الرأي الثالث

محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
من حرب «النجوم».. إلى حرب «الرسوم»
لا تزال أصداء وتداعيات قرار زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية.. تزداد وترتفع، وذات تأثير على الدول جميعا بلا استثناء.. ولا تزال العديد من الدول العربية «تدعي» أنها لن تتأثر كثيرا، على الرغم من أن الأرقام والحقائق وأسهم البورصة تكشف الخسائر الكبيرة.
يحاول بعض أهل الاختصاص في الاقتصاد العربي والخليجي أن يخففوا في تصريحاتهم من آثار الرسوم الجمركية.. هذا الأسلوب في الطرح يفتقد مصداقية المحلل الاقتصادي، ولا نتمنى على أهل الاختصاص أن يقعوا فيه.. الناس تقرأ وتتابع، وتصريحاكم تناقض الواقع والأرقام.. والسياسة الأمريكية يهمها اقتصادها ومصالحها فقط.
يقول الدكتور سامي العدواني: تُعدّ الولايات المتحدة من القوى العالمية، التي شهدت تحولات استراتيجية عميقة على مر العقود.. ففي عقد الثمانينات من القرن الماضي، كانت الولايات المتحدة تكتب فصلا جديدًا في سردية الهيمنة العالمية، حين أطلق الرئيس رونالد ريغان مبادرته الاستراتيجية الطموحة التي عُرفت بـ«حرب النجوم».
لم تكن المبادرة مجرّد درع دفاعي فضائي، بل كانت تعبيرا صريحا عن عقلية استشرافية، تتطلّع إلى تأمين التفوق الأمريكي لعقود عدة، عبر تسخير التكنولوجيا، والفضاء، وعلوم المستقبل لصالح منظومة أمن قومي مستدام، وهو ما انتهت إليه لاحقاً إبان هيمنة القطبية الواحدة.. ولم تكن الاستدامة، آنذاك، شعارا بيئيا أو اقتصاديا، بل كانت روحا تملي على السياسة أن تُخطّط لعقود لا لسنة مالية واحدة.
وحين يُقارن هذا الأفق الرحب بالتحوّلات التي شهدتها الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب، يبدو التراجع حادا، بل فادحا. فمن حربٍ تُخاض في الفضاء إلى أخرى تُخاض في الجمارك، انتقلت أمريكا من خطاب الكونية إلى خطاب الحمائية، ومن سباق الهيمنة إلى سباق فرض الرسوم، ومن الحلم الكبير إلى المعادلات الصفرية!
إن «حرب الرسوم الجمركية» التي تبنّاها الرئيس ترامب ليست فقط سلاحا اقتصاديا، بل تكشف عن تآكل فلسفة الاستدامة الاستراتيجية نفسها. فلم يعد الهدف صيانة موقع أمريكا لعقود مقبلة، بل كسب نقاط سريعة في ميزان التجارة، لقد تحوّلت الدولة من مهندس للنظام العالمي إلى تاجر قلق يُقلب دفاتر العجز والفائض!
إن هذا التحول من مشروع إمبراطوري طويل المدى إلى ردود فعل قصيرة النظر يُضعف من استدامة الدور الأمريكي، ويربك ثقة الحلفاء، ويفتح المجال أمام قوى جديدة تمتلك استراتيجيات أكثر رسوخا واستدامة، في طريق التحول من أحادية القطبية إلى عالم متعدد الأقطاب، وإن بدت أبطأ حركة. بين «حرب النجوم» التي سعت لاستدامة التفوق، و«حرب الرسوم» التي تُدار بمنطق الربح الفوري، يمكن قراءة الفارق بين أمة تُفكر كقوة عظمى، وأمة تُفكر كقوة قلقة. وبين التفكير للمستقبل، والتفكير في الانتخابات المقبلة، تنهار جسور الاستدامة.
وهنا يصبح سؤال الاستدامة أكثر من مجرد شعار تنموي، ليغدو مقياسا لرشد الدولة، ولبوصلة تماسكها في عالم مضطرب.
وهنا لنا سؤال: متى ستتوقف حرب الرسوم قبل أن يغرق العالم؟
إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك