الرأي الثالث
محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
د. محمد جابر الأنصاري .. رحمه الله
في أيام الدراسة الجامعية العليا في جامعة الخليج العربي، كان علينا مقرر دراسي حول «التربية السياسية»، وكان الأستاذ الدكتور محمد جابر الأنصاري هو مدرس المقرر، وحل مكانه الدكتور علي أحمد «النائب السابق»، الذي كان وفيا وأمينا في تعليمه لنا لذلك المقرر، وحاول جاهدا أن نلتقي بالدكتور الأنصاري ولو في حصة واحدة، وقد تحقق ذلك.. في قاعة اتسعت للعشرات من الطلبة في مدرجها.. وكان لقاء فكريا عميقا.. مؤثرا ومبهرا.. مع طلبة الدراسات العليا الذي ضم مجموعة من الطلبة الخليجيين والعرب.
لم نفهم معنى كلمة «الوسطية الفكرية»، ولم نهتم بكتاب «مقدمة ابن خلدون» إلا من خلال أطروحات الدكتور محمد الأنصاري.. لم نحسن فن «النقد العقلاني»، و«التحليل المنطقي»، إلا عبر الاستماع الى حديثه، وقراءة كتبه العديدة بعد ذلك.
بالأمس رحل الدكتور محمد جابر الأنصاري، مستشار جلالة الملك للشؤون الثقافية والعلمية، ونعاه الديوان الملكي، وتأثر برحيله الجميع، فقد كان مفكرا شاملا، في علم الاجتماع والسياسة، والأدب والثقافة، وتعد كتبه ومؤلفاته من أدبيات الفكر العربي والإسلامي المعاصر، ويشكل د. الأنصاري علامة فارقة ونموذجا استثنائيا، للعلاقة المحترمة والايجابية بين المثقف والدولة.. وهو صاحب مشروع نهضوي قومي وسطي.
وفي تقرير صحفي كتبت جريدة «الشرق الأوسط» بالأمس: أن الدكتور محمد جابر الأنصاري يعد أحد أهم رواد الحركة الفكرية والثقافية في مملكة البحرين، والخليج العربي عموماً، وباحثاً مرموقاً في دراسات ونقد الفكر العربي، وقدَّم إسهامات نوعية في مجالات الفكر، والأدب، والثقافة. وتميزت أعماله «باتساق الرؤية الفكرية في إطار مشروع نقدي للفكر العربي السائد تطلعاً إلى تجديد المشروع النهضوي، كما تميزت رؤيته الفكرية بالتشخيص العيني للواقع العربي في أبعاده السياسية والاجتماعية والحضارية في حقلَي التراث العربي الإسلامي وفكر عصر النهضة.
وعند المرور بابن خلدون، تجدر الإشارة إلى أن الدكتور الأنصاري كان أحد أهم الدارسين لتراث ابن خلدون ومتأثراً به إلى حد لا يخلو من مبالغة، وهو القائل في كتابه «لقاء التاريخ بالعصر»: «كل عربي لن يتجاوز مرحلة الأمية الحضارية المتعلقة بجوهر فهمه لحقيقة أمته... إلا بعد أن يقرأ مراراً مقدمة ابن خلدون.
ويقول في كتابه «تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها»: «مطلوب علم اجتماع عربي إسلامي مستمد من واقع تاريخنا؛ لفهم التاريخ ومحاولة إعادته للخط السليم... ومطلوب قبل ذلك شجاعة الكشف عن حقيقة الذات الجماعية العربية في واقعها التاريخي الاجتماعي بلا رتوش.. بلا مكياج.. بلا أقنعة.. وبلا أوهام تعظيمية للذات».
ذات يوم كتب الأستاذ كمال الديب قائلا: يستحق د. الأنصاري ومشروعه الفكري تقديرا من نوع خاص، ويتمثل في تشجيع الشباب البحريني والعربي، على دراسة وتحليل هذا المشروع بإطلاق جائزة سنوية تحمل اسمه «جائزة الأنصاري للفكر»، تتبناها الدولة، وتجعلها جائزة تستهدف تشجيع الفكر والتفكر والتجديد والتنوير، حتى لا يكون الأنصاري آخر مفكرينا، ولا يكون مشروعه الفكري نهاية المطاف.. أتمنى أن تجد هذه الدعوة صدى لدى المُمسكين بدفة الثقافة في مملكة البحرين.
خالص التعازي والمواساة للأستاذة الفاضلة هالة بنت محمد جابر الأنصاري والأسرة الكريمة.. ونثق أن الأستاذة هالة الأنصاري ستكون خير حافظ وناشر.. لكتب وتراث الراحل.. ومشروعه الفكري المعاصر.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك