العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

سـرديـات:السَّرد الأوبرالي زرقاء اليمامة والاقتصاد البرتقالي

بقلم: د. ضياء عبدالله الكعبي

السبت ١٨ مايو ٢٠٢٤ - 02:00

قال‭ ‬الميداني‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ (‬مجمع‭ ‬الأمثا‭ :((‬أبْصَرُ‭ ‬مِنْ‭ ‬زَرْقَاءِ‭ ‬اليَمَامَةِ‭)‬،‭ ‬واليَمَامة‭: ‬اسمُها،‭ ‬وبها‭ ‬سُمي‭ ‬البلد‭. ‬وذكر‭ ‬الجاحظ‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬بنات‭ ‬لُقْمَان‭ ‬بن‭ ‬عاد،‭ ‬وأنَّ‭ ‬اسمها‭ ‬عنز‭. ‬وقال‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬حبيبَ‭: ‬هي‭ ‬امرأة‭ ‬من‭ ‬جَدِيس،‭ ‬كانت‭ ‬تُبْصِر‭ ‬الشيء‭ ‬من‭ ‬مسيرة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام،‭ ‬فلما‭ ‬قَتَلَتْ‭ ‬جَدِيس‭ ‬طَسْمًا،‭ ‬خرج‭ ‬رجل‭ ‬من‭ ‬طَسْم‭ ‬إلى‭ ‬حَسَّان‭ ‬بن‭ ‬تُبَّع،‭ ‬فاستجاشه‭ ‬ورَغَّبه‭ ‬في‭ ‬الغنائم،‭ ‬فجهَّز‭ ‬إليهم‭ ‬جيشًا،‭ ‬فلما‭ ‬صاروا‭ ‬من‭ ‬جَوّ‭ ‬على‭ ‬مسيرة‭ ‬ثلاث‭ ‬ليالٍ‭ ‬صعدت‭ ‬الزرقاء‭ ‬فنظرت‭ ‬إلى‭ ‬الجيش،‭ ‬وقد‭ ‬أُمِرُوا‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬كل‭ ‬رجل‭ ‬منهم‭ ‬شجرة‭ ‬يستتر‭ ‬بها‭ ‬ليلبِّسُوا‭ ‬عليها،‭ ‬فقالت‭: ‬يا‭ ‬قوم‭ ‬قد‭ ‬أتتكم‭ ‬الشَّجَر،‭ ‬أو‭ ‬أتتكم‭ ‬حِمْير،‭ ‬فلم‭ ‬يصدقوها،‭ ‬فقالت‭:‬

أقْسِمُ‭ ‬بالله‭ ‬لقد‭ ‬دَبَّ‭ ‬الشَّجَرْ‮ ‬‭...‬أو‭ ‬حِمْيَر‭ ‬قد‭ ‬أخَذَتْ‭ ‬شيئًا‭ ‬يجر‭ ‬فلم‭ ‬يصدقوها،‭ ‬فقالت‭: ‬أحلف‭ ‬بالله‭ ‬لقد‭ ‬أرى‭ ‬رَجلاً،‭ ‬يَنْهَسُ‭ ‬كتْفًا،‭ ‬أو‭ ‬يَخْصِفُ‭ ‬النعل‭. ‬فلم‭ ‬يصدقوها،‭ ‬ولم‭ ‬يستعدُّوا‭ ‬حتى‭ ‬صَبَّحهم‭ ‬حَسَّان‭ ‬فاجتاحهم،‭ ‬فأخذ‭ ‬الزرقاء‭ ‬فشقّ‭ ‬عينيها‭ ‬فإذا‭ ‬فيهما‭ ‬عُرُوق‭ ‬سود‭ ‬من‭ ‬الإثمِدِ،‭ ‬وكانت‭ ‬أولَ‭ ‬من‭ ‬اكتحل‭ ‬بالإثمد‭ ‬من‭ ‬العرب‮»‬‭.‬‮ ‬

لقد‭ ‬تحولت‭ ‬أسطورة‭ (‬زرقاء‭ ‬اليمامة‭) ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أحد‭ ‬أساطير‭ ‬العرب‭ ‬البائدة‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربيّة‭ ‬إلى‭ ‬أيقونة‭ ‬رمزية‭ ‬للبصيرة‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬تحذر‭ ‬من‭ ‬المآلات‭ ‬الخطيرة‭ ‬والنهايات‭ ‬المأساوية،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬الأسطورة‭ ‬التاريخيّة‭ ‬هي‭ ‬الملهمة‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬العربيّة‭ ‬الحديثة‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬التناص‭ ‬التاريخي‭ ‬الإسقاطي‭ ‬مع‭ ‬أسطورة‭ ‬عربية‭ ‬عاربة‭.‬

أنتجت‭ ‬هيئة‭ ‬المسرح‭ ‬والفنون‭ ‬الأدائية‭ ‬بوزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬السعودية‭ ‬الأوبرا‭ ‬الاستثنائية‭ (‬زرقاء‭ ‬اليمامة‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬أول‭ ‬أوبرا‭ ‬سعودية‭ ‬وأكبر‭ ‬إنتاج‭ ‬أوبرالي‭ ‬باللغة‭ ‬العربيّة،‭ ‬وقد‭ ‬استوحى‭ ‬الشاعر‭ ‬السعودي‭ ‬صالح‭ ‬زمانان‭ ‬مؤلف‭ ‬العمل‭ ‬فصول‭ ‬هذه‭ ‬الأوبرا‭ ‬التاريخية‭ ‬من‭ ‬متخيل‭ ‬زرقاء‭ ‬اليمامة‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬الثقافيّة‭ ‬العربيّة،‭ ‬وتولى‭ ‬الأسترالي‭ ‬لي‭ ‬برادشو‭ ‬التأليف‭ ‬الموسيقي‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أخرج‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الإبداعي‭ ‬المهم‭ ‬المخرج‭ ‬السويسري‭ ‬دانييل‭ ‬فينزي‭ ‬باسكا‭. ‬

إنَّ‭ ‬الموروث‭ ‬السَّرديّ‭ ‬العربيّ‭ ‬القديم‭ ‬هو‭ ‬موروث‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الثراء‭ ‬في‭ ‬اشتغاله‭ ‬على‭ ‬شبكات‭ ‬ترميزية‭ ‬ضخمة‭ ‬من‭ ‬الدلالات‭ ‬التاريخيّة‭ ‬والحضارية‭ ‬والإنسانيّة‭ ‬التي‭ ‬يصلح‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬صناعات‭ ‬إبداعية‭ ‬ومعرفية‭ ‬داخلة‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ (‬الاقتصاد‭ ‬البرتقالي‭) ‬The‭ ‬Orange‭ ‬Economy‭. ‬إنّ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬البرتقالي‭ ‬يغطي‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬المعرفة‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬للصناعات‭ ‬الثقافية‭ ‬والإبداعية،‭ ‬والتي‭ ‬لها‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وتضم‭ ‬ستة‭ ‬قطاعات‭ ‬رئيسية،‭ ‬تشمل‭ ‬التراث‭ ‬الطبيعي‭ ‬والثقافي،‭ ‬والكتب‭ ‬والصحافة،‭ ‬وفنون‭ ‬الأداء‭ ‬والاحتفالات،‭ ‬والإعلام‭ ‬المسموع‭ ‬والمرئي‭ ‬والتفاعلي،‭ ‬والفنون‭. ‬ونبارك‭ ‬لهيئة‭ ‬المسرح‭ ‬والفنون‭ ‬الأدائية‭ ‬بوزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬السعودية‭ ‬النجاح‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬حقّقه‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الأوبرالي‭ ‬الضخم‭ ‬والمهم‭ ‬والتأسيسي‭ ‬عربيًا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬استثمار‭ ‬الخزين‭ ‬الثقافي‭ ‬الأسطوري‭ ‬العربي‭ ‬الهائل‭ ‬الذي‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬مئات‭ ‬القرون‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭ ‬قبل‭ ‬الإسلام،‭ ‬والذي‭ ‬هو‭ ‬شاهد‭ ‬على‭ ‬عمق‭ ‬الذاكرة‭ ‬الثقافية‭ ‬الحضارية‭ ‬وفي‭ ‬عمق‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬وتأثيراتها‭ ‬الملهمة‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬العربيّة‭ ‬التأسيسيّة‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬القرون‭.‬

{‭ ‬أستاذة‭ ‬السرديات‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبيّ‭ ‬الحديث‭ ‬المشارك،

كلية‭ ‬الآداب،‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا