ماي ورد فيلم بحريني من إنتاج شركة فريم بوكس للإنتاج الفني 2024 وإخراج محمود الشيخ، وشاركه التأليف محمد عتيق، الفيلم بطولة الفنانين مريم زيمان، جمعان الرويعي، حسين عبدالعلي، يحيى عبدالرسول، ريم ونّوس، دانة آل سالم وآخرون.
يتطرق الفيلم إلى موضوعات التقاليد والأسرة وتعقيدات الهوية الشخصية داخل مجتمع محافظ، ويحكي قصة امرأة (مريم زيمان) تواجه التوتر بين رغباتها الشخصية وتوقعات من حولها.
يقدم هذا العمل مزيجًا من الأداء الجيد واختيارات الإنتاج الجديرة بالملاحظة، لكنه يعاني عددًا من الإشكاليات التي تمنعه من الوصول إلى إمكانياته الكاملة.
أحد الجوانب الأكثر جدارة بالثناء هو فريق التمثيل، حيث يجمع الفيلم بين عدد من الممثلين الجيدين للغاية، مع أداء متميز من مريم زيمان وجمعان الرويعي وحسين عبدالعلي وعقيل الماجد.
فقد أدّت الفنانة مريم زيمان الدور الرئيسي، وعملت كنقطة محورية تدور حولها القصة بأكملها، فكانت المحور الذي يربط جميع الشخصيات الأخرى ببعضها، وينسج ترابطها الاجتماعي والعاطفي، فكل عنصر من عناصر القصة تقريبًا مرتبط بها، مما يجعل وجودها ليس محوريًا فحسب، بل ضروريًا لتقدم السرد، وقد أدت ذلك بشكل ملفت وجيد.
كما أنّ وجود جمعان الرويعي قدم أداءً دقيقًا وأصيلاً يرتقي بالمشاهد التي ظهر فيها، فقد تميز أداءه بسحره الخالي من الجهد، حيث نجح في تحقيق التوازن المطلوب بين الخفة والتماسك في الفيلم، وقد تميز دوره بأداء سلس وطبيعي أضاف نكهة كوميدية منعشة وغير مبتذلة، مما رفع من العمق العاطفي للقصة دون تقويض جديتها، ولقد جعلت قدرة الرويعي على إضفاء روح الدعابة على السرد بعفوية ورشاقة حضوره يبدو طبيعيًا، ولا يفرض نفسه أو يخرج عن مكانه أبدًا، حيث كان توقيته الكوميدي دقيقًا، فقدم لحظات من البهجة التي لم تنتقص من سلامة شخصيته؛ بل أضافت بدلاً من ذلك طبقة من الإنسانية والقدرة على التواصل بعفوية رسخت القصة وجعلتها أكثر سهولة دون المساس بثقل موضوعها الاجتماعي، وهذا شهادة على مهارته كممثل.
ورغم كون وقت ظهور حسين وعقيل على الشاشة محدودًا وأدوارهما مقيدة، إلا أنها كانت ذات أثر بارز، فقد أضافت المشاهد التي ظهر فيها حسين عبد العلي عمقًا عاطفيًّا للعمل، حيث كان الحالة الوحيدة التي تُظهر صراعًا داخليًا حقيقيًا، والمصدر الأكبر في الفلم لتصدير الألم غير المعلن.
بينما أظهر عقيل الماجد في مشهده الوحيد دقة عالية في تقديم التفسير والتبرير لشخصية جمعان ضمن سياق درامي بسيط وطبيعي جدًا، ففسر في هذا المشهد سلوكيات جمعان المتضاربة، وتناقض داخله بمظهره الذي كان قد خلق شكوك في التفسير لدى المشاهد إلى حين ظهور عقيل وقيامه بتبديدها في مشهد حوى تقريبًا أفضل حوار في العمل.
ويُحسَب أيضًا للعمل النهج الطبيعي الذي انتهجه، فالعديد من المشاهد خالية بشكل ملفت من الأداء المبالغ فيه، واختار بدلاً منها تعبيرات دقيقة وقابلة للتصديق، وساهم استخدام الأصوات الطبيعية بشكل أكبر في هذه الأصالة، حيث كان واضحًا الاستغناء عن المؤثرات الصوتية والموسيقى التصويرية غير اللازمة أو الاستعراضية، مما أسس للشخصيات في واقع يمكن التعاطف معه وتجنب المبالغة الدرامية التي يمكن أن تقلل غالبًا من تأثير القصة.
ولكن من الجانب الآخر فإنّ وتيرة الفيلم وبنيته كانتا غير متناسقتين، فالعديد من المشاهد تبدو متسرعة، مع مقاطع قصيرة للغاية تخفق في بناء الزخم، أو السماح للجمهور بالانخراط الكامل مع المشهد أو القصة بشكل عام، وهذا النهج غير المترابط يقطع التدفق ويترك العديد من القصص تبدو غير مكتملة،
وقد ظهرت هذه المشاهد في العديد من المواضع في العمل مثل المشهد الذي تظهر فيه البطلة مع حفيدتها وكان الحوار كالتالي:
*ويش فيك مريوم حبيبتي
*أبوي ما جابلي لعبة من السفر
أو مشهد الضيفة زوجة الشيخ مع البطلة في غرفة الجلوس:
*شو أخبار حفيدتك
*الحمد لله الحمد لله
وينتهي المشهد دون أن يدعم ما قبله أو بعده من أحداث، وقد تكررت هذه المشاهد دون غرض مفهوم من قبل المخرج، بينما أخذت عدد من المشاهد إطالات كان من الأولى إنفاق وقتها على مشاهد ذات أثر في القصة، مثل مشهد العزاء وتنظيف المنزل، والبكاء على الجد المتوفى.
والحوارات أيضًا كانت ضعيفة في بعض الأحيان، وتفتقر إلى الثقل العاطفي أو السردي اللازم لدعم السياق الدرامي.
ولم يؤدِ إدراج ممثلين إضافيين إلى تحسين كل ذلك، بل بدا وجود عدد منهم غير ضروري، ودفع ذلك إلى خلق الفوضى بدلاً من تعزيز القصة.
وأعتقد أنّ هناك اختيارًا آخر مشكوك فيه وهو استخدام اللغة الإيرانية في بعض المشاهد، ورغم أنّ القصد منها ربما كان إضافة طبقات ثقافية أو سياقية، إلا أنه في النهاية بدا غير مناسب وغير ضروري في بعض حالاته، ما أدى إلى تعطيل إيقاع الفيلم.
ويؤخذ على محمود الشيخ عدم استغلال شخصية حسين بشكل كافٍ، حيث كان دوره الغني بالإمكانات العاطفية مقيدًا للأسف بدلاً من استكشافه بالكامل، ونظرًا إلى تصوير حسين كرجل أُطلق سراحه من السجن ويعاني من الانطواء، فقد كانت هذه فرصة كبيرة للتعمق أكثر في قصته الخلفية ورحلته العاطفية وإعادة اندماجه في المجتمع، ومع ذلك فإن قرار المخرج بتقييد ظهوره على الشاشة والحد من تطور شخصيته ترك الكثير من إمكاناته غير مستغلة.
كنت أتوقع أن تلعب شخصية حسين دورًا أكثر مركزية في السرد، حيث كان من الممكن أن توفر صراعاته مع الصدمات والعزلة حالة موازية مؤثرة لموضوعات الفيلم المتمثلة في تحدي التوقعات المجتمعية فيما لو تم توسيع قصته، ولكان من الممكن أن تضيف طبقات إلى الحبكة الرئيسية، وتسلط الضوء على التأثيرات المتتالية للحبس العاطفي والنفسي داخل الديناميكيات الشخصية والعائلية، وبذلك فقد أضاع المخرج فرصة إثراء المشهد العاطفي للفيلم.
إلّا أنّ كل ما سبق لم يمنع أن الفيلم يتمتع بنقاط قوة لا يمكن إنكارها في فريق التمثيل والنهج الطبيعي للأداء، ولكن هذه الإيجابيات قابلتها عيوبه السردية والبنيوية، ولو كان التحرير أكثر إحكامًا، والحوارات أقوى، وسرد القصص أكثر تماسكًا، لكان من الممكن أن يتألق بشكل كبير حقًا.
وعلى الرغم من هذه الإشكاليات إلا أنه يمكن القول أنّ هذا الفيلم يحمل أهمية لصناعة السينما البحرينية، حيث ظهر في وقت أصبحت فيه الأفلام الروائية البحرينية الطويلة نادرة، ووجوده في حد ذاته شهادة على مثابرة وشغف صناع الأفلام المحليين، مما يوفر فرصة ضرورية للغاية للسينما البحرينية لاستعادة الرؤية محليًا ودوليًا.
ويظهر كذلك كمحفز في هذا الوقت لصناع الأفلام من الشباب، فهو يُظهر أنه على الرغم من الموارد المالية المحدودة والتحديات التي تواجهها السينما البحرينية، إلا أنه لا يزال هناك مجال للتعبير الإبداعي، من خلال عرض المواهب المحلية، ودفعهم للمضي قدمًا بأفكارهم ومشاريعهم، بغض النظر عن القيود بمختلف أشكالها، مقدمًا الأمل لهذا الجيل من صناع الأفلام لمواصلة ترك بصمتهم على صناعة السينما البحرينية.
ماي ورد فيلم يحق لنا أن نحتفي به كجهد له دور في المساعدة على إحياء الاهتمام بصناعة الأفلام المحلية واستدامتها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك