العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الثقافي

سرديات: في رحيل المفكر البحريني الأستاذ الدكتور محمد جابر الأنصاري

بقلم: د. ضياء عبدالله الكعبي {

السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

برحيل‭ ‬المفكر‭ ‬البحريني‭ ‬الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬جابر‭ ‬الأنصاري‭ ‬مستشار‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬للشؤون‭ ‬الثقافيّة‭ ‬والعلميّة‭ ‬يترجل‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬والفكري‭ ‬والنقدي‭ ‬العربيّ‭ ‬ابن‭ ‬خَلدون‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬أو‭ ‬ابن‭ ‬خَلدون‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬كما‭ ‬لقبه‭ ‬بذلك‭ ‬بعض‭ ‬المفكرين‭ ‬العرب‭ ‬المعاصرين‭ ‬الذين‭ ‬وضعوا‭ ‬مشاريعه‭ ‬الحضارية‭ ‬التنويرية‭ ‬في‭ ‬سياقاتها‭ ‬المؤسسيّة‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الفكر‭ ‬العربيّ‭ ‬المعاصر‭.. ‬إذ‭ ‬يُعد‭ ‬محمد‭ ‬جابر‭ ‬الأنصاري‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬الرموز‭ ‬التأسيسيّة‭ ‬ذات‭ ‬الثقل‭ ‬الفكري‭ ‬الكبير‭ ‬لمشروع‭ ‬نقد‭ ‬الفكر‭ ‬العربيّ،‭ ‬وتجديد‭ ‬المشروع‭ ‬النهضوي‭ ‬ورائد‭ ‬الدراسات‭ ‬الاستشرافية‭ ‬والمستقبلية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭.‬

لقد‭ ‬عاصر‭ ‬محمد‭ ‬جابر‭ ‬الأنصاري‭ ‬حقبًا‭ ‬تاريخيّة‭ ‬مفصلية‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬العالمي‭ ‬والعربي‭ ‬المعاصر‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬طفولته‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬إلى‭ ‬منتصف‭ ‬العقد‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬في‭ ‬ظرفية‭ ‬تاريخية‭ ‬وسياسية‭ ‬استثنائية‭ ‬عامرة‭ ‬بالتحولات‭ ‬الديناميكية‭ ‬والمفارقات‭. ‬لقد‭ ‬استقرأ‭ ‬الأنصاري‭ ‬هذه‭ ‬المسارات‭ ‬التاريخية‭ ‬والفكرية‭ ‬الفارقة‭ ‬جميعها‭ ‬واستبطنها‭ ‬واستمزجها‭ ‬وفكّكها‭ ‬وأعاد‭ ‬تركيبها‭ ‬بفكره‭ (‬التوفيقي‭)‬،‭ ‬وليس‭ ‬بقراءات‭ ‬استعادية‭ ‬أو‭ ‬تفسيرية‭ ‬نصية‭ ‬محضة،‭ ‬كما‭ ‬حملته‭ ‬رحلته‭ ‬الأكاديمية‭ ‬الطويلة‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬العالمية‭ ‬العريقة‭ ‬المرموقة‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ببيروت‭ ‬وجامعة‭ ‬كامبردج‭ ‬وجامعة‭ ‬السوربون،‭ ‬وأسهم‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬معهد‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬ويتقاطع‭ ‬مشروعه‭ ‬الفكري‭ ‬مع‭ ‬مشروع‭ ‬المفكر‭ ‬المغربي‭ ‬محمد‭ ‬عابد‭ ‬الجابري‭ ‬والمفكر‭ ‬السوري‭ ‬جورج‭ ‬طرابيشي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المساءلات‭ ‬النقدية‭ ‬الفلسفية‭ ‬الاستشرافيّة‭ ‬المستقبليّة‭ ‬لأسئلة‭ ‬النهضة‭ ‬العربيّة‭ ‬باكتشاف‭ ‬الذات‭ ‬ونقدها،‭ ‬ويتزامن‭ ‬معها‭ ‬بالتوازي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬التقاطعات‭ ‬المبهرة‭ ‬والكشوف‭ ‬الفكرية‭ ‬واللمع‭ ‬التنويرية،‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬المنهجيات‭ ‬بينهم‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬المعالجات‭ ‬الخاصة‭ ‬بمدوّنات‭ ‬النصوص‭ ‬وتفكيكها‭. ‬لقد‭ ‬عاد‭ ‬الأنصاري‭ ‬إلى‭ ‬التراث‭ ‬العربيّ‭ ‬الإسلاميّ،‭ ‬وعاد‭ ‬إلى‭ ‬تشخيص‭ ‬الواقع‭ ‬العربيّ‭ ‬في‭ ‬أبعاده‭ ‬الحضارية،‭ ‬والسياسيّة،‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬والثقافيّة،‭ ‬والاجتماعيّة‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬الفكر‭ ‬العربيّ‭ ‬وصراع‭ ‬الأضداد‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كتب‭ ‬عن‭ ‬تكوين‭ ‬العرب‭ ‬السياسي‭ ‬ومغزى‭ ‬الدولة‭ ‬القطرية‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬محمد‭ ‬جابر‭ ‬الأنصاري‭ ‬سابقًا‭ ‬مجايليه‭ ‬في‭ ‬الدراسات‭ ‬المستقبليّة‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ (‬العالم‭ ‬والعرب‭ ‬سنة‭ ‬2000‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬أطلق‭ ‬فيه‭ ‬عدة‭ ‬تنبؤات‭ ‬سياسية‭ ‬مستقبلية‭ ‬ببروز‭ ‬قوى‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬العالمية‭ ‬وانهيار‭ ‬قوى‭ ‬أخرى‭ ‬واضمحلالها‭ ‬وتفككها،‭ ‬ورسم‭ ‬خارطة‭ ‬الطريق‭ ‬المستقبلية‭ ‬أمام‭ ‬العرب‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المستجدات‭ ‬في‭ ‬الوضع‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭. ‬لقد‭ ‬قال‭ ‬غازي‭ ‬القصيبي‭ ‬عن‭ ‬الأنصاري‭: ‬‮«‬أطلق‭ ‬الأنصاري‭ ‬كرة‭ ‬ملتهبة‭ ‬بالأفكار،‭ ‬فهل‭ ‬يتناولها‭ ‬المفكرون‭ ‬العرب‭ ‬أم‭ ‬يخشون‭ ‬على‭ ‬أيديهم‭ ‬من‭ ‬الاحتراق؟‮»‬‭. ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬أنَّ‭ ‬الفقيد‭ ‬الراحل‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬مؤسسي‭ ‬أسرة‭ ‬الأدباء‭ ‬والكتاب‭ ‬وكان‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬لها،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬كتابات‭ ‬منهجية‭ ‬نقدية‭ ‬تناولت‭ ‬نتاج‭ ‬بعض‭ ‬أدباء‭ ‬البحرين‭ ‬المعاصرين،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬اهتمامه‭ ‬بتراث‭ ‬البحرين‭ ‬الأدبي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬الاسم‭ ‬نفسه‭ (‬إحياء‭ ‬تراث‭ ‬البحرين‭ ‬الأدبي،‭ ‬جمع‭ ‬وتحقيق‭). ‬يستحق‭ ‬إرث‭ ‬الأنصاري‭ ‬العلمي‭ ‬الفكري‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مجالاً‭ ‬للدرس‭ ‬الأكاديمي‭ ‬الرصين،‭ ‬وأن‭ ‬تُعقد‭ ‬حوله‭ ‬حلقات‭ ‬نقاشية‭ ‬علمية‭ ‬معمَّقة‭ ‬لطلبة‭ ‬الماجستير‭ ‬والدكتوراه‭ ‬في‭ ‬كليات‭ ‬الآداب‭ ‬والعلوم‭ ‬الإنسانيّة‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬الخليجيّة‭ ‬والعربيّة،‭ ‬وأن‭ ‬يُدشن‭ ‬كرسي‭ ‬يحمل‭ ‬اسمه‭ ‬لضمان‭ ‬استدامة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الدراسات‭ ‬المستقبلية‭. ‬لقد‭ ‬أسَّس‭ ‬محمد‭ ‬جابر‭ ‬الأنصاري‭ ‬بمؤلفاته‭ ‬الثرية‭ ‬مكتبة‭ ‬عربية‭ ‬مرجعية‭ ‬أصيلة‭ ‬في‭ ‬مجالها،‭ ‬وسيبقى‭ ‬إرثه‭ ‬التأسيسي‭ ‬مرجعًا‭ ‬أصيلاً‭ ‬للأجيال‭ ‬العربية‭ ‬الحالية‭ ‬والمستقبليّة‭. ‬رحم‭ ‬الله‭ ‬الفقيد‭ ‬الراحل‭ ‬وتغمده‭ ‬بواسع‭ ‬رحمته‭ ‬ومغفرته‭.‬

 

{‭ ‬أستاذة‭ ‬السَّرديات‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبي‭ ‬الحديث‭ ‬المشارك،

كلية‭ ‬الآداب،‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا