العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

السودان.. أما لهذا الليل من آخر..؟؟

زرت‭ ‬السودان‭ ‬مرات‭ ‬كثيرة‭.. ‬كنت‭ ‬أعجب‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬الطيب،‭ ‬المثقف‭ ‬والمتواضع،‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات،‭ ‬والتكيف‭ ‬مع‭ ‬الظروف،‭ ‬والخروج‭ ‬دائما‭ ‬بحلول‭ ‬ومشاريع‭ ‬استثنائية،‭ ‬بفضل‭ ‬العقول‭ ‬المستنيرة‭ ‬فيه‭.. ‬ولكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬اليوم‭ ‬أنهكت‭ ‬الأجساد‭.. ‬ونزعت‭ ‬الأرواح‭.. ‬وشوهت‭ ‬النفوس‭.. ‬وأثرت‭ ‬على‭ ‬العقول‭.‬

في‭ ‬السابق‭ ‬كنا‭ ‬نقرأ‭ ‬وندرس‭ ‬ونتلقى‭ ‬معلومة‭ ‬جميلة،‭ ‬بأن‭ ‬جمهورية‭ ‬السودان‭ ‬هي‭: ‬‮«‬السلة‭ ‬الغذائية‭ ‬للوطن‭ ‬العربي‮»‬‭.. ‬لما‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬ثروة‭ ‬نباتية‭ ‬وغذائية‭ ‬وحيوانية‭ ‬كبيرة‭ ‬جدا‭.. ‬ولكن‭ ‬ومع‭ ‬استمرار‭ ‬النزاعات‭ ‬والخلافات،‭ ‬والحروب‭ ‬والصراعات،‭ ‬تحولت‭ ‬الأوضاع‭ ‬كثيرا‭.. ‬لقد‭ ‬أصبحت‭ ‬تلك‭ ‬السلة‭ ‬مهملة‭.. ‬وأمست‭ ‬مكانها‭ ‬مخلفات‭ ‬الحروب‭ ‬والحرائق‭.. ‬ولسان‭ ‬الحال‭ ‬يردد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السودان‭: ‬أما‭ ‬لهذا‭ ‬الليل‭ ‬من‭ ‬آخر‭..‬؟

وبالأمس‭ ‬كتب‭ ‬الأستاذ‭ ‬‮«‬عبداللطيف‭ ‬المناوي‮»‬،‭ ‬مقالا‭ ‬عن‭ ‬السودان‭.. ‬أكد‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬جرح‭ ‬السودان‭ ‬مازال‭ ‬ينزف،‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬نشعر‭ ‬به،‭ ‬بسبب‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ورغم‭ ‬سقوط‭ ‬آلاف‭ ‬الشهداء‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يسقط‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬السودان‭ ‬هو‭ ‬الدولة‭ ‬ذاتها،‭ ‬وليس‭ ‬أفرادها‭.. ‬دولة‭ ‬السودان‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬عانت‭ ‬من‭ ‬الانقسام‭ ‬طوال‭ ‬عمرها‭.. ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذى‭ ‬جعل‭ ‬الجنوب‭ ‬فيه‭ ‬ينفصل‭ ‬عن‭ ‬الشمال‭.. ‬ثم‭ ‬شهدت‭ ‬الساحة‭ ‬السودانية‭ ‬انقسامات‭ ‬حادة،‭ ‬أسهمت‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬الجيش‭ ‬السوداني‭ ‬وقوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭.‬

استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬جعل‭ ‬وحدة‭ ‬الدولة‭ ‬حلمًا‭ ‬صعب‭ ‬المنال،‭ ‬فالانقسامات‭ ‬السياسية‭ ‬العميقة‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تشكيل‭ ‬معسكرات‭ ‬متناحرة‭ ‬تدعم‭ ‬أطراف‭ ‬الحرب‭ ‬المختلفة،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الخلافات‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬والدينية‭ ‬عمقت‭ ‬الفجوة‭ ‬أكثر‭ ‬وأكثر‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬القوى،‭ ‬وعرقلت‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬جهود‭ ‬التوحيد،‭ ‬وعقّدت‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭.. ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مؤتمر‭ ‬للقوى‭ ‬السودانية‭ ‬أستبشر‭ ‬خيرًا،‭ ‬وأُحدث‭ ‬نفسي‭ ‬بأن‭ ‬يوم‭ ‬الوحدة‭ ‬وإنهاء‭ ‬القتال‭ ‬قد‭ ‬اقترب،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬الجميع‭ ‬إلى‭ ‬بيوتهم‭ ‬يتسلل‭ ‬اليأس‭.. ‬فالأمر‭ ‬معقد‭ ‬جدًا،‭ ‬والتركيبة‭ ‬السودانية‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدًا‭ ‬مما‭ ‬ينبغي‭.‬

لا‭ ‬يسعني‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أقدم‭ ‬النصيحة‭ ‬لعل‭ ‬أحدهم‭ ‬يسمع،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬السعي‭ ‬نحو‭ ‬السلام‭ ‬ورفض‭ ‬الحرب،‭ ‬يمثلان‭ ‬أهدافًا‭ ‬مشتركة‭ ‬يمكن‭ ‬البناء‭ ‬عليها‭ ‬لجمع‭ ‬الفرقاء‭ ‬حول‭ ‬طاولة‭ ‬الحوار‭.. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الضغط‭ ‬الشعبي‭ ‬والدولي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬واستعادة‭ ‬المسار‭ ‬الديمقراطي‭ ‬يوفر‭ ‬دافعا‭ ‬قويا‭ ‬للقوى‭ ‬للعمل‭ ‬معًا‭.. ‬ولتحقيق‭ ‬التوحيد،‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬المدنية‭ ‬تبني‭ ‬استراتيجيات‭ ‬فعّالة‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬الوطنية‭ ‬المشتركة،‭ ‬ومنها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬الحوار‭ ‬الشامل‭ ‬الذي‭ ‬يشمل‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استثناء،‭ ‬ويعتمد‭ ‬على‭ ‬الشفافية‭ ‬والثقة‭ ‬المتبادلة،‭ ‬والاتفاق‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬وطنية‭ ‬أساسية،‭ ‬مثل‭ ‬سيادة‭ ‬البلاد‭ ‬ووحدتها،‭ ‬ووقف‭ ‬الحرب‭ ‬وجبر‭ ‬الضرر،‭ ‬وتطوير‭ ‬برامج‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬مشتركة،‭ ‬تستجيب‭ ‬لتطلعات‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني،‭ ‬وتحقق‭ ‬الاستقرار‭ ‬والتنمية‭.‬

ينبغي‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬أيضًا،‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تحديث‭ ‬برامجها‭ ‬وقياداتها‭ ‬لتواكب‭ ‬التحديات‭ ‬الراهنة‭ ‬والمستقبلية‭.. ‬ويتطلب‭ ‬ذلك‭ ‬اختيار‭ ‬قيادات‭ ‬شابة‭ ‬ومؤهلة،‭ ‬تتمتع‭ ‬برؤية‭ ‬واضحة‭ ‬وقدرة‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬الفعّال‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف،‭ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬تطوير‭ ‬البرامج‭ ‬السياسية‭ ‬لتكون‭ ‬شاملة‭ ‬ومستجيبة‭ ‬للاحتياجات‭ ‬الفعلية‭ ‬للمجتمع‭ ‬السوداني،‭ ‬وتعزز‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

يجب‭ ‬كذلك‭ ‬تبني‭ ‬نهج‭ ‬مدني‭ ‬وحضاري‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬التحديات‭ ‬الراهنة،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬العنف‭ ‬والتطرف،‭ ‬ويعتمد‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الحوار‭ ‬المستمر‭ ‬والتفاهم‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الأطراف،‭ ‬والعمل‭ ‬المشترك‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬الوطنية،‭ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬تعزيز‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬والإقليمي‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬اللازم،‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬والسلام‭ ‬في‭ ‬السودان‭.‬

بدون‭ ‬ذلك‭ ‬سنعاود‭ ‬السؤال‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬القادم‭: ‬متى‭ ‬يلتئم‭ ‬جرح‭ ‬السودان؟؟

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا