العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

د. محمد جابر الأنصاري .. رحمه الله

في‭ ‬أيام‭ ‬الدراسة‭ ‬الجامعية‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬كان‭ ‬علينا‭ ‬مقرر‭ ‬دراسي‭ ‬حول‭ ‬‮«‬التربية‭ ‬السياسية‮»‬،‭ ‬وكان‭ ‬الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬جابر‭ ‬الأنصاري‭ ‬هو‭ ‬مدرس‭ ‬المقرر،‭ ‬وحل‭ ‬مكانه‭ ‬الدكتور‭ ‬علي‭ ‬أحمد‭ ‬‮«‬النائب‭ ‬السابق‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬وفيا‭ ‬وأمينا‭ ‬في‭ ‬تعليمه‭ ‬لنا‭ ‬لذلك‭ ‬المقرر،‭ ‬وحاول‭ ‬جاهدا‭ ‬أن‭ ‬نلتقي‭ ‬بالدكتور‭ ‬الأنصاري‭ ‬ولو‭ ‬في‭ ‬حصة‭ ‬واحدة،‭ ‬وقد‭ ‬تحقق‭ ‬ذلك‭.. ‬في‭ ‬قاعة‭ ‬اتسعت‭ ‬للعشرات‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬في‭ ‬مدرجها‭.. ‬وكان‭ ‬لقاء‭ ‬فكريا‭ ‬عميقا‭.. ‬مؤثرا‭ ‬ومبهرا‭.. ‬مع‭ ‬طلبة‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا‭ ‬الذي‭ ‬ضم‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬الخليجيين‭ ‬والعرب‭.‬

لم‭ ‬نفهم‭ ‬معنى‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬الوسطية‭ ‬الفكرية‮»‬،‭ ‬ولم‭ ‬نهتم‭ ‬بكتاب‭ ‬‮«‬مقدمة‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‮»‬‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أطروحات‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬الأنصاري‭.. ‬لم‭ ‬نحسن‭ ‬فن‭ ‬‮«‬النقد‭ ‬العقلاني‮»‬،‭ ‬و«التحليل‭ ‬المنطقي‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬عبر‭ ‬الاستماع‭ ‬الى‭ ‬حديثه،‭ ‬وقراءة‭ ‬كتبه‭ ‬العديدة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭. ‬

بالأمس‭ ‬رحل‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬جابر‭ ‬الأنصاري،‭ ‬مستشار‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬للشؤون‭ ‬الثقافية‭ ‬والعلمية،‭ ‬ونعاه‭ ‬الديوان‭ ‬الملكي،‭ ‬وتأثر‭ ‬برحيله‭ ‬الجميع،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬مفكرا‭ ‬شاملا،‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬والسياسة،‭ ‬والأدب‭ ‬والثقافة،‭ ‬وتعد‭ ‬كتبه‭ ‬ومؤلفاته‭ ‬من‭ ‬أدبيات‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬المعاصر،‭ ‬ويشكل‭ ‬د‭. ‬الأنصاري‭ ‬علامة‭ ‬فارقة‭ ‬ونموذجا‭ ‬استثنائيا،‭ ‬للعلاقة‭ ‬المحترمة‭ ‬والايجابية‭ ‬بين‭ ‬المثقف‭ ‬والدولة‭.. ‬وهو‭ ‬صاحب‭ ‬مشروع‭ ‬نهضوي‭ ‬قومي‭ ‬وسطي‭.‬

وفي‭ ‬تقرير‭ ‬صحفي‭ ‬كتبت‭ ‬جريدة‭ ‬‮«‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬‭ ‬بالأمس‭: ‬أن‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬جابر‭ ‬الأنصاري‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬رواد‭ ‬الحركة‭ ‬الفكرية‭ ‬والثقافية‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬والخليج‭ ‬العربي‭ ‬عموماً،‭ ‬وباحثاً‭ ‬مرموقاً‭ ‬في‭ ‬دراسات‭ ‬ونقد‭ ‬الفكر‭ ‬العربي،‭ ‬وقدَّم‭ ‬إسهامات‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الفكر،‭ ‬والأدب،‭ ‬والثقافة‭. ‬وتميزت‭ ‬أعماله‭ ‬‮«‬باتساق‭ ‬الرؤية‭ ‬الفكرية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مشروع‭ ‬نقدي‭ ‬للفكر‭ ‬العربي‭ ‬السائد‭ ‬تطلعاً‭ ‬إلى‭ ‬تجديد‭ ‬المشروع‭ ‬النهضوي،‭ ‬كما‭ ‬تميزت‭ ‬رؤيته‭ ‬الفكرية‭ ‬بالتشخيص‭ ‬العيني‭ ‬للواقع‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬أبعاده‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والحضارية‭ ‬في‭ ‬حقلَي‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‭ ‬وفكر‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭.‬

وعند‭ ‬المرور‭ ‬بابن‭ ‬خلدون،‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الدكتور‭ ‬الأنصاري‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬الدارسين‭ ‬لتراث‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬ومتأثراً‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬مبالغة،‭ ‬وهو‭ ‬القائل‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬لقاء‭ ‬التاريخ‭ ‬بالعصر‮»‬‭: ‬‮«‬كل‭ ‬عربي‭ ‬لن‭ ‬يتجاوز‭ ‬مرحلة‭ ‬الأمية‭ ‬الحضارية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بجوهر‭ ‬فهمه‭ ‬لحقيقة‭ ‬أمته‭... ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يقرأ‭ ‬مراراً‭ ‬مقدمة‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭.‬

ويقول‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬تجديد‭ ‬النهضة‭ ‬باكتشاف‭ ‬الذات‭ ‬ونقدها‮»‬‭: ‬‮«‬مطلوب‭ ‬علم‭ ‬اجتماع‭ ‬عربي‭ ‬إسلامي‭ ‬مستمد‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬تاريخنا؛‭ ‬لفهم‭ ‬التاريخ‭ ‬ومحاولة‭ ‬إعادته‭ ‬للخط‭ ‬السليم‭... ‬ومطلوب‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬شجاعة‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬الذات‭ ‬الجماعية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬واقعها‭ ‬التاريخي‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بلا‭ ‬رتوش‭.. ‬بلا‭ ‬مكياج‭.. ‬بلا‭ ‬أقنعة‭.. ‬وبلا‭ ‬أوهام‭ ‬تعظيمية‭ ‬للذات‮»‬‭.‬

ذات‭ ‬يوم‭ ‬كتب‭ ‬الأستاذ‭ ‬كمال‭ ‬الديب‭ ‬قائلا‭: ‬يستحق‭ ‬د‭. ‬الأنصاري‭ ‬ومشروعه‭ ‬الفكري‭ ‬تقديرا‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬خاص،‭ ‬ويتمثل‭ ‬في‭ ‬تشجيع‭ ‬الشباب‭ ‬البحريني‭ ‬والعربي،‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬وتحليل‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬بإطلاق‭ ‬جائزة‭ ‬سنوية‭ ‬تحمل‭ ‬اسمه‭ ‬‮«‬جائزة‭ ‬الأنصاري‭ ‬للفكر‮»‬،‭ ‬تتبناها‭ ‬الدولة،‭ ‬وتجعلها‭ ‬جائزة‭ ‬تستهدف‭ ‬تشجيع‭ ‬الفكر‭ ‬والتفكر‭ ‬والتجديد‭ ‬والتنوير،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬الأنصاري‭ ‬آخر‭ ‬مفكرينا،‭ ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬مشروعه‭ ‬الفكري‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭.. ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬صدى‭ ‬لدى‭ ‬المُمسكين‭ ‬بدفة‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭.‬

خالص‭ ‬التعازي‭ ‬والمواساة‭ ‬للأستاذة‭ ‬الفاضلة‭ ‬هالة‭ ‬بنت‭ ‬محمد‭ ‬جابر‭ ‬الأنصاري‭ ‬والأسرة‭ ‬الكريمة‭.. ‬ونثق‭ ‬أن‭ ‬الأستاذة‭ ‬هالة‭ ‬الأنصاري‭ ‬ستكون‭ ‬خير‭ ‬حافظ‭ ‬وناشر‭.. ‬لكتب‭ ‬وتراث‭ ‬الراحل‭.. ‬ومشروعه‭ ‬الفكري‭ ‬المعاصر‭.‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا