العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

«السنع» هوية وطن.. ومناهج تربية

حينما‭ ‬أرادت‭ ‬اليابان‭ ‬استضافة‭ ‬بطولة‭ ‬كأس‭ ‬العالم،‭ ‬باعتبارها‭ ‬أكبر‭ ‬تجمع‭ ‬عالمي،‭ ‬فإن‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬عملته‭ ‬هو‭ ‬تدريس‭ ‬الناس‭ ‬والشباب‭ ‬الياباني‭ ‬لغات‭ ‬وتقاليد‭ ‬الشعوب‭ ‬والمنتخبات‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬البطولة،‭ ‬إيمانا‭ ‬منها‭ ‬بأن‭ ‬معرفة‭ ‬طبائع‭ ‬البشر‭ ‬وعاداتهم‭ ‬ضرورة‭ ‬ملحة‭ ‬لكسب‭ ‬الناس‭ ‬ونيل‭ ‬الاحترام‭.‬

ويحسب‭ ‬للجمهور‭ ‬الياباني‭ ‬الرياضي‭ ‬أنه‭ ‬أول‭ ‬جمهور‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بدأ‭ ‬بتنظيف‭ ‬المدرجات‭ ‬الرياضية‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬مباراة،‭ ‬ثم‭ ‬تأثرت‭ ‬كافة‭ ‬الجماهير‭ ‬بتلك‭ ‬المبادرة،‭ ‬وأخذت‭ ‬بتطبيقها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة،‭ ‬وتركت‭ ‬انطباعا‭ ‬حضاريا‭ ‬إيجابيا،‭ ‬في‭ ‬السلوك‭ ‬الإنساني‭ ‬الراقي‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬تعلم‭ ‬اللغة‭ ‬والعلوم‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬والأسرة‭ ‬ثم‭ ‬المدرسة‭ ‬والجامعة‭.. ‬ولكن‭ ‬تعلم‭ ‬آداب‭ ‬التعامل‭ ‬والأخلاقيات،‭ ‬و«السنع‭ ‬والإتيكيت‮»‬،‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬الأسرة‭ ‬والمدرسة،‭ ‬والمجتمع‭ ‬كذلك‭.. ‬ولطالما‭ ‬وجد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬الحاجة‭ ‬الملحة‭ ‬إلى‭ ‬تعليم‭ ‬وتدريس‭ ‬‮«‬السنع‮»‬‭ ‬للناشئة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ممارسات‭ ‬وتعاملات‭ ‬غريبة‭ ‬ودخيلة،‭ ‬تتنافى‭ ‬مع‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية،‭ ‬والقيم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬والمبادئ‭ ‬الحضارية‭.‬

لدى‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬الشقيقة‭ ‬مقرر‭ ‬ومنهج‭ ‬دراسي‭ ‬بعنوان‭ (‬السنع‭ ‬الإماراتي‭)‬،‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬‮«‬السنع‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭: ‬آداب‭ ‬التخاطب،‭ ‬الكرم‭ ‬والضيافة،‭ ‬الشهامة‭ ‬والفزعة‭ ‬ومساعدة‭ ‬الآخرين،‭ ‬التسامح‭ ‬واحترام‭ ‬الجميع،‭ ‬الترابط‭ ‬الأسري‭ ‬وصلة‭ ‬الأرحام،‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المرأة‭ ‬أو‭ ‬الرجل،‭ ‬آداب‭ ‬المجالس،‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الوالدين،‭ ‬الزيارات‭ ‬والمناسبات،‭ ‬الأكل‭ ‬والشرب‭ ‬والنظافة‭ ‬وغيرها‭.‬

وكم‭ ‬أتمنى‭ ‬لو‭ ‬بادرت‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬أو‭ ‬إحدى‭ ‬المدارس‭ ‬‮«‬الحكومية‭ ‬أو‭ ‬الخاصة‮»‬،‭ ‬بتدريس‭ ‬مقرر‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬برنامج‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬السنع‭ ‬البحريني‮»‬،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تطبيقات‭ ‬عملية‭ ‬ودروس‭ ‬نظرية،‭ ‬بهدف‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬وغرس‭ ‬قيم‭ ‬ومبادئ‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬والخصوصية‭ ‬المجتمعية،‭ ‬لينشأ‭ ‬جيل‭ ‬يعرف‭ ‬ويدرك‭ ‬أصول‭ ‬التعامل‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬التوحش‭ ‬والتغلغل‭ ‬الفكري‭ ‬والثقافي‭ ‬الذي‭ ‬يغزو‭ ‬العقول‭ ‬بممارسات‭ ‬وأفعال‭ ‬ليست‭ ‬ذات‭ ‬علاقة‭ ‬بالثوابت‭ ‬التربوية‭ ‬البحرينية‭ ‬الأصيلة‭.‬

مازلت‭ ‬أذكر‭ ‬إجابة‭ ‬الفنان‭ ‬عادل‭ ‬إمام،‭ ‬حينما‭ ‬سُئل‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬التزام‭ ‬شريحة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬بالقانون‭ ‬واحترامه،‭ ‬فأجاب‭ ‬قائلا‭: ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬الطابور‭.. ‬فجميعنا‭ ‬يسارع‭ ‬لتجاوز‭ ‬القانون‭ ‬والطابور‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أمورنا‭ ‬الحياتية‭ ‬والعملية،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬عند‭ ‬سياقة‭ ‬السيارات‭ ‬والمركبات‭.‬

مفهوم‭ ‬‮«‬السنع‮»‬‭ ‬وفقا‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬معروف‭ ‬خليجيا،‭ ‬وما‭ ‬تم‭ ‬نشره‭ ‬في‭ ‬المواقع‭ ‬الإعلامية‭ ‬عموما،‭ ‬والإماراتية‭ ‬خصوصا،‭ ‬يعني‭: ‬مجموعة‭ ‬القواعد‭ ‬التي‭ ‬تنظم‭ ‬سلوك‭ ‬الأفراد‭ ‬خلال‭ ‬تعاملاتهم‭ ‬اليومية‭ ‬مثل‭: ‬احترام‭ ‬الأكبر‭ ‬سناً،‭ ‬والشجاعة‭ ‬والنخوة،‭ ‬والشهامة‭ ‬والإخلاص‭ ‬وكرم‭ ‬الأخلاق،‭ ‬والأمانة‭ ‬والتطوع،‭ ‬والضيافة‭ ‬وآداب‭ ‬المجلس،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬آداب‭ ‬الطعام‭ ‬والترابط‭ ‬والتكاتف،‭ ‬وآداب‭ ‬التحية‭ ‬والسلام،‭ ‬واحترام‭ ‬المهنة‭ ‬والعمل‭ ‬اليدوي،‭ ‬وحب‭ ‬الغير‭ ‬والإيثار‭. ‬

وبلغة‭ ‬العصر‭ ‬الحديث؛‭ ‬يمكن‭ ‬تعريف‭ ‬‮«‬السنع‮»‬‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬فن‭ ‬الإتيكيت‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬فن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬استناداً‭ ‬إلى‭ ‬قيم‭ ‬وأعراف‭ ‬وطنية‭ ‬مجتمعية،‭ ‬متوارثة‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬والأجداد‭. ‬ويتنوع‭ ‬‮«‬السنع‮»‬‭ ‬باختلاف‭ ‬المناسبات‭ ‬والمواقف،‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬اليومية‭.‬

نحن‭ ‬مقبلون‭ ‬على‭ ‬الإجازة‭ ‬الصيفية،‭ ‬وفيها‭ ‬تكثر‭ ‬البرامج‭ ‬والأنشطة‭ ‬التي‭ ‬تقيمها‭ ‬المراكز‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬الرسمية‭ ‬والأهلية،‭ ‬وتركز‭ ‬على‭ ‬الأنشطة‭ ‬الرياضية‭ ‬والسباحة،‭ ‬وربما‭ ‬التمثيل‭ ‬والهوايات،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استثمار‭ ‬الوقت‭ ‬وتنمية‭ ‬المواهب‭ ‬والطاقات،‭ ‬وسيكون‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬بمكان‭ ‬أن‭ ‬تبادر‭ ‬تلك‭ ‬المراكز‭ ‬الصيفية،‭ ‬وكذلك‭ ‬الوزارات‭ ‬كوزارة‭ ‬شؤون‭ ‬الشباب،‭ ‬ووزارة‭ ‬التنمية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬بجانب‭ ‬هيئة‭ ‬الثقافة‭ ‬وغيرها،‭ ‬بطرح‭ ‬دورة‭ ‬تدريبية‭ ‬أو‭ ‬برنامج‭ ‬تعليمي‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬السنع‭ ‬البحريني‮»‬‭.‬

أفضل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتوارثه‭ ‬الأبناء‭ ‬والأحفاد‭ ‬هو‭ ‬‮«‬السنع‮»‬‭.. ‬فالمال‭ ‬زائل‭ ‬لا‭ ‬محالة‭.. ‬ولكن‭ ‬الأخلاق‭ ‬والتعامل‭ ‬والتربية‭ ‬هي‭ ‬الباقية‭ ‬والراسخة،‭ ‬وهي‭ ‬خير‭ ‬ميراث،‭ ‬وأفضل‭ ‬ثروة‭ ‬مستدامة‭.. ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬يقال‭ ‬عن‭ ‬ابنك‭: (‬هذا‭ ‬ولد‭ ‬فلان‭ ‬وفلانة‭.. ‬ويعرف‭ ‬السنع‭).‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا