العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

الكلمة حين تقتل

محاولة‭ ‬اغتيال‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬فجرت‭ ‬قضايا‭ ‬كثيرة‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭. ‬كثير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬لا‭ ‬تهم‭ ‬أمريكا‭ ‬فقط‭ ‬وإنما‭ ‬تهم‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.‬

محاولة‭ ‬الاغتيال‭ ‬فجرت‭ ‬قضايا‭ ‬مثل،‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬سوف‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬انتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وموقف‭ ‬المرشحين‭ ‬بايدن‭ ‬وترامب،‭ ‬وقضية‭ ‬كفاءة‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬وقضية‭ ‬العنف‭ ‬وامتلاك‭ ‬السلاح‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭.. ‬وهكذا‭.‬

من‭ ‬أهم‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬أثارتها‭ ‬محاولة‭ ‬الاغتيال‭ ‬تتعلق‭ ‬بهذا‭ ‬السؤال‭: ‬من‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المحاولة؟

كثيرون‭ ‬من‭ ‬قيادات‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهوري‭ ‬اتهموا‭ ‬مباشرة‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬وأركان‭ ‬إدارته‭ ‬وحملته‭ ‬الانتخابية‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬عن‭ ‬محاولة‭ ‬الاغتيال‭. ‬اعتبروا‭ ‬أن‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬تبناه‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ترامب‭ ‬مسؤول‭ ‬مباشرة‭ ‬عن‭ ‬التحريض‭ ‬على‭ ‬استهدافه‭ ‬عموما‭ ‬وعن‭ ‬محاولة‭ ‬الاغتيال‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭.‬

يقصدون‭ ‬هنا‭ ‬ما‭ ‬ظل‭ ‬يردده‭ ‬بايدن‭ ‬والديمقراطيون‭ ‬عموما‭ ‬في‭ ‬حملتهم‭ ‬عن‭ ‬ترامب‭ ‬بأنه‭ ‬فاشي‭ ‬واستبدادي،‭ ‬وأنه‭ ‬يشكل‭ ‬تهديدا‭ ‬للديمقراطية‭ ‬وللأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأمريكي،‭ ‬ويمثل‭ ‬خطرا‭ ‬يجب‭ ‬إزاحته‭.. ‬وهكذا‭.‬

بعد‭ ‬محاولة‭ ‬الاغتيال‭ ‬اعترف‭ ‬بايدن‭ ‬نفسه‭ ‬بخطأ‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬أخطأ‭ ‬حين‭ ‬صرح‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬اللقاءات‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬يجب‭ ‬وضع‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬مرمى‭ ‬الهدف‮»‬‭.‬

ما‭ ‬يقوله‭ ‬الجمهوريون‭ ‬بهذا‭ ‬الصدد‭ ‬صحيح‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬بالطبع،‭ ‬بايدن‭ ‬وأركان‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬حين‭ ‬يرددون‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬عن‭ ‬ترامب‭ ‬لا‭ ‬يقصدون‭ ‬أبدا‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬استهدافه‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬قتله‭.‬

لكن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬العدواني‭ ‬تجاه‭ ‬ترامب‭ ‬خلق‭ ‬مناخا‭ ‬عاما‭ ‬يشجع‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬ويعطي‭ ‬له‭ ‬شرعية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ترامب‭. ‬بعبارة‭ ‬أدق،‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬تأجيج‭ ‬نوازع‭ ‬العنف‭ ‬الموجودة‭ ‬فعلا‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭.‬

الديمقراطيون‭ ‬يعلمون،‭ ‬كما‭ ‬يعلم‭ ‬الكل‭ ‬أن‭ ‬العنف‭ ‬أصبح‭ ‬ظاهرة‭ ‬متأصلة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وأن‭ ‬الانقسام‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والسياسي‭ ‬بلغ‭ ‬حدا‭ ‬شديد‭ ‬الخطورة‭. ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬لا‭ ‬يستهان‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬الأمريكيين‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬بأسا‭ ‬في‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭ ‬خدمة‭ ‬لأهداف‭ ‬سياسية‭ ‬يؤمنون‭ ‬بها‭.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬المناخ،‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬والإعلامي‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬جهة‭ ‬سواء‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬أو‭ ‬الجمهوريين‭ ‬الذي‭ ‬يؤججه‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬نتائج‭ ‬خطيرة‭.‬

الأمر‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الشاب‭ ‬الذي‭ ‬أطلق‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬ترامب‭ ‬فعل‭ ‬هذا‭ ‬متأثرا‭ ‬بهذا‭ ‬المناخ‭ ‬العام‭ ‬وبهذا‭ ‬الخطاب‭ ‬التحريضي‭ ‬ضد‭ ‬ترامب‭. ‬هذا‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬تأثير‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬ككل‭ ‬وتأجيج‭ ‬نوازع‭ ‬العنف‭ ‬فيه‭.‬

من‭ ‬الأمور‭ ‬الجيدة‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬صدمة‭ ‬محاولة‭ ‬اغتيال‭ ‬ترامب،‭ ‬أدرك‭ ‬كثيرون‭ ‬الخطورة‭ ‬الشديدة‭ ‬والنتائج‭ ‬الكارثية‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬يحرض‭ ‬على‭ ‬العنف‭. ‬وسارع‭ ‬الديمقراطيون‭ ‬والجمهوريون‭ ‬إلى‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الوحدة‭ ‬وإلى‭ ‬نبذ‭ ‬العنف‭.. ‬ومن‭ ‬الأمور‭ ‬الملفتة‭ ‬مثلا‭ ‬أنه‭ ‬فور‭ ‬وقوع‭ ‬محاولة‭ ‬الاغتيال،‭ ‬فإن‭ ‬الجمهور‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬حاضرا‭ ‬في‭ ‬الحشد‭ ‬لم‭ ‬يهتف‭ ‬باسم‭ ‬ترامب‭ ‬ولا‭ ‬باسم‭ ‬الجمهوريين‭ ‬إنما‭ ‬هتف‭ ‬‮«‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‮»‬‭.‬

كل‭ ‬هذا‭ ‬جيد‭ ‬لكنه‭ ‬للأسف‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬أمريكا‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬وحده‭ ‬لمعالجة‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬العميقة‭ ‬من‭ ‬جذورها‭.‬

المهم‭ ‬الذي‭ ‬يعنينا‭ ‬ويعني‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬والمجتمعات‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬يلفت‭ ‬النظر‭ ‬بقوة‭ ‬إلى‭ ‬النتائج‭ ‬الخطيرة‭ ‬المدمرة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تترتب‭ ‬على‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬والإعلامي‭ ‬غير‭ ‬المسؤول‭ ‬أو‭ ‬المنفلت‭ ‬أو‭ ‬الذي‭ ‬يحرض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬أو‭ ‬الفتنة‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬خطاب‭ ‬أفراد‭ ‬أو‭ ‬قوى‭ ‬سياسية‭ ‬ومجتمعية‭.‬

هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقتل‭.. ‬الكلمة‭ ‬غير‭ ‬المسؤولة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقتل‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقتل‭ ‬ليس‭ ‬أفرادا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬مجتمعات‭ ‬بأسرها‭.‬

ينطبق‭ ‬هذا‭ ‬مثلا‭ ‬على‭ ‬الخطاب‭ ‬الطائفي‭ ‬الذي‭ ‬يكرس‭ ‬الكراهية‭ ‬أو‭ ‬يحرض‭ ‬على‭ ‬الفتنة‭ ‬والتطرف‭ ‬والعنف‭. ‬هذا‭ ‬خطاب‭ ‬قاتل‭ ‬للدول‭ ‬والمجتمعات‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا