الرأي الثالث
محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
السودان.. أما لهذا الليل من آخر..؟؟
زرت السودان مرات كثيرة.. كنت أعجب من قدرة هذا الشعب الطيب، المثقف والمتواضع، على مواجهة التحديات، والتكيف مع الظروف، والخروج دائما بحلول ومشاريع استثنائية، بفضل العقول المستنيرة فيه.. ولكن يبدو أن الحرب الدائرة اليوم أنهكت الأجساد.. ونزعت الأرواح.. وشوهت النفوس.. وأثرت على العقول.
في السابق كنا نقرأ وندرس ونتلقى معلومة جميلة، بأن جمهورية السودان هي: «السلة الغذائية للوطن العربي».. لما تتمتع به من ثروة نباتية وغذائية وحيوانية كبيرة جدا.. ولكن ومع استمرار النزاعات والخلافات، والحروب والصراعات، تحولت الأوضاع كثيرا.. لقد أصبحت تلك السلة مهملة.. وأمست مكانها مخلفات الحروب والحرائق.. ولسان الحال يردد من أجل السودان: أما لهذا الليل من آخر..؟
وبالأمس كتب الأستاذ «عبداللطيف المناوي»، مقالا عن السودان.. أكد فيه أن جرح السودان مازال ينزف، ربما لا نشعر به، بسبب التركيز على الحرب في غزة، ورغم سقوط آلاف الشهداء في القطاع، إلا أن ما يسقط في حرب السودان هو الدولة ذاتها، وليس أفرادها.. دولة السودان كثيرًا ما عانت من الانقسام طوال عمرها.. إلى الحد الذى جعل الجنوب فيه ينفصل عن الشمال.. ثم شهدت الساحة السودانية انقسامات حادة، أسهمت بشكل مباشر في اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
استمرار الحرب جعل وحدة الدولة حلمًا صعب المنال، فالانقسامات السياسية العميقة بين القوى أدت إلى تشكيل معسكرات متناحرة تدعم أطراف الحرب المختلفة، فضلًا عن أن الخلافات الأيديولوجية والدينية عمقت الفجوة أكثر وأكثر بين هذه القوى، وعرقلت بشكل واضح جهود التوحيد، وعقّدت المشهد السياسي.. وفي كل مؤتمر للقوى السودانية أستبشر خيرًا، وأُحدث نفسي بأن يوم الوحدة وإنهاء القتال قد اقترب، ولكن بعد أن يذهب الجميع إلى بيوتهم يتسلل اليأس.. فالأمر معقد جدًا، والتركيبة السودانية ربما تكون أكثر تعقيدًا مما ينبغي.
لا يسعني في هذا المقام إلا أن أقدم النصيحة لعل أحدهم يسمع، حيث إن السعي نحو السلام ورفض الحرب، يمثلان أهدافًا مشتركة يمكن البناء عليها لجمع الفرقاء حول طاولة الحوار.. إضافة إلى أن الضغط الشعبي والدولي من أجل إنهاء الحرب واستعادة المسار الديمقراطي يوفر دافعا قويا للقوى للعمل معًا.. ولتحقيق التوحيد، يجب على القوى المدنية تبني استراتيجيات فعّالة تركز على المصالح الوطنية المشتركة، ومنها على سبيل المثال الحوار الشامل الذي يشمل جميع الأطراف من دون استثناء، ويعتمد على الشفافية والثقة المتبادلة، والاتفاق على مبادئ وطنية أساسية، مثل سيادة البلاد ووحدتها، ووقف الحرب وجبر الضرر، وتطوير برامج سياسية واقتصادية واجتماعية مشتركة، تستجيب لتطلعات الشعب السوداني، وتحقق الاستقرار والتنمية.
ينبغي على القوى أيضًا، العمل على تحديث برامجها وقياداتها لتواكب التحديات الراهنة والمستقبلية.. ويتطلب ذلك اختيار قيادات شابة ومؤهلة، تتمتع برؤية واضحة وقدرة على التواصل الفعّال مع جميع الأطراف، كما يجب تطوير البرامج السياسية لتكون شاملة ومستجيبة للاحتياجات الفعلية للمجتمع السوداني، وتعزز من قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
يجب كذلك تبني نهج مدني وحضاري في التعامل مع التحديات الراهنة، بعيدًا عن العنف والتطرف، ويعتمد ذلك على الحوار المستمر والتفاهم بين مختلف الأطراف، والعمل المشترك لتحقيق الأهداف الوطنية، كما يجب تعزيز التواصل مع المجتمع الدولي والإقليمي للحصول على الدعم اللازم، لتحقيق الاستقرار والسلام في السودان.
بدون ذلك سنعاود السؤال في العام القادم: متى يلتئم جرح السودان؟؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك