العدد : ١٧٠٨٠ - الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٠ - الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

اللغة العربية هويتنا ولغة الجمال

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء‭ ‬

 

حلُموا،‭ ‬فما‭ ‬ساءت‭ ‬لهم‭ ‬شيم‭ ‬

سمَحوا‭ ‬فما‭ ‬شحّت‭ ‬لهم‭ ‬مِنن‭ ‬

سلُموا‭ ‬فما‭ ‬زلّت‭ ‬لهم‭ ‬قدم‭ ‬

رَشدوا‭ ‬فلا‭ ‬ضلّت‭ ‬لهم‭ ‬سُنن‭ ‬

 

بضعة‭ ‬أبياتٍ‭ ‬من‭ ‬القصيدة‭ ‬الرجبية‭ ‬لإسماعيل‭ ‬ابن‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬المقري،‭ ‬والتي‭ ‬تفنّن‭ ‬الشاعر‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬إعجاز‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬شعراً،‭ ‬في‭ ‬إمكانية‭ ‬اعتبار‭ ‬أبيات‭ ‬القصيدة‭ ‬مدحاً‭ ‬إن‭ ‬قُرئت‭ ‬على‭ ‬سياقها‭ (‬من‭ ‬اليمين‭ ‬إلى‭ ‬اليسار‭) ‬وهجاءً‭ ‬إن‭ ‬قُرئت‭ ‬بالمقلوب‭ (‬من‭ ‬اليسار‭ ‬إلى‭ ‬اليمين‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬نموذج‭ ‬ضمن‭ ‬نماذج‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬تفننت‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬اللغة‭ ‬بحرفية‭ ‬تُبرز‭ ‬جمال‭ ‬وعمق‭ ‬وعراقة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭.‬

استوقفتني‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬بالتحديد‭ ‬فقط،‭ ‬لأن‭ ‬سعادة‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬مبارك‭ ‬جمعة‭ ‬وزير‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬في‭ ‬لفتة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬قد‭ ‬قام‭ ‬مشكوراً‭ ‬باستخدامها‭ ‬لإيضاح‭ ‬جمال‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وإبداعها‭ ‬ضمن‭ ‬كلمته‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬رسالة‭ ‬موجهة‭ ‬إلى‭ ‬أبنائه‭ ‬الطلبة‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬والذي‭ ‬يُحتفى‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر‭ ‬باعتباره‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬أقرّت‭ ‬فيه‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬إدخال‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬ضمن‭ ‬اللغات‭ ‬الرسمية‭ ‬ولغات‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عام‭ ‬1973،‭ ‬وبذلك‭ ‬أصبحت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬لغة‭ ‬رسمية‭ ‬معترفا‭ ‬بها‭ ‬دولياً،‭ ‬في‭ ‬اعترف‭ ‬أممي‭ ‬بقيمتها‭ ‬وأهميتها‭ ‬كواحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬اللغات‭ ‬الحيّة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬بحال‭ ‬تجاوز‭ ‬وجودها‭ ‬ضمن‭ ‬اللغات‭ ‬الرئيسية‭ ‬عالمياً،‭ ‬وتتبوأ‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى‭ ‬عالمياً‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬ثراء‭ ‬مفرداتها‭ ‬ومصطلحاتها،‭ ‬إذ‭ ‬تفوق‭ ‬جميع‭ ‬مفردات‭ ‬اللغات‭ ‬الحيّة‭ ‬الأخرى‭ ‬بحيث‭ ‬يتجاوز‭ ‬عدد‭ ‬مفرداتها‭ ‬12‭ ‬مليون‭ ‬كلمة‭ ‬متقدمة‭ ‬على‭ ‬ثاني‭ ‬اللغات‭ ‬العالمية‭ ‬وهي‭ ‬الإنجليزية‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يجاوز‭ ‬عدد‭ ‬مفرداتها‭ ‬600‭ ‬ألف‭ ‬مفردة‭ ‬وفقاً‭ ‬لدراسة‭ ‬مقارنة‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬جامعة‭ ‬البلقاء‭ ‬التطبيقية‭ ‬الأردنية‭ ‬مؤخراً‭.‬

ويعلم‭ ‬من‭ ‬يُحبّ‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الناطقين‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬غيرهم‭ ‬بمدى‭ ‬جمال‭ ‬وثراء‭ ‬هذه‭ ‬اللغة،‭ ‬والتي‭ ‬بلورت‭ ‬جمالها‭ ‬النصوص‭ ‬القرآنية‭ ‬العظيمة،‭ ‬وقبلها‭ ‬في‭ ‬قصائد‭ ‬الفطاحل‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬العرب‭ ‬قبل‭ ‬وبعد‭ ‬الرسالة‭ ‬النبوية‭ ‬الشريفة‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬فغالباً‭ ‬ما‭ ‬نقرأ‭ ‬أو‭ ‬نستمع‭ ‬إلى‭ ‬ابداعات‭ ‬مذهلة‭ ‬لشعراء‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭.‬

والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يفتأ‭ ‬يُكرر‭ ‬نفسه،‭ ‬هو‭: ‬ماذا‭ ‬فعلنا‭ ‬نحن‭ ‬الأمَنَاء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬بها؟‭ ‬هل‭ ‬حافظنا‭ ‬عليها‭ ‬لتبقى‭ ‬وتستمر‭ ‬مُمثّلة‭ ‬لهويتنا‭ ‬العربية؟

ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الإجابة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬منا‭ ‬قد‭ ‬أضاع‭ ‬اللغة‭ ‬ولم‭ ‬يسع‭ ‬لتمريرها‭ ‬بصدق‭ ‬وإخلاص‭ ‬إلى‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬بل‭ ‬يظهر‭ ‬أن‭ ‬فخر‭ ‬البعض‭ ‬باللغات‭ ‬الأجنبية‭ ‬التي‭ ‬تبنّاها‭ ‬كلغة‭ ‬أصلية‭ ‬لأبنائه‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬فخره‭ ‬بتعليمهم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬تزعجني‭ -‬وأعتقد‭ ‬تزعج‭ ‬غيري‭ ‬أيضاً‭ ‬ممن‭ ‬لديهم‭ ‬الغيرة‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭- ‬حديث‭ ‬بعض‭ ‬الأمهات‭ ‬مع‭ ‬أبنائهم‭ ‬الصغار‭ ‬بلغة‭ ‬غير‭ ‬عربية،‭ ‬وفي‭ ‬رأيي‭ ‬إن‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬الانسلاخ‭ ‬عن‭ ‬الهوية‭ ‬لن‭ ‬يوصل‭ ‬مُرتاده‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬سوى‭ ‬فقدانها‭ ‬وتكرار‭ ‬قصة‭ ‬الطائر‭ ‬الذي‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يُقلد‭ ‬مشية‭ ‬الحمامة‭ ‬التي‭ ‬أعجبته‭ ‬فلم‭ ‬يستطع‭ ‬أن‭ ‬يُتقنها،‭ ‬وفي‭ ‬أثناء‭ ‬رحلة‭ ‬محاولة‭ ‬تعلم‭ ‬مشيتها‭ ‬نسيَ‭ ‬مشيته‭ ‬الأصلية‭.‬

ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬تعلّم‭ ‬اللغات‭ ‬الأجنبية‭ ‬مهم‭ ‬جداً،‭ ‬فمن‭ ‬تعلم‭ ‬لغة‭ ‬قومٍ‭ ‬أمِن‭ ‬شرّهم،‭ ‬بل‭ ‬وتفتّحت‭ ‬أمامه‭ ‬أبواب‭ ‬النجاح‭ ‬والتقدم،‭ ‬ولكن‭ ‬يتوجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬أولاً،‭ ‬وتكون‭ ‬هي‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬ينطلق‭ ‬منه‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬تعلّم‭ ‬اللغات‭ ‬الأخرى،‭ ‬وكلما‭ ‬زاد‭ ‬علمه‭ ‬ولغاته‭ ‬كان‭ ‬أفضل‭ ‬له‭ ‬وللإنسانية‭.‬

لذا‭ ‬وكمقترح‭ ‬لوزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬بضرورة‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬المناهج‭ ‬التعليمية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الحكومية‭ ‬أو‭ ‬المدارس‭ ‬الخاصة‭ ‬لضمان‭ ‬ألا‭ ‬تُسهم‭ ‬المؤسسة‭ ‬التعليمية‭ ‬في‭ ‬الحؤول‭ ‬دون‭ ‬أبنائنا‭ ‬الطلبة‭ ‬ولغتهم‭ ‬الأم،‭ ‬مع‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬الأسرة‭ ‬بضرورة‭ ‬التمسك‭ ‬بهويتها‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬رسالتها‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬المعرفة‭ ‬وتوارث‭ ‬الهوية‭ ‬باعتبارها‭ ‬الطرف‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬مهمة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الإرث‭ ‬الحضاري‭ ‬اللغوي‭. ‬

ولعل‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬الجميلة‭ ‬في‭ ‬مدح‭ ‬الرسول‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭ ‬للشاعر‭ ‬السعودي‭ ‬أحمد‭ ‬الملا‭ ‬تكون‭ ‬خاتمة‭ ‬جميلة‭ ‬لهذا‭ ‬المقال‭: ‬

النور‭ ‬يسألُ‭ ‬عن‭ ‬ترابك‭ ‬أسئلة

فقلت‭ ‬يا‭ ‬نور‭ ‬لن‭ ‬تتحمله

ذاك‭ ‬التراب‭ ‬يضمُّ‭ ‬أطهر‭ ‬نطفة

خُلقت‭ ‬قداستها‭ ‬لأرفع‭ ‬منزله

ذاك‭ ‬التراب،‭ ‬وليت‭ ‬نفسي‭ ‬رملة

‭ ‬في‭ ‬قبره‭ ‬وبوجهه‭ ‬متأملة

خُلق‭ ‬الجمال‭ ‬مثلُ‭ ‬صورة‭ ‬وجههِ

حتى‭ ‬الجمال‭ ‬إذا‭ ‬رآه‭ ‬تجمله

سبحان‭ ‬من‭ ‬بالحسن‭ ‬كمّل‭ ‬خلقه

‭ ‬سبحان‭ ‬من‭ ‬بالخلق‭ ‬ربي‭ ‬كمّله

كل‭ ‬اتجاهات‭ ‬الحياة‭ ‬متاهة

‭ ‬وبك‭ ‬الوصول‭ ‬وأنت‭ ‬سر‭ ‬البوصلة

منفاي‭ ‬انت‭ ‬على‭ ‬هداك‭ ‬سأهتدي

‭ ‬وإذا‭ ‬ظللت‭ ‬تلوتُ‭ ‬آي‭ ‬الزلزلة

تمضي‭ ‬الحياة‭ ‬ونحن‭ ‬بضع‭ ‬أهلّة

وبهديه‭ ‬هذي‭ ‬الحياة‭ ‬مُذلله

الله‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬أعلى‭ ‬شأنه

وهباهُ‭ ‬من‭ ‬وحي‭ ‬السماء‭ ‬تبتله

اواهُ‭ ‬يا‭ ‬أصحابه‭ ‬لو‭ ‬أنني

من‭ ‬أهل‭ ‬صفوته‭ ‬غسلت‭ ‬انامله

ولكنتُ‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬يراه‭ ‬صبيحة

ولكنتُ‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬يفارق‭ ‬منزله

فإذا‭ ‬ذكرتك‭ ‬استعيد‭ ‬لياقتي

وكأن‭ ‬روحيِ‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬مُهروله

وإذا‭ ‬رأيتُك‭ ‬في‭ ‬المنام‭ ‬لمحت‭ ‬لي

دمعاً‭ ‬يكفكفه‭ ‬الحنينُ‭ ‬من‭ ‬الوَله

صلّى‭ ‬عليك‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬ملكوته

ما‭ ‬مرّ‭ ‬ذكرُك‭ ‬في‭ ‬اللسانٍ‭ ‬وبلّله

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا