العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

رسائل الغياب

بقلم: زاهرة العلوي

السبت ٣١ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

أمرُّ‭ ‬آلاف‭ ‬المرات‭ ‬في‭ ‬مخيلتي‭ ‬على‭ ‬غرفتكِ‭ ‬القصية،‭ ‬على‭ ‬صوت‭ ‬الموسيقى،‭ ‬أمرر‭ ‬يدي‭ ‬على‭ ‬الأكواب‭ ‬الكثيرة،‭ ‬على‭ ‬بقع‭ ‬النسكافيه‭ ‬والأكياس‭ ‬المصقولة‭ ‬الفارغة‭ ‬لأصابع‭ ‬الشوكولا‭ ‬بالكراميل‭.‬

على‭ ‬الصندوق‭ ‬الموسيقي،‭ ‬وساق‭ ‬راقصة‭ ‬الباليه‭ ‬فيه‭ ‬وهي‭ ‬تأخذ‭ ‬استدارتها‭ ‬كاملة،‭ ‬أمر‭ ‬على‭ ‬الغرف،‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬ضحكات‭ ‬وأسرار‭ ‬ودموع،‭ ‬أمر‭ ‬على‭ ‬ابتسامتكِ‭ ‬الغريبة‭ ‬للكاميرا،‭ ‬ابتسامتكِ‭ ‬التي‭ ‬نصفها‭ ‬حيرة‭ ‬والنصف‭ ‬الآخر‭ ‬سخرية،‭ ‬أمر‭ ‬على‭ ‬تلكَ‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬تشبهين‭ ‬فيها‭ ‬موناليزا،‭ ‬بقميصك‭ ‬الأسود،‭ ‬شعركِ‭ ‬بتموجاته‭ ‬يبدو‭ ‬ذهبياً‭ ‬في‭ ‬الصور،‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬أذكرها‭ ‬كثيراً،‭ ‬أمر‭ ‬في‭ ‬مخيلتي،‭ ‬على‭ ‬تلكِ‭ ‬الليالي،‭ ‬التي‭ ‬تحملتِ‭ ‬فيها‭ ‬غالباً‭ ‬مهمة‭ ‬مراقبة‭ ‬جرس‭ ‬البيت،‭ ‬سهرة‭ ‬الساعة‭ ‬الثانية‭ ‬عشر‭ ‬لأجل‭ ‬فيلمٍ‭ ‬أجنبي‭..‬

أمر‭ ‬على‭ ‬الليلة‭ ‬التي‭ ‬رقصنا‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬الشمعدانات،‭ ‬وموسيقى‭ ‬‮«‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬الأخيرة‮»‬

حتى‭ ‬أصبنا‭ ‬بالدوار،‭ ‬وبنوبة‭ ‬بكاء،‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬حين‭ ‬شعرنا‭ ‬بأن‭ ‬أحدهم‭ ‬انتزع‭ ‬منا‭ ‬‮«‬توت‮»‬‭ ‬للأبد‭..‬

أمر‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬النهارات‭ ‬التي‭ ‬بددتها‭ ‬على‭ ‬سجادة‭ ‬غُرفتكِ‭ ‬أتأمل‭ ‬الضوء‭ ‬وهو‭ ‬يظلل‭ ‬غرفتكِ‭ ‬القصية‭ ‬مثل‭ ‬غيمة‭ ‬ثم‭ ‬يتلاشى‭..‬

غرفتكِ،‭ ‬الغيم،‭ ‬الموسيقى،‭ ‬بقع‭ ‬النسكافيه،‭ ‬رائحة‭ ‬بودرة‭ ‬الخُزامى‭ ‬المعطرة‭..‬

أريد‭ ‬أن‭ ‬أذكُركِ‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬بقميصكِ‭ ‬الأسود‭ ‬وشعركِ‭ ‬المموج‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭..‬

أريد‭ ‬أن‭ ‬أصنع‭ ‬غياباً‭ ‬كافياً،‭ ‬غياباً‭ ‬صارخاً‭ ‬وقاسياً‭ ‬لا‭ ‬يسمع‭ ‬فيه‭ ‬أحد‭ ‬بكائي‭ ‬على‭ ‬المسافة‭ ‬أو‭ ‬يلحظ‭ ‬فيه‭ ‬أحد‭ ‬دمعة‭ ‬تفر‭ ‬كلما‭ ‬ذكرتكِ‭ ‬وشعرت‭ ‬باليتم،‭ ‬كلما‭ ‬ذكرتكِ‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬نفسي‭ ‬وأرغمت‭ ‬نفسي‭ ‬على‭ ‬نسيانكِ‭ ‬لأن‭ ‬تذكر‭ ‬هذه‭ ‬المسافة‭ ‬حادٌ‭ ‬ومؤلم‭ ‬مثل‭ ‬الأشواك‭..‬

أريد‭ ‬أن‭ ‬أقترف‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬يوميا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أشعر‭ ‬بالذنب،‭ ‬ذنب‭ ‬أو‭ ‬مرارة‭ ‬أني‭ ‬تركتكِ‭ ‬تخوضين‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬وحدكِ‭ ‬لأني‭ ‬كنت‭ ‬أكثر‭ ‬جبناً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أراكِ‭ ‬تنتزعين‭ ‬هذه‭ ‬السكاكين‭ ‬كلها،‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أعترف‭ ‬لكِ‭ ‬أنا‭ ‬أكثر‭ ‬هشاشة‭ ‬مما‭ ‬تظنين،‭ ‬هشة‭ ‬أمام‭ ‬حزنكِ،‭ ‬هشة‭ ‬أمام‭ ‬قوتكِ،‭ ‬أمام‭ ‬عباءتك‭ ‬السوداء،‭ ‬أمام‭ ‬زجاجة‭ ‬عطرك‭ ‬الـ«جيفنشي‮»‬

أنا‭ ‬وحيدة‭ ‬للغاية‭ ‬حين‭ ‬أضع‭ ‬قهوتي‭ ‬التركية‭ ‬وأذكر‭ ‬فناجينكِ‭ ‬وطقوس‭ ‬الشاي‭..‬

أنا‭ ‬وحيدة‭ ‬جداً‭ ‬حين‭ ‬أذكر‭ ‬أنكِ‭ ‬لستِ‭ ‬هنا،‭ ‬وأن‭ ‬يدي‭ ‬لا‭ ‬تمتد،‭ ‬وصوتي‭ ‬صمتٌ‭ ‬عميق،‭ ‬صمت‭ ‬عميق،‭ ‬لا‭ ‬لأجل‭ ‬شيء‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬طوفان‭ ‬بكاء‭ ‬يكفي‭ ‬ليغرق‭ ‬العالم‭ ‬حزنا‭ ‬على‭ ‬إصيص‭ ‬الورد‭ ‬الذي‭ ‬بقيَّ‭ ‬خالياً‭ ‬بعدكِ،‭ ‬على‭ ‬موسيقى‭ ‬‮«‬ياني‮»‬‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬نفسها‭..‬

لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أحزنكِ‭ ‬الليلة‭ ‬بالتحديد،‭ ‬لأنه‭ ‬عيدكِ

لكنها‭ ‬محبتي،‭ ‬محبتي‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنفصل‭ ‬عن‭ ‬الألم‭ ‬أو‭ ‬الاشتياق‭..‬

لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أحزنكِ‭ ‬الليلة‭ ‬بالذات،‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬لكِ،‭ ‬أنا‭ ‬أصلي‭ ‬لكِ‭ ‬حين‭ ‬أكون‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬نفسي،‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬لكِ‭ ‬أنا‭ ‬أشتاق‭ ‬إليكِ‭ ‬وأمرُ‭ ‬آلاف‭ ‬المرات‭ ‬في‭ ‬مخيلتي‭ ‬على‭ ‬غرفتكِ‭..‬

على‭ ‬صورتكِ‭ ‬التي‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أحتفظ‭ ‬بها‭ ‬للأبد‭..‬

احتفلي‭ ‬الليلة،‭ ‬لأجلي،‭ ‬احتفلي‭ ‬لأنكِ‭ ‬استطعتِ‭ ‬انتزاع‭ ‬هذه‭ ‬السكاكين،‭ ‬لأنكِ‭ ‬استطعتِ‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬قدمين‭ ‬وأحياناً‭ ‬واحدة‭ ‬وسط‭ ‬هذه‭ ‬الظلام‭ ‬كله،‭ ‬احتفلي‭ ‬بملاذكِ‭ ‬وطمأنينتك،‭ ‬احتفلي‭ ‬لأننا‭ ‬نعرف‭ ‬سلفاً‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭: ‬‮«‬إلى‭ ‬أين‭ ‬نذهب‭ ‬حين‭ ‬نفقدُ‭ ‬خط‭ ‬العودة‮»‬‭..‬

احتفلي‭ ‬لأنه‭ ‬وحده‭ ‬ملاذكِ‭ ‬وطمأنينتكِ‭ ‬وقوتكِ‭..‬

احتفلي‭ ‬لأنه‭ ‬رفع‭ ‬ونجى،‭ ‬لأنه‭ ‬فتح‭ ‬ذراعيه‭ ‬على‭ ‬اتساعهما،‭ ‬ومد‭ ‬يديهِ‭ ‬على‭ ‬شعركِ‭ ‬المموج‭..‬

لأنكِ‭ ‬تحت‭ ‬ظل‭ ‬رحمته‭ ‬ورعايته‭ ‬للأبد‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا