العدد : ١٦٨٥١ - الأحد ١٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٤ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥١ - الأحد ١٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٤ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

الأسرى الفلسطينيون في مواجهة «هندسة القهر» الصهيوني

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الأحد ٢٨ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

بمناسبة‭ (‬يوم‭ ‬الأسير‭ ‬الفلسطيني‭) ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬في‭ (‬17‭) ‬أبريل‭ ‬الجاري،‭ ‬نستذكر‭ ‬سياسة‭ ‬الاعتقال‭ ‬الصهيونية،‭ ‬الممنهجة‭ ‬والثابتة،‭ ‬والتي‭ ‬شكلت‭ ‬إحدى‭ ‬أبرز‭ ‬سياسات‭ ‬المنظومة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬مستهدفة‭ ‬البنية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والنضالية‭ ‬للوجود‭ ‬الفلسطيني‭. ‬ومنذ‭ ‬ملحمة‭ (‬7‭) ‬أكتوبر‭ ‬الماضي،‭ ‬ترتفع‭ ‬يومياً‭ ‬أعداد‭ ‬الاعتقالات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭.‬

وفي‭ ‬‮«‬القطاع‮»‬‭ ‬وبحسب‭ ‬جمعية‭ ‬‮«‬نادي‭ ‬الأسير‭ ‬الفلسطيني‮»‬‭ ‬الحقوقية،‭ ‬ارتفعت‭ ‬حصيلة‭ ‬الاعتقالات‭ ‬حتى‭ ‬الخميس‭ (‬18‭) ‬الجاري،‭ ‬إلى‭ (‬8310‭) ‬حالات‭ (‬بينهم‭ ‬178‭ ‬أسيرة‭)‬،‭ ‬بما‭ ‬فيهم‭ (‬13‭) ‬من‭ ‬محرري‭ ‬دفعات‭ ‬التبادل‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭/‬تشرين‭ ‬الثاني‭ ‬المنصرم‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬بنود‭ ‬اتفاق‭ ‬التهدئة‭. ‬وهي‭ ‬تشمل‭ ‬من‭ ‬جرى‭ ‬اعتقالهم‭ ‬من‭ ‬المنازل،‭ ‬وعبر‭ ‬الحواجز‭ ‬العسكرية،‭ ‬ومن‭ ‬اضطروا‭ ‬إلى‭ ‬تسليم‭ ‬أنفسهم‭ ‬تحت‭ ‬الضغط،‭ ‬ومن‭ ‬احتجزوا‭ ‬كرهائن،‭ ‬يرافقها‭ ‬‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬عمليات‭ ‬تنكيل‭ ‬وتعذيب‭ ‬‮«‬مدروسة‮»‬‭ ‬بحق‭ ‬المعتقلين‭ ‬وعائلاتهم،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يستثني‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬المرضى‭ ‬والجرحى‭ ‬وكبار‭ ‬السّن‭.‬

وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مجمل‭ ‬الانتهاكات‭ ‬ضد‭ ‬الأسرى‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬نشهد‭ ‬لها‭ ‬مثيلاً‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬لكن‭ ‬فرضتها‭ (‬إدارة‭ ‬السجون‭ ‬الإسرائيلية‭) ‬بعد‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬تم‭ ‬سلب‭ ‬المعتقلين‭ ‬منجزاتهم‭ ‬التي‭ ‬تتمثل‭ ‬بأدنى‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬فرضوها‭ ‬بالتضحية‭ ‬والدم‭ ‬عبر‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭. ‬هذه‭ (‬الإدارة‭) ‬عملت‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬عزل‭ ‬الأسرى‭ ‬عزلا‭ ‬داخلياً،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬عزل‭ ‬هؤلاء‭ ‬المناضلين‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭ ‬أيضاً‭.‬

كما‭ ‬واصلت‭ (‬الإدارة‭) ‬‮«‬وتواصل‭ ‬سياسة‭ ‬التضييق‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬الطواقم‭ ‬القانونية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بإتمام‭ ‬الزيارات‭ ‬للأسرى‭ ‬في‭ ‬غالبية‭ ‬السجون‮»‬‭. ‬ناهيكم‭ ‬عما‭ ‬حدث‭ ‬ويحدث‭ ‬من‭ ‬انتهاكات‭ ‬فادحة‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬استشهاد‭ ‬عدد‭ ‬قياسي‭ ‬متنام‭ ‬من‭ ‬الأسرى‭ ‬من‭ ‬‮«‬قطاع‭ ‬غزة‮»‬،‭ ‬فضحها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬والكتاب‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬بخصوص‭ ‬معتقل‭ (‬سديه‭ ‬تيمان‭) ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬معروفا‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬سجن‭ ‬غوانتنامو‭ ‬الإسرائيلي‭!!‬‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬المعروف‭ ‬أنه،‭ ‬منذ‭ ‬‮«‬نكسة‮»‬‭ ‬1967،‭ ‬استشهد‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ (‬236‭) ‬من‭ ‬الأسرى‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لأسباب‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬طليعتها‭ ‬التعذيب‭ ‬والإهمال‭ ‬الطبي،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مئات‭ ‬آخرين‭ ‬استشهدوا‭ ‬بعد‭ ‬تحريرهم‭ ‬متأثرين‭ ‬بفعل‭ ‬أمراض‭ ‬السجون‭. ‬ومنذئذٍ‭ ‬أيضاً،‭ ‬جرى‭ ‬اعتقال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليون‭ ‬و‭(‬200‭) ‬ألف‭ ‬فلسطيني،‭ ‬بينهم‭ (‬17‭) ‬ألفاً‭ ‬من‭ ‬الفتيات‭ ‬والأمهات‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ (‬54‭) ‬ألفاً‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭. ‬وحديثاً،‭ ‬شهدنا‭ ‬بألم‭ ‬خاص‭ ‬وشديد،‭ ‬رحيل‭ ‬الأسير‭ ‬البارز‭ (‬وليد‭ ‬دقة‭) ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬معاناة‭ ‬طويلة‭ ‬مع‭ ‬المرض‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قضى‭ ‬محكومية‭ ‬تجاوزت‭ ‬38‭ ‬عاماً‭ ‬متصلة‭. ‬

وطبعاً،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الأسير‭(‬وليد‭) ‬آخر‭ ‬الشهداء‭ ‬بين‭ ‬المعتقلين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إذ‭ ‬التحق‭ ‬به‭ ‬أسرى‭ ‬آخرون‭ ‬تم‭ ‬‮«‬حجز‮»‬‭ ‬جثامينهم‭ ‬مثلما‭ ‬جرى‭ ‬‮«‬حجز‮»‬‭ ‬جثمانه‭. ‬

ومما‭ ‬زاد‭ ‬الطين‭ ‬بلة،‭ ‬السياسات‭ ‬الفاشية‭ ‬التي‭ ‬أشرف‭ ‬عليها‭ ‬ويتابعها‭ ‬الفاشي‭ ‬‮«‬العريق‮»‬‭ (‬ايتماربن‭ ‬غفير‭). ‬ففي‭ ‬عهد‭ ‬هذا‭ ‬الأخير،‭ ‬تم‭ ‬إلغاء‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬‮«‬المكتسبات‮»‬‭ ‬التي‭ ‬أسفرت‭ ‬عنها‭ ‬نضالات‭ ‬الحركة‭ ‬الأسيرة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬نجاحها‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬‮«‬الإدارة‭ ‬الذاتية‮»‬‭ ‬على‭ ‬شؤون‭ ‬الأسرى‭. ‬

ولعل‭ ‬أبلغ‭ ‬وصف‭ ‬بخصوص‭ ‬‮«‬مخططات‭ ‬هندسة‭ ‬القهر‮»‬‭ ‬المستحدثة‭ ‬والممارسة‭ ‬راهنا‭ ‬ضد‭ ‬أسرانا،‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬مقالة‭ ‬أخيرة‭ ‬للأسير‭ ‬السابق‭ (‬أمير‭ ‬مخول‭) ‬الذي‭ ‬لخص‭ ‬شهادات‭ ‬عدد‭ ‬ممن‭ ‬تم‭ ‬تحريرهم‭ ‬مؤخراً‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬الجوع‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬عن‭ ‬التجويع‭ (‬للأسير‭ ‬الفلسطيني‭)‬،‭ ‬عن‭ ‬القمع‭ ‬والقامعين،‭ ‬عن‭ ‬ملابسه‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يغيرها‭ ‬منذ‭ ‬أشهر،‭ ‬عن‭ ‬فرشاة‭ ‬الأسنان‭ ‬التي‭ ‬اختفت‭ ‬من‭ ‬الوجود‭ ‬وتلتها‭ ‬أوجاع‭ ‬الأسنان‭ ‬واللاعلاج،‭ ‬وعن‭ ‬ندرة‭ ‬الاستحمام،‭ ‬وغسل‭ ‬الملابس‭ ‬الداخلية‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬يرتديها‭ ‬رطبة‭ ‬لتلحق‭ ‬به‭ ‬الأمراض‭ ‬الجلدية‭ ‬الخطيرة،‭ ‬عن‭ ‬النوم‭ ‬جماعيا‭ ‬على‭ ‬مصطبة‭ ‬الزنزانة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬غطاء‭ ‬أو‭ ‬وسادة‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬شيء‭. ‬عن‭ ‬قصص‭ ‬الأسرى‭ ‬الذين‭ ‬قتلهم‭ ‬التعذيب‭ ‬أمام‭ ‬ناظرهم،‭ ‬عن‭ ‬الأسير‭ ‬الذي‭ ‬يخرجونه‭ ‬للتحقيق‭ ‬ليعود‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬وقد‭ ‬بُترت‭ ‬رجله‭ ‬أو‭ ‬يده،‭ ‬وعمّن‭ ‬لم‭ ‬يعودوا‭ ‬أبدا‮»‬‭. ‬

وحقاً،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬القهر‭ ‬الجديد‮»‬‭ ‬له‭ ‬‮«‬في‭ ‬السجن‭ ‬صوت‭ ‬وجلبة‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬السلاسل‭ ‬واندفاع‭ ‬الكلاب‭ ‬الشرسة‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬السجانين‭ ‬ليطلقوا‭ ‬لها‭ ‬العنان‭ ‬على‭ ‬الأسرى،‭ ‬وتتبعها‭ ‬القنابل‭ ‬الغازية‭ ‬وصوت‭ ‬الهراوات‭ ‬تهوي‭ ‬على‭ ‬الأجساد‭ ‬الأسيرة‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬مكبّلة‭ ‬اليدين،‭ ‬وفي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬مكبلة‭ ‬الرجلين‭ ‬ومعصوبة‭ ‬العينين‭.‬

‭ ‬الشيء‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬صوت‭ ‬له،‭ ‬هو‭ ‬القلق‭! ‬فالقلق‭ ‬صامت‭ ‬وخانق؛‭ ‬قلق‭ ‬عائلة‭ ‬الأسير‭ ‬عليه،‭ ‬فلا‭ ‬زيارة‭ ‬عائلية،‭ ‬ولا‭ ‬زيارة‭ ‬ممثلي‭ ‬الصليب‭ ‬الأحمر،‭ ‬وتضييق،‭ ‬ومنع‭ ‬زيارات‭ ‬المحامين،‭ ‬ولا‭ ‬علم‭ ‬لهم‭ ‬أين‭ ‬وكيف‮»‬‭.‬

ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬سجون‭ ‬الاحتلال‭ ‬يُعطي‭ ‬صورة‭ ‬جلية‭ ‬إضافية‭ ‬لبعض‭ ‬جرائم‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬تجاه‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬الأهل‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وذلك‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬عمليات‭ ‬المحو‭ ‬المستمرة‭ ‬لعموم‭ ‬فلسطينيي‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة،‭ ‬تصاعدت‭ ‬حملات‭ ‬الاعتقال‭ ‬الممنهجة‭ ‬والتي‭ ‬طالت‭ ‬كل‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬من‭ ‬منظومة‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لتقويض‭ ‬أي‭ ‬حالة‭ ‬نضالية‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخ‭ ‬حق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيره‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬أسرى‭ ‬فلسطين‭ ‬خاضوا،‭ ‬ولا‭ ‬يزالون،‭ ‬معارك‭ ‬قاسية‭ ‬ومستمرة‭ ‬وهم‭ ‬يرددون‭: ‬‮«‬يا‭ ‬ظلام‭ ‬السجن‭ ‬خيّم‮…‬‭. ‬إننا‭ ‬نهوى‭ ‬الظلاما،‭ ‬ليس‭ ‬بعد‭ ‬الليل‭ ‬إلا‭ ‬فجر‭ ‬مجد‭ ‬يتسامى‭!‬‮»‬‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا