الرأي الثالث
محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
العودة إلى الجريمة.. تستحق المعالجة
كشف بيان وزارة الداخلية: (أن عددًا من المقبوض عليهم، إثر مشاركتهم في مسيرات شغب مخالفة للقانون في الفترة الأخيرة، كانوا قد استفادوا من العفو الملكي السامي بالإفراج عنهم، بعد محاكمتهم في قضايا جنائية مختلفة، إلا أنهم عادوا لارتكاب الجرائم، ولم يستغلوا هذه الفرصة الكبيرة، ليكونوا أفرادًا صالحين في مجتمعهم).
إذا.. نحن أمام مسألة مهمة جدا، تسمى «العودة إلى الجريمة»، وهذه ليست المرة الأولى التي نشهد فيها مثل هذه القضية.. ليس في جرائم العنف فحسب، ولكن في جرائم أخرى مثل المخدرات والسرقة والاختلاس وغيرها، ولكن ما يعنينا هنا هي جريمة العنف تحديدا.
صحيح أن مملكة البحرين من الدول الأقل عالميا في نسبة العودة إلى الجريمة، بواقع 2.5% من إجمالي عدد المستفيدين من برنامج العقوبات البديلة والسجون المفتوحة.. ولكن ثمة أشخاص لا تفيد معهم كل الوسائل والبرامج والمبادرات، ويصرون إصرارا كبيرا على العودة إلى الجريمة والعنف، وتحدي الدولة والمجتمع، والضرب بعرض الحائط بكل قيم ومبادئ التسامح، ورفض الفرص المتتالية للعودة الإيجابية إلى المجتمع.
في دراسة بحثية علمية لأحد أعضاء هيئة التدريس بكلية الملك فهد الأمنية، بعنوان: (ظاهرة العودة في الجريمة أسبابها وآثارها وعلاجها)، استعرض الباحث الأسباب الداخلية والخارجية، لافتاً إلى أهمية مراجعة دقيقة للأسباب المرتبطة بعقوبة العائد في الجريمة، والنظر بكل دقة في تلك الأسباب المؤدية إلى عودة المجرم إلى الجريمة مرة ثانية.
وقال الباحث: إن ضعف العقوبة مؤشر قوي كسبب للعودة إلى الجريمة؛ لعدم وجود الرادع والزاجر؛ ولذلك يجب أن تكون العقوبة قوية بقدر ما يحقق الردع والزجر، ويمنع من العودة في الجريمة، كما أن قبول الرجوع عن الإقرار من دون ضوابط، وقبل تنفيذ العقوبة، يمثل مكافأة للمجرم تدفعه الى معاودة جريمته عدة مرات، ولهذا لابد من تقييد قبول الرجوع عن الإقرار بضوابط، تنتفي معها الحيل كافة، للإفلات من العقوبة، وحصر الرجوع عن الإقرار في دائرة ضيقة جداً، وبأسباب مقبولة شرعًا، ومتناسبة مع تحقيق الغرض من العقوبة.
وانتهى الباحث إلى القول: إن أسباب تخفيف عقوبة السجن تمثل باباً واسعاً يستفيد منه المجرم بالإفلات من العقوبة، وبالتالي يندفع الى معاودة الجريمة مرة ثانية وأكثر، ولذا فإنه لا بد من دراسة أسباب تخفيف عقوبة السجن، ووضع ضوابط دقيقة لها، مصدرها القاضي الذي يقرر أحقية السجين من عدمها في تخفيف عقوبته.
وبناء على ما سبق.. فيمكننا القول: إن من قام بالعودة إلى الجريمة، «العنف تحديدا»، فإنه يتصور أن قيم التسامح، والحديث عن حقوق الانسان، وبرامج إعادة التأهيل، مع بعض «خطب» هنا، وبيانات هناك، سوف تدفع المجتمع الى التسامح معه، مهما كرر من جرائم العنف، ومهما أساء الى المجتمع وأضر به.. وهذا «رهان» يجب أن يتأكد عدم جدواه وصوابه لدى هؤلاء، لأنهم يلعبون على وتر «الإنسانية والقيم الحضارية» في المجتمع.
صحيح أن «العودة إلى الجريمة»، لن تعطل قطار الإصلاح والتطوير، ولن تهدد سيادة دولة القانون والمؤسسات، ولن توقف مواصلة البرامج التأهيلية.. ولكن من الصحيح كذلك أن تتم دراسة تلك الحالات، فهناك دول عديدة تتعامل مع «العودة إلى الجريمة» وفق منهجية قانونية صارمة، وإن لزم الأمر.. تشديد العقوبات، وتعديل القوانين والتشريعات.. من أجل الأمن المستدام في الأوطان، ومن أجل تحقيق الغاية المنشودة من كل البرامج والمبادرات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك