العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

أريج الذاكرة في حدائق الإبداع: منهجية التوثيق الشعري عند فاطمة بوهراكة

{ بقلم: د. ماجد قائد

السبت ١٠ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

للتوثيق‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬حفظ‭ ‬نتاجات‭ ‬الأمم‭ ‬والحضارات،‭ ‬وصونها‭ ‬من‭ ‬الطمس‭ ‬والضياع،‭ ‬وتوريثها‭ ‬للأجيال،‭ ‬وهو‭ ‬مؤشر‭ ‬من‭ ‬مؤشرات‭ ‬تطور‭ ‬المجتمعات،‭ ‬ورقي‭ ‬فكرها،‭ ‬وتقدم‭ ‬وعيها،‭ ‬وعراقة‭ ‬حضارتها‭.‬

يمتاز‭ ‬أدب‭ ‬أمتنا‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬والمعاصر‭ ‬بتجارب‭ ‬شعرية‭ ‬كثيرة،‭ ‬بعضها‭ ‬كتِب‭ ‬لها‭ ‬الظهور‭ ‬والشهرة،‭ ‬وبعضها‭ ‬ظلّت‭ ‬مغمورة،‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬باحثين‭ ‬منصفين‭ ‬وجادين،‭ ‬ينفضون‭ ‬الغبار‭ ‬عنها،‭ ‬ويبرّزون‭ ‬إبداعها،‭ ‬ويخلدون‭ ‬ذكراها‭ ‬في‭ ‬مخيلة‭ ‬التاريخ،‭ ‬وينقلون‭ ‬تراثها‭ ‬للأجيال‭.‬

وتحفل‭ ‬أمتنا‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬تاريخها‭ ‬الطويل‭ ‬بتجارب‭ ‬إبداعية‭ ‬متميزة،‭ ‬وضعت‭ ‬بصمتها‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الأدبية‭ ‬والفكرية،‭ ‬وخطت‭ ‬مسارات‭ ‬متميزة،‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬ارتدادات‭ ‬معرفية‭ ‬قوية،‭ ‬أسهمت‭ ‬إسهاما‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬تراكم‭ ‬العلم،‭ ‬وإثراء‭ ‬المعرفة،‭ ‬وصون‭ ‬الأدب،‭ ‬وتأثيث‭ ‬الثقافة‭. ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭ ‬والباحثين‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي‭ ‬من‭ ‬تبنى‭ ‬مشروعا‭ ‬معرفيا،‭ ‬كُتِب‭ ‬له‭ ‬النجاح،‭ ‬فأسهم‭ ‬في‭ ‬تأثيث‭ ‬المشهد‭ ‬الأدبي‭ ‬العربي،‭ ‬وأمده‭ ‬بدماء‭ ‬جديدة،‭ ‬ساعدت‭ ‬في‭ ‬تحريك‭ ‬عجلته‭ ‬المعرفية‭ ‬وتطوير‭ ‬عتاده‭ ‬الأدبي،‭ ‬وتوثيق‭ ‬حرفه‭ ‬الإبداعي‭. ‬فاطمة‭ ‬بوهراكة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬المبدعين،‭ ‬الذين‭ ‬حاولوا‭ ‬أن‭ ‬يسطروا‭ ‬بأناملهم‭ ‬تاريخا‭ ‬أدبيا‭ ‬مشرقا،‭ ‬فقد‭ ‬وهبت‭ ‬نفسها‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الحرف‭ ‬الشعري‭ ‬العربي،‭ ‬وسخرت‭ ‬كل‭ ‬جهودها‭ ‬لتوثيقه،‭ ‬وحمايته‭ ‬من‭ ‬الضياع،‭ ‬فأثرت‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية‭ ‬بمجموعة‭ ‬قيمة‭ ‬من‭ ‬الإصدارات‭ ‬الشعرية،‭ ‬التي‭ ‬تعرّف‭ ‬القارئ‭ ‬بأسماء‭ ‬شعراء‭ ‬كثُر،‭ ‬كان‭ ‬يجهلها،‭ ‬وقربت‭ ‬له‭ ‬مائدة‭ ‬دسمة‭ ‬من‭ ‬القريض،‭ ‬يتغذى‭ ‬من‭ ‬حرفها،‭ ‬ويتغنى‭ ‬بموسيقاها،‭ ‬ويتسلى‭ ‬بجمالياتها‭.‬

يركز‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬تجربة‭ ‬الموثقة‭ ‬المغربية‭ ‬فاطمة‭ ‬بوهراكة‭ ‬في‭ ‬التوثيق‭ ‬الشعري‭ ‬الموسوعي‭ ‬العربي،‭ ‬ولا‭ ‬أجد‭ ‬حرجا‭ ‬أن‭ ‬أقف‭ ‬قليلا‭ ‬عند‭ ‬معرفتي‭ ‬بها،‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬فاس‭ ‬الدولي‭ ‬للإبداع‭ ‬الشعري،‭ ‬الذي‭ ‬أقيم‭ ‬2017م‭ ‬بمدينة‭ ‬فاس،‭ ‬العاصمة‭ ‬العلمية‭ ‬للمغرب،‭ ‬عندما‭ ‬تلقيت‭ ‬دعوة‭ ‬من‭ ‬دارة‭ ‬الشعر‭ ‬المغربي‭ ‬للمشاركة،‭ ‬فسررت‭ ‬بذلك،‭ ‬وكان‭ ‬لقاء‭ ‬أدبيا‭ ‬مميزا‭ ‬إعدادا‭ ‬وتسييرا‭ ‬وتنظيما،‭ ‬وحدثا‭ ‬ثقافيا‭ ‬باذخا،‭ ‬أبهرني،‭ ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬وعلاقتي‭ ‬بالباحثة‭ ‬تزداد‭ ‬تقديرا‭ ‬وتزدان‭ ‬احتراما،‭ ‬وتتمتّن‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬لقاء‭ ‬أو‭ ‬تواصل‭ ‬جمعني‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬موائد‭ ‬الحرف‭ ‬وولائم‭ ‬القريض‭.‬

عرفت‭ ‬فاطمة‭ ‬بوهراكة‭ ‬عن‭ ‬قرب،‭ ‬فوجدتها‭ ‬إنسان‭ ‬رقيقة،‭ ‬وشاعرة‭ ‬عميقة،‭ ‬وموثقة‭ ‬وثيقة،‭ ‬وكاتبة‭ ‬رشيقة،‭ ‬صادقة‭ ‬في‭ ‬مواعيدها،‭ ‬وصريحة‭ ‬في‭ ‬تعاملها،‭ ‬وكريمة‭ ‬في‭ ‬معاشرتها،‭ ‬ومجتهدة‭ ‬مجدة‭ ‬في‭ ‬عملها،‭ ‬لا‭ ‬تكل‭ ‬ولا‭ ‬تمل‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭.‬

تولد‭ ‬لديّ‭ ‬شغف‭ ‬بما‭ ‬تنجزه‭ ‬الباحثة،‭ ‬وخصوصا‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تهديني‭ ‬نسخا‭ ‬من‭ ‬أعمالها،‭ ‬وكنت‭ ‬أطلع‭ ‬عليها،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬اطلعت‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أعمالها‭ ‬وإصداراتها‭ ‬الشعرية‭ ‬العربية،‭ ‬وصفتها‭ ‬بوزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعرية‭ ‬العربية؛‭ ‬لأنها‭ ‬قدمت‭ ‬أعمالا‭ ‬لم‭ ‬تقم‭ ‬بها‭ ‬وزارات‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬بما‭ ‬تمتلكه‭ ‬من‭ ‬مقومات‭ ‬بشرية‭ ‬ومادية،‭ ‬لكن‭ ‬الباحثة‭ ‬بمفردها‭ ‬وفي‭ ‬زمن‭ ‬قياسي‭ ‬جاءت‭ ‬بما‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬عليه‭ ‬هذه‭ ‬الوزارات‭ ‬وإداراتها‭ ‬وطواقمها،‭ ‬بل‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬بها‭. ‬لقد‭ ‬جمعت‭ ‬الباحثة‭ ‬في‭ ‬موسوعاتها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬بيانات‭ ‬الشعراء‭ ‬والشاعرات‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬والمعاصر‭ ‬وصورهم،‭ ‬وأحاطت‭ ‬بسيرهم‭ ‬وأخبارهم،‭ ‬أحياءهم‭ ‬وأمواتهم،‭ ‬وشيوخهم‭ ‬وشبابهم،‭ ‬بل‭ ‬حفرت‭ ‬عن‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬طبعت‭ ‬ديوانها‭ ‬من‭ ‬الشاعرات‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬دفعني‭ ‬إلى‭ ‬تأليف‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬أمران‭: ‬الأمر‭ ‬الأول‭ ‬وجود‭ ‬فراغ‭ ‬معرفي‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬التوثيق‭ ‬الشعري‭ ‬الموسوعي‭ ‬العربي،‭ ‬فلم‭ ‬أعثر‭ - ‬في‭ ‬حدود‭ ‬علمي‭ - ‬على‭ ‬كتاب‭ ‬أو‭ ‬بحث‭ ‬تناول‭ ‬التوثيق‭ ‬الشعري‭ ‬العربي‭ ‬الموسوعي،‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬بذلت‭ ‬قديما‭ ‬وحديثا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭. ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬جعلني‭ ‬أتساءل‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬وضع‭ ‬علم‭ ‬التوثيق‭ ‬الشعري‭ ‬الموسوعي‭ ‬العربي،‭ ‬كي‭ ‬يوحد‭ ‬كل‭ ‬الجهود‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬علمي‭ ‬موحد،‭ ‬ويضع‭ ‬منهجا‭ ‬علميا‭ ‬واضحا‭ ‬يهتدي‭ ‬به‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التوثيق‭ ‬الشعري‭ ‬الموسوعي‭ ‬العربي؟‭ ‬ولا‭ ‬أدعي‭ ‬أنني‭ ‬أجبت‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬حاولت‭ ‬وضع‭ ‬تصورات‭ ‬واقتراحات،‭ ‬علها‭ ‬تحاول‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬الإجابة‭ ‬عليه‭. ‬الأمر‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬أني‭ ‬رأيت‭ ‬جهود‭ ‬الباحثة‭ ‬فاطمة‭ ‬بوهراكة‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬التوثيق‭ ‬الشعري‭ ‬الموسوعي‭ ‬كثيرة،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تحظ‭ ‬بدراسة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬تستحقه‭ ‬من‭ ‬الأبحاث‭ ‬والدراسات،‭ ‬فقررت‭ ‬دراسة‭ ‬أعمالها‭ ‬التوثيقية‭.‬

قسمت‭ ‬محتوى‭ ‬الكتاب‭ ‬إلى‭ ‬مقدمة‭ ‬وأربعة‭ ‬فصول،‭ ‬تناولت‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬حياة‭ ‬الباحثة‭ ‬فاطمة‭ ‬بوهراكة‭ ‬ونشأتها‭ ‬العلمية،‭ ‬وقاربت‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬مسألة‭ ‬التوثيق‭ ‬الشعري‭ ‬ومنهجه‭ ‬عند‭ ‬الباحثة‭ ‬فاطمة‭ ‬بوهراكة،‭ ‬ودرست‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث‭ ‬منجز‭ ‬الباحثة‭ ‬فاطمة‭ ‬بوهراكة‭ ‬في‭ ‬التوثيق‭ ‬الشعري‭ ‬الموسوعي‭ ‬دراسة‭ ‬بيبليوغرافية،‭ ‬وخصصت‭ ‬الفصل‭ ‬الرابع‭ ‬لبيان‭ ‬صورتها‭ ‬كباحثة‭ ‬موثقة‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬الشعراء‭ ‬والأدباء‭ ‬والكتّاب‭ ‬والنقاد،‭ ‬وذيلت‭ ‬الكتاب‭ ‬بخاتمة‭ ‬لخصت‭ ‬أهم‭ ‬مضامينه‭.‬

لا‭ ‬يسعني‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أشكر‭ ‬الباحثة‭ ‬الموثقة‭ ‬فاطمة‭ ‬بوهراكة‭ ‬على‭ ‬صبرها‭ ‬وتحملها‭ ‬وسعة‭ ‬صدرها‭ ‬في‭ ‬الإجابة‭ ‬على‭ ‬تساؤلاتي‭ ‬واستفساراتي،‭ ‬كما‭ ‬أشكر‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬قدم‭ ‬لي‭ ‬مشورة‭ ‬أو‭ ‬معلومة،‭ ‬وأخص‭ ‬بالذكر‭ ‬سعادة‭ ‬الدكتور‭ ‬منذر‭ ‬عياشي‭ ‬من‭ ‬سوريا،‭ ‬وسعادة‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬الصعفاني‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬صنعاء‭ - ‬اليمن،‭ ‬وسعادة‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬بودرع‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬عبد‭ ‬المالك‭ ‬السعدي‭ - ‬المغرب‭.‬

 

رئيس‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية

كلية‭ ‬التربية‭ ‬زنجب‭ - ‬المغرب

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا