العدد : ١٦٩٠١ - الاثنين ٠١ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ذو الحجة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٩٠١ - الاثنين ٠١ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ذو الحجة ١٤٤٥هـ

الثقافي

نبض
«المنسيون بين ماءين لـ«ليلى المطوع» «حكاية الانتماء التي لا تجف أحبارها»

بقلم: علي الستراوي

السبت ٢٩ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

‭  (‬لم‭ ‬تكن‭ ‬رسائلها‭ ‬محض‭ ‬صدفة‭..‬

بل‭ ‬هوى‭ ‬ذاكرة‭ ‬حفظت‭ ‬سر‭ ‬حكاية‭ ‬البحر‭ ‬

منذ‭ ‬كان‭ ‬الليل‭ ‬عاشقاً‭ ‬لقمر‭ ‬ونجوم‭ ‬

ومنذ‭ ‬كان‭ ‬الصحاب‭ ‬لأبيها‭ ‬يتغنون‭ ‬بأنشودة‭ ‬البحر‭ ‬

يتسامرون‭ ‬على‭ ‬ترعة‭ ‬ماء‭ ‬وتلال‭ ‬وغابات‭..‬

تنحدرُ‭ ‬من‭ ‬صلب‭ ‬رجال‭ ‬هم‭ ‬وشمُ‭ ‬كتبٍ‭ ‬لتاريخ‭..‬

لم‭ ‬يغادر‭ ‬زمنه‭ ‬ولم‭ ‬يستوحش‭ ‬الأمكنة‭)   ‬

اللعب‭ ‬على‭ ‬تفجير‭ ‬الذاكرة‭ ‬السردية،‭ ‬يحتاج‭ ‬منا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نحلم‭ ‬وأن‭ ‬نعيد‭ ‬الحلم‭ ‬ساحات‭ ‬تنشغلُ‭ ‬بأحداث‭ ‬من‭ ‬يسكنها،‭ ‬ومن‭ ‬يتعاطى‭ ‬معها‭ ‬بصدق‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬وليدة‭ ‬نزوة‭ ‬تبدأ‭ ‬ثم‭ ‬تموت‭.‬

بين‭ ‬هذا‭ ‬البعد‭ ‬وصدق‭ ‬خطى‭ ‬المسير،‭ ‬نرسم‭ ‬دواخلنا‭ ‬بفيض‭ ‬تلك‭ ‬الذاكرة‭ ‬النشطة‭ ‬التي‭ ‬عرفناها،‭ ‬فتمسكنا‭ ‬بصواريها‭ ‬وأشرعتها‭ ‬لنصل‭ ‬بسفننا‭ ‬نحو‭ ‬غاية‭ ‬نحن‭ ‬ندركها،‭ ‬ونتهجس‭ ‬نبضها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ثانية‭.‬

هكذا‭ ‬هو‭ ‬الحلم‭ ‬كما‭ ‬قرأته‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬أكثر‭ ‬الروائيين‭ ‬انتماء‭ ‬للإنسان‭ ‬والأرض،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أنظر‭ ‬بسلبية‭ ‬إلى‭ ‬جدار‭ ‬شدة‭ ‬البصيرة‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الآمال‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬للملأ‭ ‬لتبقى‭ ‬بوهجها‭ ‬مشعلاً‭ ‬لأول‭ ‬المسير‭.‬

ذلك‭ ‬الاشتغال‭ ‬الذي‭ ‬عرفته‭ ‬في‭ ‬إبداعات‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬الرواية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬منذ‭ ‬كنت‭ ‬صبيا‭ ‬حتى‭ ‬منتصف‭ ‬العمر،‭ ‬وهذا‭ ‬الهاجس‭ ‬ظل‭ ‬ملازماً‭ ‬لي،‭ ‬لأني‭ ‬أحببت‭ ‬قراءة‭ ‬الرواية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬مبدعيها‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬كتاب‭ ‬الرواية،‭ ‬غربية‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬عربية،‭ ‬فكانت‭ ‬هي‭ ‬الرسائل‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬لازمت‭ ‬خطواتي‭ ‬في‭ ‬حبي‭ ‬أو‭ ‬عشقي‭ ‬لقراءة‭ ‬الشعر‭ ‬وكتابته،‭ ‬فانشغلتُ‭ ‬بشخوصها‭ ‬وحكاياتها‭ ‬ولا‭ ‬زلت،‭ ‬فكانت‭ ‬هي‭ ‬النبراس‭ ‬لي‭ ‬بعد‭ ‬الشعر،‭ ‬تحتضنني‭ ‬وتهدد‭ ‬تعبي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬عمرية‭.‬

وتمر‭ ‬السنوات‭ ‬وتكبر‭ ‬الصحوة‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬ولادة‭ ‬أصوات‭ ‬جديدة‭ ‬متنافسة‭ ‬على‭ ‬سرد‭ ‬حكايتها‭ ‬ضمن‭ ‬صحوة‭ ‬تجوسق‭ ‬اسمها‭ ‬باسم‭ (‬عصر‭ ‬الرواية‭)‬،‭ ‬ومنذ‭ ‬أن‭ ‬قرأت‭ ‬الرواية‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬ولدت‭ ‬لكتاب‭ ‬عرب‭ ‬وخليجيين،‭ ‬كانت‭ ‬الصحوة‭ ‬شديدة‭ ‬على‭ ‬كتاب‭ ‬وكاتبات‭ ‬الرواية‭ ‬في‭ ‬وطني‭ ‬البحرين،‭ ‬الذي‭ ‬أبرز‭ ‬لنا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬وكاتبات‭ ‬الرواية‭ ‬الجديدة،‭ ‬بعضها‭ ‬تألق‭ ‬وبعضها‭ ‬ظل‭ ‬يراوح‭ ‬مكانه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يثير‭ ‬وهج‭ ‬القارئ‭.‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الأصوات،‭ ‬يبرز‭ ‬صوت‭ ‬الكاتبة‭ ‬والروائية‭ ‬البحرينية‭ ‬ليلى‭ ‬المطوع،‭ ‬التي‭ ‬عرفت‭ ‬بدفاعها‭ ‬عن‭ ‬المرأة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬تكتبه‭ ‬عبر‭ ‬مقالاتها‭ ‬ونصوصها،‭ ‬وانحيازها‭ ‬لمشاغل‭ ‬المرأة‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها‭.‬

ففي‭ ‬روايتها‭ ‬‮«‬قلبي‭ ‬ليس‭ ‬للبيع‮»‬‭ ‬التي‭ ‬قالت‭ ‬عنها‭: ‬‮«‬في‭ ‬روايتي‭ ‬هذه‭ ‬أقدم‭ ‬لكم‭ ‬قصة‭ ‬واقعية‭ ‬الشخصيات،‭ ‬فلا‭ ‬تستغرب‭ ‬إن‭ ‬وجدت‭ ‬نفسك‭ ‬فيها‭. ‬لقد‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وتعمّدت‭ ‬فيها‭ ‬تغيير‭ ‬بعض‭ ‬ملامح‭ ‬التفاصيل‭ ‬المحيطة‭ ‬وجزئيات‭ ‬الوقائع‭ ‬والأحداث،‭ ‬رواية‭ (‬قلبي‭ ‬ليس‭ ‬للبيع‭) ‬وصمة‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬تنبجس‭ ‬عما‭ ‬تخفيه‭ ‬الأنفس‭ ‬من‭ ‬أسرار‭ ‬ومشاعر‭ ‬وعقد‭ ‬وتناقضات‭ ‬حياتية‭ ‬يومية‭ ‬بين‭ ‬المعهود‭ ‬واللامعهود؛‭ ‬أقدم‭ ‬لكم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحبكة‭ ‬ثلاث‭ ‬شخصيات‭ ‬رئيسية،‭ ‬كلّ‭ ‬شخصية‭ ‬منها‭ ‬تحمل‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬وبيئة‭ ‬مختلفة،‭ ‬ولكل‭ ‬منها‭ ‬مفاهيم‭ ‬خاصة‭ ‬وبصمة‭ ‬دامغة‭ ‬بسبب‭ ‬البيئة‭ ‬والبنية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتناقضاتها‮»‬‭.‬

هذا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬روايتها‭ ‬المعنونة‭ ‬‮«‬قلبي‭ ‬ليس‭ ‬للبيع‮»‬‭ ‬الصادرة‭ ‬في‭ ‬طبعتها‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬الفارابي،‭ ‬والتي‭ ‬لاقت‭ ‬استحساناً‭ ‬لدى‭ ‬القراء،‭ ‬وكانت‭ ‬أكثر‭ ‬مبيعاً‭.‬

وفي‭ ‬روايتها‭ ‬الجديدة‭ ‬‮«‬المنسيون‭ ‬بين‭ ‬ماءين‮»‬‭ ‬الصادرة‭ ‬حديثا‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬رشم‭ ‬2024،‭ ‬والتي‭ ‬تستحضر‭ ‬عبر‭ ‬أحداثها‭ ‬رسائل‭ ‬عميقة‭ ‬حول‭ ‬أبعاد‭ ‬الهوية‭ ‬والانتماء،‭ ‬عبر‭ ‬إثارة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬حول‭ ‬دور‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬أقسى‭ ‬النسيان‭.‬

وكما‭ ‬أكدت‭ ‬الروائية‭ ‬ليلى‭ ‬المطوع‭: ‬‮«‬أنها‭ ‬تشعر‭ ‬بأن‭ ‬الحياة‭ ‬هي‭ ‬بحرٌ‭ ‬ممتدٌ‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬له‮»‬‭.‬

ليلى‭ ‬المطوع،‭ ‬هي‭ ‬واقع‭ ‬لرسائل‭ ‬لا‭ ‬تمحو‭ ‬أحبارها،‭ ‬ولا‭ ‬تجف‭ ‬أقدامها،‭ ‬كونها‭ ‬استشعرت‭ ‬ذلك‭ ‬الصراع‭ ‬البشري‭ ‬المشحون‭ ‬بفيض‭ ‬من‭ ‬الحكايات‭ ‬المختمرة‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الإنسان‭ ‬وفي‭ ‬مسيرته‭ ‬المرتبطة‭ ‬بإرثها‭ ‬وبهويتها‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الحدث‭ ‬جلمود‭ ‬لا‭ ‬ينكسر‭ ‬ولا‭ ‬يلين،‭ ‬بل‭ ‬تتعاطى‭ ‬عبره‭ ‬الأفكار‭ ‬وتنسج‭ ‬الحكايات‭ ‬ضمن‭ ‬دراسة‭ ‬المجتمعات‭ ‬وصراعاتها‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬بما‭ ‬حملته‭ ‬من‭ ‬تراث‭ ‬وتاريخ‭ ‬لم‭ ‬يغل‭ ‬أن‭ ‬يسجل‭ ‬وجع‭ ‬الإنسان‭ ‬وعلاقته‭ ‬بالأرض‭ ‬كمكان‭ ‬له‭ ‬زمن‭ ‬وله‭ ‬مجتمع‭ ‬يسكنه،‭ ‬ويتعاطى‭ ‬معه‭ ‬بمفهوم‭ ‬واقع‭ ‬الهوية‭.‬

إذًا‭ ‬في‭ ‬جديدها‭ ‬المطوع‭ ‬‮«‬المنسيون‭ ‬بين‭ ‬ماءين‮»‬،‭ ‬أنها‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬البشر‭ ‬بوصفهم‭ ‬بشراً،‭ ‬ينغمسون‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الحياة‭ ‬ويكتظون‭ ‬بانشغالات‭ ‬لا‭ ‬تخرجهم‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬هوية‭ ‬الانتماء‭ ‬للأرض‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬امتلاك‭ ‬المطوع‭ ‬لغة‭ ‬سلسة‭ ‬تحيل‭ ‬الصعب‭ ‬سهلاً‭ ‬في‭ ‬القراءة،‭ ‬وثراء‭ ‬لغوي‭ ‬مكثفاً‭ ‬يتعاطى‭ ‬بواقعية‭ ‬مع‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬حكاية‭ ‬ليلى‭ ‬المطوع،‭ ‬لا‭ ‬يجف‭ ‬ماؤه،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬مغادرة‭ ‬أو‭ ‬استنساخ‭ ‬هويته‭ ‬العالقة‭ ‬بجذور‭ ‬الأرض‭ ‬والبشر‭.‬

الرواية‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬الروائية‭ ‬المطوع،‭ ‬وتباع‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬كلمات،‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬اقتنائها‭ ‬يعيد‭ ‬لنا‭ ‬قيمة‭ ‬مفهوم‭ ‬السرد‭ ‬وجمالياته‭ ‬الأخرى‭. ‬

a‭.‬astrawi@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا