العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

العودة إلى الجريمة.. تستحق المعالجة

كشف‭ ‬بيان‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭: (‬أن‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬المقبوض‭ ‬عليهم،‭ ‬إثر‭ ‬مشاركتهم‭ ‬في‭ ‬مسيرات‭ ‬شغب‭ ‬مخالفة‭ ‬للقانون‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬استفادوا‭ ‬من‭ ‬العفو‭ ‬الملكي‭ ‬السامي‭ ‬بالإفراج‭ ‬عنهم،‭ ‬بعد‭ ‬محاكمتهم‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬جنائية‭ ‬مختلفة،‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬عادوا‭ ‬لارتكاب‭ ‬الجرائم،‭ ‬ولم‭ ‬يستغلوا‭ ‬هذه‭ ‬الفرصة‭ ‬الكبيرة،‭ ‬ليكونوا‭ ‬أفرادًا‭ ‬صالحين‭ ‬في‭ ‬مجتمعهم‭).‬

إذا‭.. ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬مسألة‭ ‬مهمة‭ ‬جدا،‭ ‬تسمى‭ ‬‮«‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الجريمة‮»‬،‭ ‬وهذه‭ ‬ليست‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬نشهد‭ ‬فيها‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭.. ‬ليس‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬العنف‭ ‬فحسب،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬المخدرات‭ ‬والسرقة‭ ‬والاختلاس‭ ‬وغيرها،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬يعنينا‭ ‬هنا‭ ‬هي‭ ‬جريمة‭ ‬العنف‭ ‬تحديدا‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأقل‭ ‬عالميا‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الجريمة،‭ ‬بواقع‭ ‬2‭.‬5%‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬عدد‭ ‬المستفيدين‭ ‬من‭ ‬برنامج‭ ‬العقوبات‭ ‬البديلة‭ ‬والسجون‭ ‬المفتوحة‭.. ‬ولكن‭ ‬ثمة‭ ‬أشخاص‭ ‬لا‭ ‬تفيد‭ ‬معهم‭ ‬كل‭ ‬الوسائل‭ ‬والبرامج‭ ‬والمبادرات،‭ ‬ويصرون‭ ‬إصرارا‭ ‬كبيرا‭ ‬على‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الجريمة‭ ‬والعنف،‭ ‬وتحدي‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع،‭ ‬والضرب‭ ‬بعرض‭ ‬الحائط‭ ‬بكل‭ ‬قيم‭ ‬ومبادئ‭ ‬التسامح،‭ ‬ورفض‭ ‬الفرص‭ ‬المتتالية‭ ‬للعودة‭ ‬الإيجابية‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭.‬

في‭ ‬دراسة‭ ‬بحثية‭ ‬علمية‭ ‬لأحد‭ ‬أعضاء‭ ‬هيئة‭ ‬التدريس‭ ‬بكلية‭ ‬الملك‭ ‬فهد‭ ‬الأمنية،‭ ‬بعنوان‭: (‬ظاهرة‭ ‬العودة‭ ‬في‭ ‬الجريمة‭ ‬أسبابها‭ ‬وآثارها‭ ‬وعلاجها‭)‬،‭ ‬استعرض‭ ‬الباحث‭ ‬الأسباب‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية،‭ ‬لافتاً‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬مراجعة‭ ‬دقيقة‭ ‬للأسباب‭ ‬المرتبطة‭ ‬بعقوبة‭ ‬العائد‭ ‬في‭ ‬الجريمة،‭ ‬والنظر‭ ‬بكل‭ ‬دقة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأسباب‭ ‬المؤدية‭ ‬إلى‭ ‬عودة‭ ‬المجرم‭ ‬إلى‭ ‬الجريمة‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭.‬

وقال‭ ‬الباحث‭: ‬إن‭ ‬ضعف‭ ‬العقوبة‭ ‬مؤشر‭ ‬قوي‭ ‬كسبب‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬الجريمة؛‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬الرادع‭ ‬والزاجر؛‭ ‬ولذلك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬العقوبة‭ ‬قوية‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يحقق‭ ‬الردع‭ ‬والزجر،‭ ‬ويمنع‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬في‭ ‬الجريمة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬قبول‭ ‬الرجوع‭ ‬عن‭ ‬الإقرار‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ضوابط،‭ ‬وقبل‭ ‬تنفيذ‭ ‬العقوبة،‭ ‬يمثل‭ ‬مكافأة‭ ‬للمجرم‭ ‬تدفعه‭ ‬الى‭ ‬معاودة‭ ‬جريمته‭ ‬عدة‭ ‬مرات،‭ ‬ولهذا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تقييد‭ ‬قبول‭ ‬الرجوع‭ ‬عن‭ ‬الإقرار‭ ‬بضوابط،‭ ‬تنتفي‭ ‬معها‭ ‬الحيل‭ ‬كافة،‭ ‬للإفلات‭ ‬من‭ ‬العقوبة،‭ ‬وحصر‭ ‬الرجوع‭ ‬عن‭ ‬الإقرار‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬ضيقة‭ ‬جداً،‭ ‬وبأسباب‭ ‬مقبولة‭ ‬شرعًا،‭ ‬ومتناسبة‭ ‬مع‭ ‬تحقيق‭ ‬الغرض‭ ‬من‭ ‬العقوبة‭.‬

وانتهى‭ ‬الباحث‭ ‬إلى‭ ‬القول‭: ‬إن‭ ‬أسباب‭ ‬تخفيف‭ ‬عقوبة‭ ‬السجن‭ ‬تمثل‭ ‬باباً‭ ‬واسعاً‭ ‬يستفيد‭ ‬منه‭ ‬المجرم‭ ‬بالإفلات‭ ‬من‭ ‬العقوبة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يندفع‭ ‬الى‭ ‬معاودة‭ ‬الجريمة‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭ ‬وأكثر،‭ ‬ولذا‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬دراسة‭ ‬أسباب‭ ‬تخفيف‭ ‬عقوبة‭ ‬السجن،‭ ‬ووضع‭ ‬ضوابط‭ ‬دقيقة‭ ‬لها،‭ ‬مصدرها‭ ‬القاضي‭ ‬الذي‭ ‬يقرر‭ ‬أحقية‭ ‬السجين‭ ‬من‭ ‬عدمها‭ ‬في‭ ‬تخفيف‭ ‬عقوبته‭.‬

وبناء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سبق‭.. ‬فيمكننا‭ ‬القول‭: ‬إن‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬الجريمة،‭ ‬‮«‬العنف‭ ‬تحديدا‮»‬،‭ ‬فإنه‭ ‬يتصور‭ ‬أن‭ ‬قيم‭ ‬التسامح،‭ ‬والحديث‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان،‭ ‬وبرامج‭ ‬إعادة‭ ‬التأهيل،‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬‮«‬خطب‮»‬‭ ‬هنا،‭ ‬وبيانات‭ ‬هناك،‭ ‬سوف‭ ‬تدفع‭ ‬المجتمع‭ ‬الى‭ ‬التسامح‭ ‬معه،‭ ‬مهما‭ ‬كرر‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬العنف،‭ ‬ومهما‭ ‬أساء‭ ‬الى‭ ‬المجتمع‭ ‬وأضر‭ ‬به‭.. ‬وهذا‭ ‬‮«‬رهان‮»‬‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتأكد‭ ‬عدم‭ ‬جدواه‭ ‬وصوابه‭ ‬لدى‭ ‬هؤلاء،‭ ‬لأنهم‭ ‬يلعبون‭ ‬على‭ ‬وتر‭ ‬‮«‬الإنسانية‭ ‬والقيم‭ ‬الحضارية‮»‬‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬‮«‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الجريمة‮»‬،‭ ‬لن‭ ‬تعطل‭ ‬قطار‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتطوير،‭ ‬ولن‭ ‬تهدد‭ ‬سيادة‭ ‬دولة‭ ‬القانون‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬ولن‭ ‬توقف‭ ‬مواصلة‭ ‬البرامج‭ ‬التأهيلية‭.. ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬الصحيح‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬تتم‭ ‬دراسة‭ ‬تلك‭ ‬الحالات،‭ ‬فهناك‭ ‬دول‭ ‬عديدة‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬‮«‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الجريمة‮»‬‭ ‬وفق‭ ‬منهجية‭ ‬قانونية‭ ‬صارمة،‭ ‬وإن‭ ‬لزم‭ ‬الأمر‭.. ‬تشديد‭ ‬العقوبات،‭ ‬وتعديل‭ ‬القوانين‭ ‬والتشريعات‭.. ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الأمن‭ ‬المستدام‭ ‬في‭ ‬الأوطان،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬الغاية‭ ‬المنشودة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬البرامج‭ ‬والمبادرات‭. ‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا