العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

غرائب المناظرة وأزمة أمريكا العميقة

حرصت‭ ‬على‭ ‬الانتظار‭ ‬حتى‭ ‬الفجر‭ ‬كي‭ ‬أتابع‭ ‬المناظرة‭ ‬بين‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬وترامب‭ ‬المرشحين‭ ‬لرئاسة‭ ‬أمريكا‭. ‬تابعت‭ ‬المناظرة‭ ‬بالكامل‭ ‬وبعد‭ ‬انتهائها‭ ‬تساءلت‭: ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تملكه‭ ‬أمريكا؟‭.. ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬فعلا‭ ‬هو‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬أمريكا؟‭.. ‬هل‭ ‬وصل‭ ‬الحال‭ ‬بأمريكا‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬التدني‭ ‬والانحطاط‭ ‬والتفاهة؟

العالم‭ ‬كله‭ ‬انتظر‭ ‬المناظرة‭ ‬وتابعها‭. ‬هذا‭ ‬أمر‭ ‬طبيعي‭. ‬هذه‭ ‬مناظرة‭ ‬بين‭ ‬اثنين‭ ‬واحد‭ ‬منهما‭ ‬سيكون‭ ‬رئيسا‭ ‬لأكبر‭ ‬وأقوى‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وتقول‭ ‬إنها‭ ‬أكبر‭ ‬ديمقراطية‭ ‬راسخة‭.. ‬دولة‭ ‬أيا‭ ‬كانت‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬حول‭ ‬مواقفها‭ ‬وسياساتها‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يستطيع‭ ‬تجاوز‭ ‬دورها‭ ‬الكبير‭ ‬الحاسم‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬العالمية‭.‬

الكل‭ ‬مهتم‭ ‬بأن‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬يفكر‭ ‬رئيسها‭ ‬القادم‭ ‬وأي‭ ‬سياسات‭ ‬سوف‭ ‬يتبع‭.‬

جاءت‭ ‬المناظرة‭ ‬لتنزل‭ ‬كالصاعقة‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬والعالم‭.‬

سلسلة‭ ‬من‭ ‬الغرائب‭ ‬والعجائب‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالمناظرة‭ ‬تستعصي‭ ‬لأول‭ ‬وهلة‭ ‬على‭ ‬الفهم‭.‬

حتى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬المناظرة‭ ‬كان‭ ‬الإجماع‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬المحللين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬والرأي‭ ‬العام‭ ‬أيضا‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬أساسا‭ ‬مناسبة‭ ‬لمعرفة‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬المرشحين،‭ ‬بايدن‭ ‬وترامب،‭ ‬صحته‭ ‬أفضل،‭ ‬وأكثر‭ ‬وعيا‭ ‬وإدراكا‭ ‬وتركيزا‭ ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬ذهنية‭ ‬وعقلية‭ ‬جيدة‭.‬

منطق‭ ‬عجيب‭ ‬جدا‭. ‬كأن‭ ‬المطلوب‭ ‬أساس‭ ‬من‭ ‬المرشح‭ ‬كي‭ ‬يكون‭ ‬صالحا‭ ‬لرئاسة‭ ‬أمريكا‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬صحته‭ ‬جيدة،‭ ‬وليس‭ ‬مهما‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أي‭ ‬استراتيجيات‭ ‬أو‭ ‬سياسات‭ ‬أو‭ ‬مواقف‭ ‬يتبناها‭ ‬إزاء‭ ‬القضايا‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭. ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬هكذا‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬يأتون‭ ‬بمصارع‭ ‬أو‭ ‬بطل‭ ‬لكمال‭ ‬الأجسام‭ ‬كي‭ ‬يكون‭ ‬رئيسا؟

العجيب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬أنه‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬المناظرة‭ ‬التي‭ ‬أجمع‭ ‬الكل‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬وصفها‭ ‬بـ«الكارثة‮»‬‭ ‬و«المهزلة‮»‬‭ ‬وما‭ ‬شابه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬ألفاظ‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬المنطق‭ ‬قائما‭. ‬الأغلبية‭ ‬اعتبروا‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬المناظرة‭ ‬فائزا‭ ‬بشكل‭ ‬ساحق‭ ‬على‭ ‬بايدن،‭ ‬وكثيرون‭ ‬قالوا‭ ‬إنهم‭ ‬سوف‭ ‬يصوتون‭ ‬له‭ ‬بعد‭ ‬المناظرة‭. ‬السبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬بدا‭ ‬في‭ ‬المناظرة‭ ‬أكثر‭ ‬حيوية‭ ‬وحضورا‭ ‬ولياقة‭ ‬من‭ ‬بايدن‭. ‬هذا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الكل‭ ‬وصف‭ ‬ترامب‭ ‬وما‭ ‬قاله‭ ‬في‭ ‬المناظرة‭ ‬بأنه‭ ‬كاذب‭ ‬ووقح‭ ‬ومراوغ‭ ‬وألفاظ‭ ‬كثيرة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭.‬

ومن‭ ‬غرائب‭ ‬المناظرة‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بعدها‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭.‬

بمجرد‭ ‬انتهاء‭ ‬المناظرة‭ ‬أجمع‭ ‬كثيرون‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬بمن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قادة‭ ‬ديمقراطيون‭ ‬والصحف‭ ‬الكبرى‭ ‬والمحللون‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬إزاحة‭ ‬بايدن‭ ‬وتقديم‭ ‬مرشح‭ ‬آخر‭ ‬للحزب‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ترامب‭. ‬هذا‭ ‬بالطبع‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬أظهره‭ ‬بايدن‭ ‬أثناء‭ ‬المناظرة‭ ‬من‭ ‬عجز‭ ‬وهزال‭ ‬وعدم‭ ‬تركيز‭ ‬وعدم‭ ‬لياقة‭ ‬ذهنية‭ ‬وعقلية‭.‬

كأن‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬فوجئ‭ ‬تماما‭ ‬بحالة‭ ‬بايدن‭ ‬هذه‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬مثارة‭ ‬علنا‭ ‬منذ‭ ‬أشهر‭ ‬طويلة‭ ‬ولا‭ ‬يتوقف‭ ‬الحديث‭ ‬عنها‭. ‬كيف‭ ‬وصل‭ ‬الحال‭ ‬بحزب‭ ‬كبير‭ ‬عريق‭ ‬مثل‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬العجز‭ ‬والتردد‭ ‬والضياع؟‭.. ‬كيف‭ ‬لم‭ ‬يفكر‭ ‬ولم‭ ‬يستعد‭ ‬لاحتمال‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬بايدن‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬المنافسة؟‭ ‬ولماذا‭ ‬رشحه‭ ‬أصلا؟

أما‭ ‬عن‭ ‬المناظرة‭ ‬نفسها،‭ ‬فمن‭ ‬تابعها‭ ‬من‭ ‬الأمريكيين‭ ‬وفي‭ ‬العالم‭ ‬صدم‭ ‬من‭ ‬الشتائم‭ ‬والفضائح‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬رددها‭ ‬المرشحان‭ ‬والأكاذيب‭. ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬أبدا‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬تقريبا‭ ‬عن‭ ‬سياسات‭ ‬ومواقف‭ ‬المرشحين‭ ‬إزاء‭ ‬القضايا‭ ‬الكبرى‭ ‬سواء‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬أو‭ ‬القضايا‭ ‬العالمية‭.‬

الكاتبة‭ ‬الأمريكية‭ ‬مويرا‭ ‬دانيجان‭ ‬كتبت‭ ‬مقالا‭ ‬نشرته‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬الجارديان‮»‬‭ ‬البريطانية‭ ‬لخصت‭ ‬فيه‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬بشكل‭ ‬بليغ‭ ‬ومعبر‭. ‬قالت‭: ‬‮«‬إن‭ ‬أمريكا‭ ‬تتألم‭ ‬وإن‭ ‬المناظرة‭ ‬لم‭ ‬تفعل‭ ‬لها‭ ‬شيئا‭. ‬فخلال‭ ‬90‭ ‬دقيقة‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬يستمع‭ ‬الأمريكيون‭ ‬إلى‭ ‬مناقشة‭ ‬جادة‭ ‬بشأن‭ ‬الأزمات‭ ‬الطارئة‭ ‬التي‭ ‬خربت‭ ‬حياتهم،‭ ‬شاهدوا‭ ‬ثلاثة‭ ‬رجال‭ ‬عجائز‭ ‬بيض‭ ‬هم‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬وجو‭ ‬بايدن‭ ‬وصحفي‭ ‬فوكس‭ ‬نيوز‭ ‬كريس‭ ‬والاس،‭ ‬الذي‭ ‬عيّن‭ ‬مديرا‭ ‬للمناظرة‭ ‬يتشاجرون‭ ‬ويتبادلون‭ ‬الشتائم‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‮»‬‭.‬

ومضت‭ ‬الكاتبة‭ ‬في‭ ‬استعراض‭ ‬المهازل‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬بايدن‭ ‬وترامب‭ ‬وختمت‭ ‬مقالها‭ ‬بالقول‭: ‬‮«‬إن‭ ‬سيرك‭ ‬الغرور‭ ‬والكذب‭ ‬والعدائية‭ ‬لم‭ ‬يـكشف‭ ‬شيئا‭ ‬جديدا‭ ‬عن‭ ‬المرشحين،‭ ‬ومن‭ ‬المضحك‭ ‬الادعاء‭ ‬بأنه‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تقدم‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬بلغ‭ ‬قمة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الإحراج‭ ‬الوطني‮»‬‭.‬

الأمر‭ ‬هو‭ ‬بالفعل‭ ‬كما‭ ‬قالت‭ ‬الكاتبة‭ ‬الأمريكية‭. ‬المناظرة‭ ‬بكل‭ ‬الغرائب‭ ‬التي‭ ‬أحاطت‭ ‬بها‭ ‬‮«‬إحراج‭ ‬وطني‮»‬‭ ‬لأمريكا‭ ‬كلها‭.‬

حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬المناظرة‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬عرض‭ ‬من‭ ‬أعراض‭ ‬أزمة‭ ‬عميقة‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬أمريكا‭.. ‬أزمة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬وأزمة‭ ‬نظام‭ ‬سياسي‭ ‬وأزمة‭ ‬قيم‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا