شكلت التسعينيات منعطفاً لامعاً في حياتي كطفلة عندما بدأت نزعة الشعر بالظهور في أناشيدي الوطنية وإلقائي في المدرسة مستلهمةً ذلك العنفوان من فارس الشعر عبدالرحمن رفيع الذي لم يبارح شاشة تلفازنا آنذاك.
كانت أبياته البسيطة والعميقة في آن مصدراً جذابا يشد حواسي بكل تركيز في كل مرة يعتلي فيها منصة أو يظهر عبر لقاء تلفزيوني. ولطالما كان أداؤه العفوي والمميز يسترعي اهتمامي فأطيل النظر متقمصةً منه شخصيةً طفوليةً شاعرية قائمة على ذات النمط.
لا يزال صدى صوته حاضراً في مخيلتي، وكأنه بالأمس رغم مرور ما يقارب السنوات العشر على رحيله، إلا أنه ترك إرثاً شعرياً ثميناً يتغنى به أهل مملكة البحرين إلى يومنا هذا.
وقد كانت سيرته الحافلة بالعطاء والإنجازات محط اهتمام وتقدير كبيرين بدءاً من تعلمه القرآن الكريم وانتقالاً إلى كلية الحقوق في جامعة القاهرة حتى عمله في وزارة الإعلام كمراقب للشؤون القانونية، حيث لم تخل رحلته من العديد من المؤلفات الشعرية والتي بلغت في مجموعها تسعة دواوين باللغة الفصحى والعامية وهي: البحار الأربعة، الدوران حول البعيد، الشعر الشعبي، ديوان بحر وعيون، يسألني، أولها كلام، العرب ما خلوشي، ولها ضحك الورد فضلاً عن مشاركته في معظم الأمسيات الشعرية في مملكة البحرين، دولة الكويت، جمهورية مصر، جمهورية الإمارات العربية المتحدة، مهرجان الرياض والجنادرية ومجموعة من الأمسيات التلفزيونية. علاوة على فوز الشاعر بالعديد من الجوائز منها الجائزة الأولى في مسابقة هنا البحرين الأدبية.
لم تخلو حياته الأدبية من رفقة، حيث ربطت الصداقة المقربة بين الشاعر والدكتور غازي القصيبي بدءاً بالدراسة الجامعية وكتابة قصائد الهجاء المتبادلة والمشاركة في العديد من الأمسيات والمساجلات الشعرية.
وعروجاً على قدراته الأدبية في كتابة الشعر يتألق الشاعر عبدالرحمن رفيع من خلال أسلوبه السردي القائم على نزعة القصة كتجسيد للواقع وقدرته الهائلة في وصف الأشخاص والمكان وفق مزيج فريد من الفكاهة والتراث وعبر نمط معين جعله من أكثر الأدباء شهرة على مستوى مملكة البحرين، حيث قدم الشعر في صورتيه العامية والفصحى مخاطباً جميع فئات المجتمع من خلال حكايات ممتزجة بلوحات كاريكاتيرية تعمد فيها نقد بعض الظواهر الاجتماعية بأسلوب ساخر.
امتازت قصائده نظراً إلى شخصيته المعروفة بخفة الظل بالكثير من السخرية التي تنقلنا بين المواقف والحوار والهزل والفكاهة في زمن جميل يشع بالتراث ويمثل حقبة ما قبل النفط التي أثرت في النتاج الشعري للشاعر خير تمثيل من خلال مفرداته الشعرية المليئة بالمشاهد الواقعية والتي برزت كمسرح شعري لتلك الفترة الذهبية للأيام الخوالي.
يملك أ. عبد الرحمن فلسفة شعرية خاصة تتعلق بارتباط الشعر بالوجدان، فعبر تقنياته الشعرية يرى أن الشعر يجب أن يصل إلى المشاعر ومن أجل ذلك تمكن من تمثيل المشهد الشعري بأداء جسدي ولفظي مميزين شاقاً طريقه كموهبة فريدة في الوسط الأدبي، فعلى غرار صلاح شاهين برز الشاعر في الشعر العمودي المعتمد على التفعيلة والوزن متأثراً بالأديب صلاح في استخدام المفردات العميقة.
وقد تحدث الشاعر عن أسلوبه المتفرد عبر حوار أجراه مسبقاً مع صحيفة الشرق الأوسط في كونه يلتزم بلغة ثالثة يصفها الأديب توفيق الحكم باللغة الوسطى وهي السر الذي يعتمد عليه في إيصال لغة التخاطب المتداولة كلغة بسيطة للمتذوق الشعري حيث يعتمد الشاعر أسلوب الحكواتي في سرد نصه الشعري وهو ما شكل له جمهوراً كبيراً من المستمعين عوضاً عن القراء.
إن أشعار عبدالرحمن رفيع رغم تواتر السنوات لا زالت تقرع ذكريات الزمن الأصيل لمجتمع مملكة البحرين في حقبة ما قبل النفط، تحاكي عراقة ماضي الأجداد بعاداته وتقاليده ومورثاته الشعبية وسط أهازيجه التي ملأت سطوراً حفرت بصمتها في تاريخنا المحلي طوال العمر.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك