العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

الثقافي

نبض.. الهوية ركيزة أساسية في بناء الرواية المعاصرة

بقلم: علي الستراوي

السبت ٠٨ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

الطريق‭ ‬نحو‭ ‬مفهوم‭ ‬الهوية‭ ‬في‭ ‬البعد‭ ‬الإنساني،‭ ‬طريق‭ ‬يفتح‭ ‬أمام‭ ‬المنتمي‭ ‬إليه‭ ‬مداخل‭ ‬عدة‭ ‬يتلون‭ ‬ويختلف‭ ‬فيها‭ ‬أو‭ ‬يتفق‭ ‬ذلك‭ ‬البعد‭ ‬مع‭ ‬الهوية‭.‬

ولكل‭ ‬أديب‭ ‬جهة‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها،‭ ‬يعيد‭ ‬فيها‭ ‬هويته‭ ‬نحو‭ ‬جادة‭ ‬الطريق‭ ‬الذي‭ ‬سلكه،‭ ‬كقول‭ ‬الروائي‭ ‬والأديب‭ ‬أمين‭ ‬معلوف‭ ‬في‭ ‬كتابه‭: ‬‮«‬الهويات‭ ‬القاتلة‮»‬‭ ...  ‬‮«‬لي‭ ‬انتماءات‭ ‬مشتركة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬كائن‭ ‬حي،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬كائن‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬يشاطرني‭ ‬كلَّ‭ ‬انتماءاتي‮»‬‭! ‬

من‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نقول‭: ‬‮«‬إننا‭ ‬دون‭ ‬هذه‭ ‬الثيمة‭ ‬في‭ ‬الهوية‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نبحر‭ ‬نحو‭ ‬صوابية‭ ‬الهدف‮»‬‭.‬

فأي‭ ‬هدف‭ ‬نريد‭ ‬له‭ ‬هوية‭ ‬لابد‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬الانتماء‭ ‬للهوية،‭ ‬فلا‭ ‬أتشابه‭ ‬مع‭ ‬نفسي‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أقترب‭ ‬من‭ ‬مشابهة‭ ‬الآخرين،‭ ‬فالهوية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المبدع‭ ‬كان‭ ‬روائياً‭ ‬او‭ ‬شاعراً‭ ‬أو‭ ‬أديباً‭ ‬له‭ ‬مفاصل‭ ‬أخرى‭ ‬تقوده‭ ‬نحو‭ ‬ذلك‭ ‬البعد‭ ‬الإنساني‭ ‬الذي‭ ‬يبدأ‭ ‬مع‭ ‬الانتماء‭ ‬والتعلق‭ ‬بالهوية‭.‬

‭ ‬قد‭ ‬يقول‭ ‬لك‭ ‬أحدهم‭ ‬أنت‭ ‬متهم‭ ‬بالهوية،‭ ‬وهذا‭ ‬الاتهام‭ ‬ليس‭ ‬وليد‭ ‬صدفة‭ ‬ولا‭ ‬وليد‭ ‬لحظة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مكون‭ ‬أساسي‭ ‬لبناء‭ ‬العلاقة‭ ‬الوثيقة‭ ‬بين‭ ‬الكاتب‭ ‬والهوية‭.‬

‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬والشعراء‭ ‬والروائيين‭ ‬ينحون‭ ‬نحو‭ ‬هذا‭ ‬الانتماء‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬هويتهم‭ ‬والتركيز‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الظهور،‭ ‬وبالأخص‭ ‬كتاب‭ ‬الرواية‭ ‬والشعراء‭ ‬لأنهم‭ ‬دون‭ ‬الهوية‭ ‬يفقدون‭ ‬أقدامهم‭ ‬ويضيع‭ ‬توجههم‭ ‬في‭ ‬هوايات‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تشبههم‭ ‬ولا‭ ‬ينتمون‭ ‬لها‭.‬

فالروائي‭ ‬حينما‭ ‬يكتب‭ ‬بهوية‭ ‬انتمائه‭ ‬فإنه‭ ‬يكتب‭ ‬الصدق‭ ‬المفروض‭ ‬عليه،‭ ‬فدون‭ ‬ذلك‭ ‬تكون‭ ‬الكتابة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أقدام‭ ‬وعيون‭ ‬حصيفة‭ ‬بصيرة‭ ‬لما‭ ‬يدور‭ ‬ويحصل‭ ‬حولها‭.‬

فأكثر‭ ‬الروائيين‭ ‬أو‭ ‬الشعراء‭ ‬حينما‭ ‬نقرأ‭ ‬أدبهم،‭ ‬يقودنا‭ ‬هذا‭ ‬الأدب‭ ‬نحو‭ ‬بعدهم‭ ‬الإنساني‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬بالهوية،‭ ‬ليتشكل‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬الكاتب‭ ‬الذي‭ ‬يرتدي‭ ‬البعد‭ ‬الإنساني‭ ‬ويوظفه‭ ‬ضمن‭ ‬أعماله،‭ ‬ضمن‭ ‬محيط‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لروائي‭ ‬أو‭ ‬أديب‭ ‬الهروب‭ ‬منه‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يغوص‭ ‬في‭ ‬بعده‭ ‬الإنساني‭ ‬المرتبط‭ ‬بالحياة‭ ‬كمكون‭ ‬أول‭ ‬متصل‭ ‬بوجود‭ ‬الإنسان‭ ‬وهو‭ ‬الركيزة‭ ‬الأولى‭ ‬نحو‭ ‬الانتماء‭.‬

فلا‭ ‬يستطيع‭ ‬الروائي‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬أديب‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬أمانة‭ ‬صدق‭ ‬الكتابة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جزءاً‭ ‬فاعلاً‭ ‬وحيوياً‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬ذلك‭ ‬البعد‭ ‬من‭ ‬الهدف‭ ‬الإنساني‭.‬

فاكثر‭ ‬الروائيين‭ ‬أمثال‭ ‬همنجواي‭ ‬ومكسيم‭ ‬غوركي‭ ‬ودوستويفسكي‭ ‬وفيكتور‭ ‬هوجو‭ .. ‬إلخ‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬العالمين‭ ‬البارزين‭ ‬الذين‭ ‬أبدعوا‭ ‬باتصالهم‭ ‬وتوظيفهم‭ ‬البعد‭ ‬الإنساني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التصاقهم‭ ‬بالهوية‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬نرى‭ ‬الروائي‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬وحنا‭ ‬منه‭ ‬وخالد‭ ‬خليفة‭ ‬وواسيني‭ ‬الأعرج‭ ‬وعبد‭ ‬الرحمن‭ ‬منيف‭ ‬وآخرين‭ ‬أبدعوا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬من‭ ‬البعد‭ ‬الإنساني،‭ ‬فكانت‭ ‬رواياتهم‭ ‬تعكس‭ ‬الواقع‭ ‬المعاش‭ ‬وتؤكد‭ ‬أهمية‭ ‬الهوية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المتصل‭ ‬بالإنسان‭ ‬ومشاغله‭.‬

‭ ‬إذاً‭ ‬لاي‭ ‬مكن‭ ‬لأي‭ ‬روائي‭ ‬أو‭ ‬أديب‭ ‬التملص‭ ‬من‭ ‬هويته‭.  ‬فالهوية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬مفهوم‭ ‬الكاتب‭ ‬أو‭ ‬الروائي‭.‬

فمن‭ ‬الممكن‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نُصنف‭ ‬نحو‭ ‬هذا‭ ‬الانتماء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قراءتنا‭ ‬الدقيقة‭ ‬للأدب‭ ‬الروائي،‭ ‬وما‭ ‬يتصل‭ ‬بمفهوم‭ ‬الهوية‭.‬

فالأدب‭ ‬الإنساني‭ ‬محور‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬الإبداع‭ ‬الروائي‭ ‬العالمي‭ ‬والعربي،‭ ‬هو‭ ‬الاتجاه‭ ‬الحيوي‭ ‬والصحيح‭ ‬الذي‭ ‬يقود‭ ‬الأديب‭ ‬نحو‭ ‬اتجاهات‭ ‬إبداعية‭ ‬بمفهوم‭ ‬الهوية‭ ‬الفاعلة‭ ‬ضمن‭ ‬محيط‭ ‬إنساني‭ ‬متفاعل‭ ‬مع‭ ‬مجتمعه‭ ‬ومحيطه‭ ‬الجغرافي‭.‬

‭ ‬فلكل‭ ‬أديب‭ ‬رسالة‭ ‬تحدد‭ ‬نوعية‭ ‬ما‭ ‬يكتب،‭ ‬ويقف‭ ‬بنا‭ ‬على‭ ‬هويته‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الإنساني‭.‬

فالآلام‭ ‬والاكتظاظات‭ ‬المعيشية‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬محيطه‭ ‬الإنساني‭ ‬ضمن‭ ‬حركة‭ ‬الحياة‭ ‬بما‭ ‬تحويه‭ ‬من‭ ‬أبعاد‭ ‬إنسانية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تترك‭ ‬لنا‭ ‬التمسك‭ ‬بخيط‭ ‬أو‭ ‬نوع‭ ‬الكتابة‭ ‬التي‭ ‬يبرز‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الأديب‭.‬

فكل‭ ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬لنا‭ ‬معرفتها‭ ‬في‭ ‬إبداعات‭ ‬المبدعين،‭ ‬تنتمي‭ ‬أولاً‭ ‬وأخيراً‭ ‬للهوية‭ ‬وإصرار‭ ‬المنتمي‭ ‬على‭ ‬إبرازها،‭ ‬ولا‭ ‬يأتي‭ ‬هذا‭ ‬البروز‭ ‬دون‭ ‬الغوص‭ ‬في‭ ‬الجوانب‭ ‬الإنسانية‭ ‬للمجتمعات،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬انعكاس‭ ‬واقع‭ ‬معاش‭ ‬يعيشه‭ ‬المبدع‭ ‬ويؤثر‭ ‬فيه‭ ‬ويتأثر‭ ‬من‭ ‬خلاله،‭ ‬فتبرز‭ ‬كل‭ ‬المعطيات‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬قيمة‭ ‬الفعل‭ ‬الإنساني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الجوانب‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬يفرزها‭ ‬المجتمع،‭ ‬كونه‭ ‬المحرك‭ ‬الرئيسي‭ ‬للانتماء‭ ‬وتحديد‭ ‬ضالة‭ ‬الهوية‭ ‬وانشغالاتها‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬تكويني‭ ‬يتلمس‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬الروائي‭ ‬أو‭ ‬الأديب‭ ‬جانب‭ ‬لا‭ ‬يحيد‭ ‬عن‭ ‬الهوية‭ ‬التي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها،‭ ‬فمن‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬يصبح‭ ‬التكوين‭ ‬الإبداعي‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬الهرم‭ ‬كونه‭ ‬متصلا‭ ‬بعالمه‭ ‬الذي‭ ‬ينفعل‭ ‬ويتفاعل‭ ‬معه‭ ‬كأديب‭ ‬يفرحه‭ ‬ما‭ ‬يفرح‭ ‬المجتمع‭ ‬ويحزنه‭ ‬ما‭ ‬يحزنهم،‭ ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬يكون‭ ‬القيس‭ ‬الثابت‭ ‬في‭ ‬معادلة‭ ‬انتماء‭ ‬الإنسان‭ ‬للإنسان‭ ‬عبر‭ ‬هوية‭ ‬تفند‭ ‬بعدها‭ ‬الإنساني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإندماج‭ ‬والتفاعل‭ ‬مع‭ ‬محيطه‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا