العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الكيان الصهيوني يواجه مأزقا لا فكاك منه

بقلم: د. حسن نافعة

الجمعة ٠٧ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

يختلف‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬الذي‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭ ‬اختلافا‭ ‬تاما‭ ‬عما‭ ‬اعتدناه‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬حاله‭ ‬قبل‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬نقارنه‭ ‬بما‭ ‬أصبح‭ ‬عليه‭ ‬اليوم‭ ‬كي‭ ‬ندرك‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬بوضوح‭.‬

قبل‭ ‬‮«‬طوفان‮»‬‭ ‬الأقصى،‭ ‬كانت‭ ‬تصرفات‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬تعكس‭ ‬قدرا‭ ‬هائلا‭ ‬من‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬وصل‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الصلف‭ ‬والغرور‭ ‬والاستهانة‭ ‬التامة‭ ‬بآمال‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وطموحاته‭. ‬أما‭ ‬اليوم،‭ ‬فيلاحظ‭ ‬أن‭ ‬تصرفاته‭ ‬بدأت‭ ‬تتسم‭ ‬بقدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الحيرة‭ ‬والارتباك‭ ‬والتخبط‭ ‬وضياع‭ ‬البوصلة،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬يبدو‭ ‬اليوم‭ ‬فاقدا‭ ‬تماما‭ ‬للثقة‭ ‬بنفسه‭ ‬وبقدرته‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬والبقاء‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬التحديات‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬التي‭ ‬بات‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يتصدى‭ ‬لها‭.‬

في‭ ‬22‭ ‬سبتمبر‭ ‬2023،‭ ‬ألقى‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬كلمة‭ ‬أمام‭ ‬الدورة‭ ‬الثامنة‭ ‬والسبعين‭ ‬للجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وفي‭ ‬يده‭ ‬خريطة‭ ‬متعددة‭ ‬الألوان‭ ‬لمنطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

وقد‭ ‬لفت‭ ‬نظر‭ ‬المراقبين‭ ‬وقتها‭ ‬خلو‭ ‬هذه‭ ‬الخريطة‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬ذكر‭ ‬أو‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬كلمة‭ ‬فلسطين،‭ ‬وتمدد‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬فوق‭ ‬مساحة‭ ‬شملت‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة‭ ‬معا،‭ ‬وإشارات‭ ‬نتنياهو‭ ‬المتكررة‭ ‬إلى‭ ‬تزايد‭ ‬عدد‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تقيم‭ ‬علاقات‭ ‬رسمية‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وما‭ ‬قد‭ ‬يفتحه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬آفاق‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬السلام‭ ‬والازدهار‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬التي‭ ‬بات‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬مؤهلًا‭ ‬وجاهزًا‭ ‬لتبوء‭ ‬موقع‭ ‬القيادة‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬فصاعدا‭.‬

ولأنه‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬دراية‭ ‬تامة‭ ‬بالجهود‭ ‬التي‭ ‬تبذلها‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬بشأن‭ ‬التطبيع،‭ ‬فقد‭ ‬تولدت‭ ‬لدى‭ ‬نتنياهو‭ ‬آنذاك‭ ‬قناعة‭ ‬تامة‭ ‬بأن‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬بات‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬يسمح‭ ‬له‭ ‬بقطف‭ ‬ثمرتين‭ ‬كبيرتين‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭: ‬تصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭. ‬لكن‭ ‬فجأة،‭ ‬وبلا‭ ‬سابق‭ ‬إنذار،‭ ‬هبت‭ ‬الرياح‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬تشتهي‭ ‬سفن‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭.‬

في‭ ‬صباح‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬شنت‭ ‬حركة‭ ‬حماس،‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المسلحة،‭ ‬هجوماً‭ ‬عسكرياً‭ ‬مباغتاً‭ ‬على‭ ‬القواعد‭ ‬والمستوطنات‭ ‬الواقعة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المتاخمة‭ ‬لقطاع‭ ‬غزة‭ ‬تمكنت‭ ‬خلاله‭ ‬من‭ ‬اجتياح‭ ‬مساحة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬المحتلة‭ ‬قبل‭ ‬1948،‭ ‬وذلك‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الصراع،‭ ‬وقتل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬1200‭ ‬جندي‭ ‬ومستوطن‭ ‬وأسر‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬250‭ ‬آخرين،‭ ‬ما‭ ‬مكنها‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬إنجازين‭ ‬كبيرين‭: ‬الأول‭ ‬إسقاط‭ ‬أسطورة‭ ‬‮«‬الجيش‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقهر،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬بعدما‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬إلحاق‭ ‬هزيمة‭ ‬ساحقة‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬خاطفة،‭ ‬والثاني‭: ‬تأكيد‭ ‬تصميم‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬سياسة‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬اضطر‭ ‬إلى‭ ‬الوقوف‭ ‬وحيدا‭ ‬في‭ ‬المعركة،‭ ‬وإثبات‭ ‬أنه‭ ‬قادر‭ ‬بمفرده‭ ‬على‭ ‬تخطيط‭ ‬وتنفيذ‭ ‬عمليات‭ ‬عسكرية‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الخلل‭ ‬القائم‭ ‬في‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬وبالتالي‭ ‬على‭ ‬خداع‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬الصهيونية‭ ‬التي‭ ‬طبقت‭ ‬شهرتها‭ ‬الآفاق‭.‬

حين‭ ‬استفاق‭ ‬من‭ ‬هول‭ ‬الصدمة،‭ ‬ساد‭ ‬لدى‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬تصور‭ ‬مفاده‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬كان‭ ‬حدثاً‭ ‬استثنائياً‭ ‬ينبغي‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬يتكرر‭ ‬أبداً،‭ ‬وأنه‭ ‬نجم‭ ‬عن‭ ‬إهمال‭ ‬جسيم‭ ‬يتطلب‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬ملابساته‭ ‬وملاحقة‭ ‬المتسببين‭ ‬فيه‭ ‬عبر‭ ‬تحقيقات‭ ‬تُجرى‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب،‭ ‬كما‭ ‬بدا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬بامتلاكه‭ ‬كل‭ ‬الإمكانات‭ ‬والقدرات‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬له‭ ‬سحق‭ ‬وتصفية‭ ‬كل‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المسلحة‭ ‬واقتلاعها‭ ‬من‭ ‬الجذور‭.‬

ولأن‭ ‬نتنياهو‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬قناعة‭ ‬تامة‭ ‬بأن‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬ستسارع‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحتاجه‭ ‬من‭ ‬غطاء‭ ‬سياسي‭ ‬ومن‭ ‬دعم‭ ‬عسكري،‭ ‬فقد‭ ‬تصور‭ ‬أن‭ ‬بمقدوره‭ ‬استغلال‭ ‬الحدث‭ ‬كذريعة‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬نفسه‭ ‬وإجباره‭ ‬على‭ ‬ترك‭ ‬وطنه‭ ‬نهائياً‭.‬

اليوم،‭ ‬وبعد‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬8‭ ‬أشهر‭ ‬على‭ ‬بدء‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬السيوف‭ ‬الحديدية‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬إعلان‭ ‬الحرب‭ ‬الشاملة‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬يبدو‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬لا‭ ‬يحسد‭ ‬عليه‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬عاجزاً‭ ‬تماماً،‭ ‬ليس‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬سعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقها‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬فحسب،‭ ‬إنما‭ ‬التصدي‭ ‬أيضاً‭ ‬لعوامل‭ ‬التفكك‭ ‬والانهيار‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تهب‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬داخله‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬لحق‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬هزائم‭ ‬متتالية‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬والقانونية‭ ‬والأخلاقية‭.‬

على‭ ‬الصعيد‭ ‬العسكري،‭ ‬أضافت‭ ‬الفصائل‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المسلحة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬إنجازات‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬‮«‬الطوفان‮»‬‭ ‬نفسه‭ ‬إنجازات‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عنها‭ ‬إبهاراً،‭ ‬بل‭ ‬وربما‭ ‬تفوقها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الأهمية‭ ‬والتداعيات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬فقد‭ ‬تمكنت‭ ‬هذه‭ ‬الفصائل،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الصمود‭ ‬فحسب‭ ‬أمام‭ ‬آلة‭ ‬الحرب‭ ‬الصهيونية‭ ‬الجهنمية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الأشهر‭ ‬الثمانية‭ ‬المنصرمة،‭ ‬إنما‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬تكبيد‭ ‬‮«‬الجيش‮»‬‭ ‬الصهيوني‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة‭ ‬في‭ ‬الأرواح‭ ‬والمعدات‭.‬

ولتبرير‭ ‬إخفاقاته‭ ‬العسكرية‭ ‬المتتالية،‭ ‬ادعى‭ ‬‮«‬الجيش‮»‬‭ ‬الصهيوني‭ ‬أنه‭ ‬تمكَّن‭ ‬من‭ ‬تحطيم‭ ‬معظم‭ ‬البنية‭ ‬العسكرية‭ ‬لهذه‭ ‬الفصائل،‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬يتبق‭ ‬منها‭ ‬سوى‭ ‬4‭ ‬كتائب‭ ‬تتمركز‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬رفح،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬نتنياهو‭ ‬اجتياح‭ ‬رفح‭ ‬واحتلال‭ ‬محور‭ ‬فيلادلفيا‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وفلسطين‭ ‬لم‭ ‬يساعده‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬إنجاز‭ ‬يذكر،‭ ‬فها‭ ‬هي‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المسلحة‭ ‬تقاتل‭ ‬ببسالة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬القطاع،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬شماله‭ ‬ووسطه،‭ ‬وكان‭ ‬بمقدورها‭ ‬إطلاق‭ ‬صواريخ‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬على‭ ‬‮«‬تل‭ ‬أبيب‮»‬‭ ‬من‭ ‬منصات‭ ‬في‭ ‬رفح‭ ‬لا‭ ‬تبعد‭ ‬سوى‭ ‬أمتار‭ ‬محدودة‭ ‬عن‭ ‬المواقع‭ ‬التي‭ ‬يحتلها‭ ‬‮«‬الجيش‮»‬‭ ‬الصهيوني‭.‬

وعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬السياسي،‭ ‬حققت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عقب‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬وبسببه‭ ‬إنجازات‭ ‬هائلة،‭ ‬بعكس‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬يأمل،‭ ‬فقد‭ ‬بدأت‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬تتصدر‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬بعدما‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬أوشكت‭ ‬على‭ ‬التصفية،‭ ‬واتخذت‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وبأغلبية‭ ‬ساحقة‭ ‬بلغت‭ ‬144‭ ‬صوتا‭ ‬ضد‭ ‬9‭ ‬أصوات‭ ‬فقط،‭ ‬قراراً‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬تمكين‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيره‭ ‬وإقامة‭ ‬دولته‭ ‬المستقلة‭ ‬على‭ ‬أرضه‭ ‬المحتلة‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬ويؤكد‭ ‬توافر‭ ‬كل‭ ‬العناصر‭ ‬اللازمة‭ ‬لإقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة،‭ ‬ويحثّ‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬على‭ ‬إزالة‭ ‬كل‭ ‬العقبات‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬قبول‭ ‬فلسطين‭ ‬كدولة‭ ‬كاملة‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

وإذا‭ ‬أضفنا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬أن‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬مثل‭ ‬إسبانيا‭ ‬وإيرلندا‭ ‬والنرويج‭ ‬وسلوفينيا،‭ ‬اعترف‭ ‬مؤخراً‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة،‭ ‬وقرر‭ ‬تبادل‭ ‬التمثيل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬معها،‭ ‬لتبين‭ ‬لنا‭ ‬حجم‭ ‬المكاسب‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بسبب‭ ‬الصمود‭ ‬العسكري‭ ‬للمقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المسلحة‭.‬

على‭ ‬الصعيدين‭ ‬القانوني‭ ‬والأخلاقي،‭ ‬ساهمت‭ ‬التصرفات‭ ‬الهمجية‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬حكومة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الأشهر‭ ‬الثمانية‭ ‬المنصرمة،‭ ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬بالكامل‭ ‬وتحويله‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للحياة،‭ ‬وإلى‭ ‬استشهاد‭ ‬وإصابة‭ ‬وفقد‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬150‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني،‭ ‬معظمهم‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال،‭ ‬في‭ ‬إسقاط‭ ‬القناع‭ ‬عن‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وإعادة‭ ‬التذكير‭ ‬بالطبيعة‭ ‬الاستيطانية‭ ‬والتوسعية‭ ‬والإحلالية‭ ‬للمشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬نفسه،‭ ‬والتأكيد‭ ‬بالتالي‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يتحدث‭ ‬باسمه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عنصرياً‭ ‬في‭ ‬جوهره،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬أنه‭ ‬يقوم‭ ‬بالضرورة‭ ‬على‭ ‬قاعدتي‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬والإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

وقد‭ ‬كشفت‭ ‬الأحكام‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬وما‭ ‬تضمنته‭ ‬من‭ ‬أوامر‭ ‬موجهة‭ ‬إلى‭ ‬حكومة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬بضرورة‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬احترازية‭ ‬للحيلولة‭ ‬دون‭ ‬ارتكاب‭ ‬أعمال‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ووقف‭ ‬الأعمال‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬قررت‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬رفح‭ ‬عن‭ ‬شبهة‭ ‬إقدام‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬ارتكاب‭ ‬أعمال‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬بالفعل‭.‬

وكشفت‭ ‬مطالبة‭ ‬المدعي‭ ‬العام‭ ‬للمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬باستصدار‭ ‬مذكرة‭ ‬اعتقال‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬الكيان‭ ‬ووزير‭ ‬دفاعه‭ ‬أنهما‭ ‬باتا‭ ‬متهمين‭ ‬رسميا‭ ‬بالقيام‭ ‬بارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬وجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأحكام‭ ‬أدت‭ ‬دورا‭ ‬حاسما‭ ‬في‭ ‬تعبئة‭ ‬وحشد‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬لنصرة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وتقديم‭ ‬كل‭ ‬وسائل‭ ‬الدعم‭ ‬له،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬الشرائح‭ ‬الشبابية‭ ‬وطلاب‭ ‬الجامعات‭.‬

ليس‭ ‬من‭ ‬المستغرب،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬ما‭ ‬تقدم،‭ ‬أن‭ ‬يفقد‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬توازنه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬وأن‭ ‬تظهر‭ ‬عليه‭ ‬علامات‭ ‬التفكك‭ ‬والانهيار؛‭ ‬ففي‭ ‬أعقاب‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬مباشرة،‭ ‬بدا‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬كأنه‭ ‬يتصرف‭ ‬وفقاً‭ ‬لنمط‭ ‬تقليدي‭ ‬كان‭ ‬يدفعه‭ ‬دائماً‭ ‬إلى‭ ‬التماسك‭ ‬والوحدة‭ ‬إبان‭ ‬الأزمات،‭ ‬بدليل‭ ‬إقدامه‭ ‬على‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬حرب‭ ‬برئاسة‭ ‬نتنياهو‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬والتفاف‭ ‬الجمهور‭ ‬حول‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬حددتها‭ ‬للحرب،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ثقة‭ ‬المواطنين‭ ‬بهذه‭ ‬الحكومة‭ ‬وبقدرتها‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬الحرب‭ ‬راحت‭ ‬تتبدد‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت‭.‬

تشير‭ ‬دراسة‭ ‬نشرت‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬معهد‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬أجرى‭ ‬15‭ ‬استطلاعاً‭ ‬للرأي‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬وحتى‭ ‬منتصف‭ ‬إبريل‭ ‬الماضي‭. ‬وقد‭ ‬أثبتت‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬الاستطلاعات‭ ‬أن‭ ‬ثقة‭ ‬الجمهور‭ ‬الصهيوني‭ ‬بحكومته‭ ‬وبقدرة‭ ‬جيشه‭ ‬على‭ ‬كسب‭ ‬الحرب‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬المرجوة‭ ‬من‭ ‬ورائها‭ ‬تتآكل‭ ‬باستمرار‭.‬

لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنني‭ ‬أبالغ‭ ‬إن‭ ‬أكدت‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الصهيوني‭ ‬بدأ‭ ‬يتفكك‭ ‬بالفعل،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يواصل‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬تفككه‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬صمود‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬دخول‭ ‬المجتمع‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬مأزق‭ ‬لا‭ ‬فكاك‭ ‬منه‭.‬

 

{‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬

في‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا