العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

الثقافي

سرديات: الرواية: عوالمها وسردياتها الموازية!

بقلم: د. ضياء عبدالله الكعبي

السبت ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

تصدر‭ ‬الخطابات‭ ‬الروائيّة‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الاشتباكات‭ ‬العميقة‭ ‬مع‭ ‬العوالم‭ ‬الممكنة‭ ‬من‭ ‬الأيديولوجيا،‭ ‬والتاريخ،‭ ‬والثقافة‭ ‬بكل‭ ‬مكوناتها،‭ ‬ممثَّلة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬التناصات‭ ‬الثقافيّة‭ ‬الكبرى‭ ‬أو‭ ‬السَّرديات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تمتزج‭ ‬مع‭ ‬الرؤية‭ ‬الروائيّة‭. ‬ولا‭ ‬شكَّ‭ ‬أنَّ‭ ‬الخطاب‭ ‬الروائي‭ ‬يُعد‭ ‬من‭ ‬أعقد‭ ‬أنواع‭ ‬الكتابة‭ ‬السَّردية‭ ‬الحديثة‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬في‭ ‬صدوره‭ ‬عن‭ ‬التشابك‭ ‬مع‭ ‬الخطابات‭ ‬الثقافية‭ ‬الأخرى‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬تنوعاتها‭. ‬ولكن‭ ‬يبقى‭ ‬للخطاب‭ ‬الروائي‭ ‬تفرده‭ ‬في‭ ‬صدوره‭ ‬عن‭ ‬المتخيّل‭ ‬الروائي؛‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنَّ‭ ‬هناك‭ ‬رؤية‭ ‬معينة‭ ‬للعالم‭ ‬يصدر‭ ‬عنها‭ ‬أيّ‭ ‬روائي‭ ‬وهو‭ ‬يكتب‭ ‬متخيّله‭ ‬السردي‭ ‬الروائي‭ ‬هذا‭. ‬وبعض‭ ‬الروائيين‭ ‬لا‭ ‬يكتفون‭ ‬بمجرد‭ ‬متخيّلهم‭ ‬الروائي‭ ‬فقط،‭ ‬وإنَّما‭ ‬يعضدونه‭ ‬بخطاب‭ ‬فكري‭ ‬صادر‭ ‬عنهم‭ ‬متمثّل‭ ‬في‭ ‬نتاجهم‭ ‬الفكري‭ ‬التنظيري‭. ‬فعلي‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬نجد‭ ‬أنَّ‭ ‬خطاب‭ ‬أمين‭ ‬معلوف‭ ‬الروائي‭ ‬يتشابك‭ ‬مع‭ ‬نتاجه‭ ‬الفكري،‭ ‬وينصهران‭ ‬في‭ ‬بوتقة‭ ‬واحدة‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬الائتلاف‭ ‬والاتساق‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬رؤية‭ ‬متناغمة‭ ‬ومتكاملة‭ ‬للذاتي‭ ‬وللشخصي‭ ‬وللكوني‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الاختلاف‭ ‬بين‭ ‬التنظير‭ ‬والتطبيق‭. ‬وقد‭ ‬قدّم‭ ‬أمين‭ ‬معلوف‭ ‬أربعة‭ ‬مؤلفات‭ ‬فكرية‭ ‬امتدَّت‭ ‬طوال‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬هي‭: (‬الحروب‭ ‬الصليبية‭ ‬كما‭ ‬رآها‭ ‬العرب‭) (‬1989‭)‬،‭ ‬و‭(‬بدايات‭) (‬2004‭)‬،‭ ‬و‭(‬الهويات‭ ‬القاتلة‭) (‬2004‭)‬،‭ ‬و‭(‬اختلال‭ ‬العالم‭) (‬2009‭). ‬وتزامن‭ ‬الظهور‭ ‬الفكري‭ ‬وتبلوره‭ ‬عند‭ ‬معلوف‭ ‬مع‭ ‬الظهور‭ ‬الروائي‭ ‬متمثلاً‭ ‬في‭ ‬ثماني‭ ‬روايات‭ ‬هي‭:(‬القرن‭ ‬الأول‭ ‬بعد‭ ‬بياتريس‭) (‬1977‭)‬،‭ ‬و‭(‬سمرقند‭) (‬1991‭)‬،‭ ‬و‭(‬صخرة‭ ‬طانيوس‭) (‬1994‭)‬،‭ ‬و‭(‬ليون‭ ‬الإفريقي‭) (‬1997‭)‬،‭ ‬و‭(‬حدائق‭ ‬النور‭) (‬1998‭)‬،‭ ‬و‭(‬موانئ‭ ‬المشرق‭) (‬1998‭)‬،‭ ‬و‭(‬رحلة‭ ‬بالداسار‭) (‬2001‭) ‬و‭(‬التائهون‭) (‬2012‭) ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مسرحيتين‭ ‬مُثلتا‭ ‬في‭ ‬الأوبرا‭ ‬الفرنسية‭ ‬هما‭: (‬الأم‭ ‬أدريانا‭) (‬2006‭)‬،‭ ‬و‭(‬الحب‭ ‬عن‭ ‬بعد‭) (‬2002‭)‬،‭ ‬ونظراً‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬الرؤية‭ ‬التي‭ ‬صدر‭ ‬عنها‭ ‬معلوف‭ ‬في‭ ‬كتبه‭ ‬الفكرية‭ ‬الأربعة‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬آنفًا،‭ ‬وهي‭ ‬رؤية‭ ‬يتشابك‭ ‬فيها‭ ‬التاريخي‭ ‬بتأويلاته‭ ‬المتعددة‭ ‬المنفتحة‭ ‬مع‭ ‬السياسي‭ ‬والواقعي،‭ ‬سنجد‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬واضحًا‭ ‬في‭ ‬تأويله‭ ‬للتاريخ‭ ‬وفي‭ ‬استشرافه‭ ‬آمادًا‭ ‬أوسع‭ ‬للهويات‭ ‬الكونية‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬التحديدات‭ ‬العرقية‭ ‬واللونية‭ ‬والجنسية‭ ‬ساعياً‭ ‬إلى‭ ‬الاحتفاء‭ (‬بالاختلاف‭ ‬الثقافي‭) ‬و‭(‬بالهجنة‭ ‬الثقافية‭)‬،‭ ‬داعيًا‭ ‬إلى‭ ‬إلغاء‭ (‬الهويات‭ ‬القاتلة‭) ‬مع‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أنَّ‭ ‬للسردي‭ ‬حضوره‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬الفكري‭ ‬عند‭ ‬معلوف‭ ‬وللفكري‭ ‬حضوره‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬في‭ ‬السردي‭. ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬الفكري‭ ‬والسردي‭ ‬على‭ ‬أنهما‭ ‬محوران‭ ‬منفصلان‭. ‬

إنَّ‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الإدغام‭ ‬بين‭ ‬الفكري‭ ‬والسردي‭ ‬سنجده‭ ‬واضحًا‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الروائيين‭ ‬العرب‭ ‬مثل‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬منيف،‭ ‬وجبرا‭ ‬إبراهيم‭ ‬جبرا،‭ ‬وعبدالله‭ ‬العروي،‭ ‬وعبدالله‭ ‬خليفة،‭ ‬وغازي‭ ‬القصيبي،‭ ‬وتركي‭ ‬الحمد‭ ‬وغيرهم‭. ‬وعلى‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬سنجد‭ ‬أنَّ‭ ‬تمثيلات‭ ‬صورة‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬الآخر‭ ‬متعددة‭ ‬ومتشابكة‭ ‬وعلى‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الصعوبة‭ ‬في‭ ‬التحديد؛‭ ‬فمن‭ ‬السهل‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬توظيف‭ ‬التنميط‭ ‬الاختزالي‭ ‬لثنائية‭ ‬شرق‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬غرب‭ ‬كما‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬الخطابات‭ ‬الاستشراقية‭ ‬والكولونيالية‭ ‬على‭ ‬اختلافها،‭ ‬ولكن‭ ‬التمثيلات‭ ‬أعقد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬بكثير‭. ‬والآخر‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يُختزل‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الخطابات‭ ‬فهناك‭ ‬الآخر‭ ‬الشرقي‭ ‬وهناك‭ ‬الآخر‭ ‬المنتمي‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يُسمى‭ ‬بمجتمعات‭ ‬العالم‭ ‬الثالث،‭ ‬وهناك‭ ‬الآخر‭ ‬اللاتيني،‭ ‬وغيره‭. ‬إنَّ‭ ‬عدداً‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬منظري‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬الكولونيالية‭ ‬يأتون‭ ‬من‭ ‬عرقيات‭ ‬آسيوية‭ ‬مما‭ ‬يكسر‭ ‬طوق‭ ‬المركزية‭ ‬الغربية‭ ‬النقدية‭. ‬ويحضر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬أسماء‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬إدوارد‭ ‬سعيد‭ ‬وهومي‭ ‬بابا‭ ‬Homi‭ ‬Bhabha،‭ ‬وإعجاز‭ ‬أحمد‭ ‬وجياتري‭ ‬سبيفاك‭ ‬Gayatri‭ ‬Spivak،‭ ‬وبارتا‭ ‬تشاتيرجي‭ ‬Partha‭ ‬Cahtterjee‭ ‬وغيرهم‭.‬

الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬كلاً‭ ‬من‭ ‬هومي‭ ‬بابا،‭ ‬وسبيفاك،‭ ‬وديبيش‭ ‬تشاكرابارتي‭ ‬Dipesh‭ ‬Chakrabarty‭ ‬يصنفون‭ ‬ضمن‭ ‬مدرسة‭ ‬أو‭ ‬جماعة‭ ‬دراسات‭ ‬التابعة‭ ‬Subaltern‭ ‬Studies‭. ‬إنَّ‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬تمثيلاتها‭ ‬هي‭ ‬نتاجات‭ ‬إبداعية‭ ‬متحقِّقة‭ ‬لمرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الكولونيالية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سنتناوله‭ ‬في‭ ‬مقالات‭ ‬قادمة‭.‬

 

أستاذة‭ ‬السَّرديات‭ ‬والنقد‭ ‬

الأدبيّ‭ ‬الحديث‭ ‬المشارك‭ ‬كلية‭ ‬

الآداب،‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا