العدد : ١٧١٩٠ - الأربعاء ١٦ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٩٠ - الأربعاء ١٦ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ شوّال ١٤٤٦هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

من حرب «النجوم».. إلى حرب «الرسوم»

لا‭ ‬تزال‭ ‬أصداء‭ ‬وتداعيات‭ ‬قرار‭ ‬زيادة‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬الأمريكية‭.. ‬تزداد‭ ‬وترتفع،‭ ‬وذات‭ ‬تأثير‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬جميعا‭ ‬بلا‭ ‬استثناء‭.. ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬‮«‬تدعي‮»‬‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تتأثر‭ ‬كثيرا،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الأرقام‭ ‬والحقائق‭ ‬وأسهم‭ ‬البورصة‭ ‬تكشف‭ ‬الخسائر‭ ‬الكبيرة‭.‬

يحاول‭ ‬بعض‭ ‬أهل‭ ‬الاختصاص‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العربي‭ ‬والخليجي‭ ‬أن‭ ‬يخففوا‭ ‬في‭ ‬تصريحاتهم‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭.. ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬في‭ ‬الطرح‭ ‬يفتقد‭ ‬مصداقية‭ ‬المحلل‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬ولا‭ ‬نتمنى‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬الاختصاص‭ ‬أن‭ ‬يقعوا‭ ‬فيه‭.. ‬الناس‭ ‬تقرأ‭ ‬وتتابع،‭ ‬وتصريحاكم‭ ‬تناقض‭ ‬الواقع‭ ‬والأرقام‭.. ‬والسياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬يهمها‭ ‬اقتصادها‭ ‬ومصالحها‭ ‬فقط‭.‬

يقول‭ ‬الدكتور‭ ‬سامي‭ ‬العدواني‭: ‬تُعدّ‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬العالمية،‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬تحولات‭ ‬استراتيجية‭ ‬عميقة‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬العقود‭.. ‬ففي‭ ‬عقد‭ ‬الثمانينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تكتب‭ ‬فصلا‭ ‬جديدًا‭ ‬في‭ ‬سردية‭ ‬الهيمنة‭ ‬العالمية،‭ ‬حين‭ ‬أطلق‭ ‬الرئيس‭ ‬رونالد‭ ‬ريغان‭ ‬مبادرته‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الطموحة‭ ‬التي‭ ‬عُرفت‭ ‬بـ«حرب‭ ‬النجوم‮»‬‭. ‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬المبادرة‭ ‬مجرّد‭ ‬درع‭ ‬دفاعي‭ ‬فضائي،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬تعبيرا‭ ‬صريحا‭ ‬عن‭ ‬عقلية‭ ‬استشرافية،‭ ‬تتطلّع‭ ‬إلى‭ ‬تأمين‭ ‬التفوق‭ ‬الأمريكي‭ ‬لعقود‭ ‬عدة،‭ ‬عبر‭ ‬تسخير‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬والفضاء،‭ ‬وعلوم‭ ‬المستقبل‭ ‬لصالح‭ ‬منظومة‭ ‬أمن‭ ‬قومي‭ ‬مستدام،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬انتهت‭ ‬إليه‭ ‬لاحقاً‭ ‬إبان‭ ‬هيمنة‭ ‬القطبية‭ ‬الواحدة‭.. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬الاستدامة،‭ ‬آنذاك،‭ ‬شعارا‭ ‬بيئيا‭ ‬أو‭ ‬اقتصاديا،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬روحا‭ ‬تملي‭ ‬على‭ ‬السياسة‭ ‬أن‭ ‬تُخطّط‭ ‬لعقود‭ ‬لا‭ ‬لسنة‭ ‬مالية‭ ‬واحدة‭. ‬

وحين‭ ‬يُقارن‭ ‬هذا‭ ‬الأفق‭ ‬الرحب‭ ‬بالتحوّلات‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬يبدو‭ ‬التراجع‭ ‬حادا،‭ ‬بل‭ ‬فادحا‭. ‬فمن‭ ‬حربٍ‭ ‬تُخاض‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬تُخاض‭ ‬في‭ ‬الجمارك،‭ ‬انتقلت‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬الكونية‭ ‬إلى‭ ‬خطاب‭ ‬الحمائية،‭ ‬ومن‭ ‬سباق‭ ‬الهيمنة‭ ‬إلى‭ ‬سباق‭ ‬فرض‭ ‬الرسوم،‭ ‬ومن‭ ‬الحلم‭ ‬الكبير‭ ‬إلى‭ ‬المعادلات‭ ‬الصفرية‭!‬

إن‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تبنّاها‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬سلاحا‭ ‬اقتصاديا،‭ ‬بل‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬تآكل‭ ‬فلسفة‭ ‬الاستدامة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬نفسها‭. ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬الهدف‭ ‬صيانة‭ ‬موقع‭ ‬أمريكا‭ ‬لعقود‭ ‬مقبلة،‭ ‬بل‭ ‬كسب‭ ‬نقاط‭ ‬سريعة‭ ‬في‭ ‬ميزان‭ ‬التجارة،‭ ‬لقد‭ ‬تحوّلت‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬مهندس‭ ‬للنظام‭ ‬العالمي‭ ‬إلى‭ ‬تاجر‭ ‬قلق‭ ‬يُقلب‭ ‬دفاتر‭ ‬العجز‭ ‬والفائض‭! ‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬إمبراطوري‭ ‬طويل‭ ‬المدى‭ ‬إلى‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬قصيرة‭ ‬النظر‭ ‬يُضعف‭ ‬من‭ ‬استدامة‭ ‬الدور‭ ‬الأمريكي،‭ ‬ويربك‭ ‬ثقة‭ ‬الحلفاء،‭ ‬ويفتح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬قوى‭ ‬جديدة‭ ‬تمتلك‭ ‬استراتيجيات‭ ‬أكثر‭ ‬رسوخا‭ ‬واستدامة،‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬التحول‭ ‬من‭ ‬أحادية‭ ‬القطبية‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب،‭ ‬وإن‭ ‬بدت‭ ‬أبطأ‭ ‬حركة‭. ‬بين‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬النجوم‮»‬‭ ‬التي‭ ‬سعت‭ ‬لاستدامة‭ ‬التفوق،‭ ‬و«حرب‭ ‬الرسوم‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تُدار‭ ‬بمنطق‭ ‬الربح‭ ‬الفوري،‭ ‬يمكن‭ ‬قراءة‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬أمة‭ ‬تُفكر‭ ‬كقوة‭ ‬عظمى،‭ ‬وأمة‭ ‬تُفكر‭ ‬كقوة‭ ‬قلقة‭. ‬وبين‭ ‬التفكير‭ ‬للمستقبل،‭ ‬والتفكير‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬المقبلة،‭ ‬تنهار‭ ‬جسور‭ ‬الاستدامة‭.‬

وهنا‭ ‬يصبح‭ ‬سؤال‭ ‬الاستدامة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬شعار‭ ‬تنموي،‭ ‬ليغدو‭ ‬مقياسا‭ ‬لرشد‭ ‬الدولة،‭ ‬ولبوصلة‭ ‬تماسكها‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬مضطرب‭.‬

وهنا‭ ‬لنا‭ ‬سؤال‭: ‬متى‭ ‬ستتوقف‭ ‬حرب‭ ‬الرسوم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يغرق‭ ‬العالم؟

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا