زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
إنهم يشككون في قواي العقلية
رغم احترامي للعلم والعلماء، إلا أنني لا أصدق كل ما يصدر عنهم في غير مجال العلوم التطبيقية: يعني إذا أحدهم قدم اختراعا أو اكتشافا محسوسا فعلى رأسي، ولكن كثيرين منهم يشتغلون بالتنظير في الفاضي والمليان، وفي أمور قد يكون الإنسان العامي يعلم بواطنها ودواخلها أكثر من حملة الألقاب الفخمة الضخمة.
يقول باحثون في جامعة بنسلفانيا ستيت الأمريكية، إن مخ الرجل يتقلص بعد سن العشرين، وكل ما ازداد عدد سنوات عمر الرجل، كلما استفحل التقلص، وخاصة في الجزء الأمامي من الدماغ، فيصبح مع تقدم في السن أقل قدرة على التركيز، ومتقلب المزاج بدرجة أنه قد يعجز عن إدراك المواقف المضحكة والطريفة، وعَلل الباحثون ذلك بأن الرجال أكثر ميلا لتنشيط واستخدام أجزاء أخرى من أدمغتهم، فيصبح الجزء الموجود خلف الجبهة خاملا تدريجيا، وقالوا إنه يمكن وقف التدهور وإعادة تفعيل هذا الجزء بالتمارين (يعني أضرب رأسي بالحائط؟).
هذا الكلام يهمني بحكم انتمائي الى الجنس المتهم بفقدان جانب من قواه العقلية بمرور الزمن، ولو مد الله في أيامي فسألتقي بأولئك الباحثين، وأقول لهم: تكلموا عن أنفسكم، والرجال لم يعطوكم توكيلا لتتحدثوا بالنيابة عنهم، وحتى لو كان ما قلتموه صحيحا، كان ينبغي ان يكون «كتامي بيننا وبينكم»، وليس بنشره في المجلات الطبية ومواقع الإنترنت حتى تطلع عليه النساء ويجدن فيه «مستندا» لاتهامنا بالخرف، وأكثر ما يحزنني ويحز في نفسي هو أنني ألحقت أصغر أبنائي بهذه الجامعة التي صدر عنها هذا التقرير العبيط، ولو كنت أعلم ان بها هذه النوعية من الأساتذة والباحثين لألحقته بجامعة الدول العربية ليكون «في السليم» طوال سنوات عمره. لا يهش ولا ينش. ولكن «ما فات شيء»، سأجعله يسجل لدراسات عليا في جامعة عربية لا شأن لها بالبحث ولا العلم.
اعترفت من قبل بأن ذاكرتي صارت «مش ولابد» بعد ان صارت تعاني من ثقوب متفاوتة الأحجام، وبسبب النسيان فإن زوجتي تعايرني بأن مخي «ضارب»، ولكنني وعندما أقارن حالي بحال ولدي الذي درس في جامعة بنسلفانيا تلك، أحس بالراحة والرضا عن النفس، وبأن مخي أحسن - مثلا- من مخ جورج دبليو بوش، وبالتالي فإنه «يوزن بلد» مثل أمريكا.. أقول له: يا ولد جيب لي الموبايل من السيارة، فيخرج وقد لا يعود، ثم اكتشف انه دخل غرفته ليقرأ أو يلعب. أين الموبايل يا ولد؟ آآآسف يا أبوي.. وين تركته.. وقد أكلفه بإحضار كوب ما فيأتيني بموزة او قاموس.. وقد تصلني رسالة عبر الهاتف الجوال من بنتي: بابا أرجو الاتصال بي لو سمحت ظروفك بذلك، واتصل بها فورا فيأتيني الرد: خير بابا.. مش من عوايدك تتصل بي أثناء ساعات الدراسة أو العمل! ماذا تفعل إزاء موقف كهذا؟ تصيح: معليش أنا غلطان؟.
فقدان القدرة على التركيز وباء عام في عالمنا المعاصر. فقد عطلنا مراكز الذاكرة في أمخاخنا بمنح الموبايلات والكمبيوترات توكيلات بأن تحفظ لنا الأسماء والأرقام ومواعيد الارتباطات، ولكنني مقتنع (على مضض) بأن النساء أكثر قدرة من الرجال على التركيز، لأن مسؤولياتهن أكبر من مسؤوليات الرجال. فالمرأة العاملة مثلا عليها ان تركز في أداء مهام وظيفتها وفوقها مهامها كزوجة وأم وأخت إلخ. وحتى المرأة المتفرغة تماما لشؤون عائلتها عليها «التركيز» في كل شيء بما في ذلك أمور راتب زوجها وكيفية توزيع المخصصات وتنسيق الشؤون الاجتماعية والصحية (وبالتوازي مع كل ذلك، رصد تحركات وفعاليات الزيجات والطلاقات وحركة السوق خاصة ما يتعلق بالتنزيلات). وللتأكد من قوة ذاكرة المرأة أسأل واحدة من العائلة: أكبر فلان أم فلان؟ في أي يوم سيكون عيد الفطر المقبل؟ بالنسبة إلى تاريخ مولد الفلانين سيكون الرد من نوع: الفرق بينهم يومين ونص تقريبا.. حمودي مولود صباح السبت من شهر كذا سنة كذا وعبودي مولود عصر الاثنين من الشهر نفسه.. بعد وفاة حاجة فاطمة بستة شهور ويومين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك