفاء‭ ‬النادرة‭ ‬التي‭ ‬سطرها‭ ‬شباب‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭.. ‬فلم‭ ‬ينسوا‭ ‬زميلهم،‭ ‬ولم‭ ‬يتركوه‭ ‬وحيدا،‭ ‬وهم‭ ‬يستحقون‭ ‬الشكر‭ ‬والثناء‭.‬

أتمنى‭ ‬من‭ ‬الشاب‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الياسي‭ ‬أن‭ ‬يؤلف‭ ‬كتابا‭ ‬جديدا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬القصة،‭ ‬لأنها‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تروى،‭ ‬ونموذجا‭ ‬فريدا‭ ‬لقيمة‭ ‬الوفاء‭ ‬بين‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬وخصلة‭ ‬جميلة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني،‭ ‬بثوابته‭ ‬وثقافته‭ ‬وعاداته‭ ‬الأصيلة‭ ‬العريقة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا