العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

نبض: أدري أنك مولع بندى!

بقلم: علي الستراوي

السبت ١٩ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬حلم،‭ ‬تصفحتُ‭ ‬حروفه‭ ‬على‭ ‬مهل‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬ولم‭ ‬أشك‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الحلم‭ ‬سيلازمني‭ ‬مدى‭ ‬عمري‭.‬

لم‭ ‬أختلف‭ ‬معه‭ ‬أو‭ ‬أدعي‭ ‬بأنني‭ ‬أفضل‭ ‬منه‭ ‬سريرة،‭ ‬بل‭ ‬كنا‭ ‬معاً‭ ‬نحيك‭ ‬فتق‭ ‬جروحنا،‭ ‬ونغسل‭ ‬بالملح‭ ‬أوجاعنا،‭ ‬وعلى‭ ‬ملة‭ ‬واحدة‭ ‬حفظنا‭ ‬واجباتنا‭ ‬ودخلنا‭ ‬في‭ ‬لعبة‭ ‬الأيام،‭ ‬مرة‭ ‬هو‭ ‬يحكي‭ ‬إليّ‭ ‬همه‭ ‬وأخرى‭ ‬أحكي‭ ‬له‭ ‬همي‭.‬

تمر‭ ‬السنوات‭ ‬ونكبر‭ ‬معاً،‭ ‬ويختار‭ ‬لنا‭ ‬القدر‭ ‬طريقنا‭ ‬البعيد،‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬جهة‭ ‬يجدف‭ ‬نحو‭ ‬انشغالاته،‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬جهة‭ ‬معاكسة‭ ‬أجدف‭.‬

كلانا‭ ‬عرف‭ ‬غايته‭ ‬من‭ ‬الحياة،‭ ‬والطريق‭ ‬واحد‭ ‬وإن‭ ‬اختلف‭ ‬إلا‭ ‬أنّه‭ ‬أول‭ ‬شرارة‭ ‬أوجعتنا‭ ‬بالحريق‭ ‬جمعتنا‭ ‬معاً،‭ ‬هو‭ ‬يغرس‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬بذرة‭ ‬أول‭ ‬أيام‭ ‬الطفولة‭ ‬وأنا‭ ‬أشاطره‭ ‬ذلك‭ ‬الغرس‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬الذي‭ ‬جمعنا‭ ‬ببعض‭ ‬جسداً‭ ‬وروحاً‭.‬

الحياة‭ ‬ركضت‭ ‬بنا‭ ‬سريعاً،‭ ‬وعلى‭ ‬جادة‭ ‬واحدة‭ ‬عصرنا‭ ‬عرق‭ ‬جسدينا‭ ‬ولم‭ ‬ننكسر‭ ‬في‭ ‬مطبات‭ ‬الأيام‭ ‬ولا‭ ‬السنين‭ ‬التي‭ ‬تصلبت‭ ‬بأقدامنا‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تفرقنا‭ ‬عن‭ ‬بعض‭.‬

كان‭ ‬يحدثني‭ ‬بصوت‭ ‬رخيم‭ ‬عن‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬الشيخ‭ ‬والبحر‮»‬‭ ‬للروائي‭ ‬همنجواي،‭ ‬وأنا‭ ‬أحدثه‭ ‬عن‭ ‬فصل‭ ‬من‭ ‬قصيدة‭ ‬الشاعر‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬أو‭ ‬قصيدة‭ ‬للشاعر‭ ‬نزار‭ ‬قباني،‭ ‬بيني‭ ‬وبينه‭ ‬سرة‭ ‬واحدة‭ ‬لم‭  ‬تستطع‭ ‬أن‭ ‬تقطعها‭ ‬قسوة‭ ‬الأيام‭ ‬والسنين‭.‬

هو‭ ‬يعرف‭ ‬طينتي‭ ‬التي‭ ‬عُجنتْ‭ ‬من‭ ‬تنور‭ ‬أمي،‭ ‬وأنا‭ ‬أعرف‭ ‬ما‭ ‬يشغله‭ ‬وما‭ ‬يقلقه‭ ‬إذا‭ ‬اشتدّ‭ ‬به‭ ‬الحنين‭.‬

بطولاته‭ ‬أو‭ ‬مغامراته‭ ‬كانت‭ ‬حديث‭ ‬النساء‭ ‬وارجال‭ ‬في‭ ‬مدينتي‭ ‬والليل‭ ‬في‭ ‬عينيه‭ ‬بدراً‭ ‬يتغزل‭ ‬فيه‭ ‬الشعراء‭ ‬عندما‭ ‬يكتمل‭ ‬القمر‭ ‬منتصف‭ ‬الشهر،‭ ‬عندها‭ ‬تصحو‭ ‬ذاكرته‭ ‬فيحمل‭ ‬زنبيله‭ ‬المشحون‭ ‬بأنواع‭ ‬الورد‭.‬

يمرُّ‭ ‬على‭ ‬البيوت،‭ ‬يوزع‭ ‬قلبه‭ ‬على‭ ‬عتبات‭ ‬كل‭ ‬بيت،‭ ‬بفخر‭ ‬يقول‭: ‬أنا‭ ‬ذلك‭ ‬الحلم‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يمت،‭ ‬أنا‭ ‬الغريب‭ ‬والقريب‭ ‬منكم‭ ‬فلا‭ ‬تهجروني‭ ‬لأني‭ ‬لا‭ ‬استطيع‭ ‬مغادرة‭ ‬قلوبكم‭ ‬وإن‭ ‬قسيت‭ ‬عليكم‭ ‬فهذا‭ ‬نتاج‭ ‬محبتي‭ ‬لكم‭.‬

الكل‭ ‬من‭ ‬ساكني‭ ‬المدينة‭ ‬يدركون‭ ‬ذلك،‭ ‬يتغنون‭ ‬بحلمه‭ ‬الأول،‭ ‬وعلى‭ ‬سجادة‭ ‬التبتل‭ ‬يقرأون‭ ‬آيات‭ ‬من‭ ‬الذكر‭ ‬الحكيم‭.‬

يقولون‭ ‬بصوت‭ ‬واحد‭: ‬لن‭ ‬نهجرك،‭ ‬أو‭ ‬نتجاسر‭ ‬على‭ ‬حلمك،‭ ‬أنت‭ ‬الهواء،‭ ‬أكسجين‭ ‬الحياة،‭ ‬فمهما‭ ‬بعدت‭ ‬ستعود‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬ينتظرك‭ ‬لا‭ ‬زال‭ ‬ينوس‭ ‬وهو‭ ‬جالس‭ ‬على‭ ‬حصيرة‭ ‬الذكريات،‭ ‬يعرف‭ ‬أنك‭ ‬لم‭ ‬تهجر‭ ‬الكتاب‭ ‬ولم‭ ‬تغادر‭ ‬نبض‭ ‬القلب‭.‬

صبايا‭ ‬وصبيان‭ ‬ونساء‭ ‬ورجال،‭ ‬كبار‭ ‬وصغار‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬يسردون‭ ‬حكايتك‭ ‬يدونونها‭ ‬بدفاتر‭ ‬سنواتهم،‭ ‬لا‭ ‬يضجرون‭ ‬ولا‭ ‬يحزنون،‭ ‬ولا‭ ‬يعرفون‭ ‬معنى‭ ‬للهجرة،‭ ‬بحرهم‭ ‬ونخلهم‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬الحب،‭ ‬وأنت‭ ‬في‭ ‬السيرة‭ ‬ذلك‭ ‬الطيف‭ ‬الملتحف‭ ‬بالحلم،‭ ‬النائم‭ ‬على‭ ‬وهج‭ ‬الحنين‭.‬

لكك‭ ‬في‭ ‬الانشغالات‭ ‬ما‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬محبتك،‭ ‬سماء‭ ‬لا‭ ‬تغادر‭ ‬نجومها‭ ‬ولا‭ ‬يأفل‭ ‬القمر‭ ‬عن‭ ‬زرقتها،‭ ‬النجوم‭ ‬هي‭ ‬اليوم‭ ‬أنت‭ ‬منها‭ ‬ذلك‭ ‬الفتى‭ ‬المشحون‭ ‬بفيض‭ ‬المحبة‭ ‬وسلال‭ ‬العارفين‭ ‬بمعنى‭ ‬الحياة‭.‬

‭ ‬أدري‭ ‬إنك‭ ‬مولع‭ ‬بـ«ندى‮»‬،‭ ‬وندى‭ ‬قد‭ ‬كبرت‭ ‬في‭ ‬سطور‭ ‬حكايتك،‭ ‬لكنك‭ ‬لا‭ ‬تدري‭ ‬بأن‭ ‬الذي‭ ‬التفّ‭ ‬بحلمك‭ ‬لم‭ ‬يمل‭ ‬في‭ ‬خط‭ ‬سردياته‭ ‬بسردياتك‭ ‬ولم‭ ‬يتخلف‭ ‬يوماً‭ ‬أن‭ ‬يدعو‭ ‬على‭ ‬موائد‭ ‬محبيك‭ ‬رهط‭ ‬النوارس‭ ‬في‭ ‬عرس‭ ‬تكتظ‭ ‬به‭ ‬الساحات،‭ ‬ضمن‭ ‬زغردة‭ ‬الناس‭ ‬ومشاغبة‭ ‬الأطفال‭.‬

وهم‭ ‬بدورهم‭ ‬لم‭ ‬يتخلفوا‭ ‬عنك،‭ ‬حفظوا‭ ‬الدرس‭ ‬وعلى‭ ‬سفينة‭ ‬الأيام‭ ‬غادروا‭ ‬نحو‭ ‬كل‭ ‬الجهات‭ ‬ولم‭ ‬تروق‭ ‬لهم‭ ‬إلاَّ‭ ‬جهتك،‭ ‬فكن‭ ‬واثقاً‭ ‬بمن‭ ‬أخاط‭ ‬وجعك‭ ‬بالحلم‭ ‬وأصر‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬ماء‭ ‬زلال‭ ‬العمر‭.‬

هو‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬مع‭ ‬حلمه‭ ‬الأول‭ ‬يستعيد‭ ‬الذاكرة‭ ‬ويرفض‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬شباكك،‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬الثقوب‭ ‬وإن‭ ‬ضاقت،‭ ‬فأنت‭ ‬تعرف‭ ‬سرها‭ ‬الأول‭ ‬وتكتب‭ ‬بهدوء‭ ‬قصتك‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكتمل‭ ‬بطولاتها‭ ‬دون‭ ‬إلفتك‭ ‬ووفائك‭ (‬لندى‭) ‬وندى‭ ‬واعية‭ ‬تعيدكَ‭ ‬حرفاً‭ ‬يضيء‭ ‬ظلام‭ ‬وحشتها،‭ ‬ويقرع‭ ‬أبواب‭ ‬سنواتك‭ ‬بالشوق،‭ ‬فالقلب‭ ‬أوسع‭ ‬أن‭ ‬يضيق‭ ‬بمحبيه،‭ ‬وأوسع‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأبواب‭ ‬الشديدة‭ ‬في‭ ‬القفل‭! ‬

‭ ‬a‭.‬astrawi@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا