العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٥ - الاثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

وقفات إيجابية نحو السلام الداخلي

بقلم: د. سعد الله المحمدي

الثلاثاء ٢٣ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

النفوس‭ ‬المطمئنة‭ ‬هي‭ ‬أقلّ‭ ‬النفوس‭ ‬عددا،‭ ‬وأعظمها‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬قدرا،‭ ‬والسلامُ‭ ‬الداخلي،‭ ‬والأمانُ‭ ‬النفسي،‭ ‬وصفاء‭ ‬الخاطر،‭ ‬وسكينة‭ ‬القلب‭ ‬نعمةٌ‭ ‬عظيمة،‭ ‬بينما‭ ‬القلقُ‭ ‬والاضطراب‭ ‬وجلد‭ ‬الذات‭ ‬وحمل‭ ‬الحقد‭ ‬والضغينة‭ ‬سمومٌ‭ ‬داخلية‭ ‬وأمراض‭ ‬نفسية‭ ‬تؤثّر‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬صحّة‭ ‬الإنسان‭ ‬وإنتاجه‭ ‬ومزاجه‭ ‬وعلاقاته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.‬

وإن‭ ‬من‭ ‬ألدّ‭ ‬أعداء‭ ‬السلام‭ ‬الداخلي‭ ‬وأشدّه‭ ‬فتكا‭ ‬هو‭ ‬شعور‭ ‬الإنسان‭ ‬المستمر‭ ‬بالتعاسة‭ ‬والحزن‭ ‬والكآبة‭ ‬وتأنيب‭ ‬الضمير‭ ‬والإحساس‭ ‬الدائم‭ ‬بالذنب‭ ‬تجاه‭ ‬موقف،‭ ‬أو‭ ‬كلمة،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أيّ‭ ‬سبب‭ ‬بيّن‭ ‬وواضح‭.‬

وأود‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لي‭ ‬وقفات‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬النقاط‭ ‬الآتية‭:‬

1‭ - ‬اعلم‭ ‬أن‭ ‬القلب‭ ‬الممتّع‭ ‬بالسلام‭ ‬يرى‭ ‬عُرسا‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬القٌرى‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المثل،‭ ‬وأنّه‭ ‬لا‭ ‬سلام‭ ‬ولا‭ ‬أمان‭ ‬ولا‭ ‬سكينة‭ ‬ولا‭ ‬استقرار‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬والعودة‭ ‬إليه،‭ ‬وأنّ‭ ‬المؤمن‭ ‬المخلص‭ ‬لله‭ ‬من‭ ‬أطيب‭ ‬الناس‭ ‬عيشًا،‭ ‬وأنعمهم‭ ‬بالا،‭ ‬وأشرحهم‭ ‬صدرًا،‭ ‬وأسرّهم‭ ‬قلبًا،‭ ‬وهذه‭ ‬جَنّةٌ‭ ‬عاجلة‭ ‬قبل‭ ‬الجنّة‭ ‬الآجلة،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬العلامة‭ ‬ابن‭ ‬القيم‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭.‬

2‭ - ‬تذكر‭ ‬أن‭ ‬الخطأ‭ ‬والزلل‭ ‬والنقصان‭ ‬واردٌ‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬وأنك‭ ‬واحد‭ ‬منهم،‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تصيب‭ ‬وتخطئ،‭ ‬وتنجح‭ ‬وتخفق،‭ ‬وأن‭ ‬تمرّ‭ ‬بمواقف‭ ‬تتبلور‭ ‬فيها‭ ‬كالنّجم‭ ‬الساطع،‭ ‬وأخرى‭ ‬لا‭ ‬تصل‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬المستوى‭ ‬المطلوب،‭ ‬وهكذا‭ ‬جميعُ‭ ‬البشر‭ ‬تعتريهم‭ ‬حالات‭ ‬ضَعْفٍ‭ ‬وقوّة،‭ ‬وفرَحٍ‭ ‬وحُزن،‭ ‬وسعادة‭ ‬وبؤسٍ،‭ ‬فلا‭ ‬يصل‭ ‬بك‭ ‬الشعور‭ ‬بالندم‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬التأنيب‭ ‬المتواصل،‭ ‬فهو‭ ‬مَدْخلٌ‭ ‬من‭ ‬مداخل‭ ‬الشيطان‭ ‬يُدخل‭ ‬منه‭ ‬الهمّ‭ ‬والحزن‭ ‬واليأس‭ ‬والقنوط‭ ‬إلى‭ ‬القلوب‭.‬

3‭ - ‬توقّف‭ ‬عن‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬تقدير‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬تُسبّب‭ ‬الشعور‭ ‬بالندم‭ ‬وعدم‭ ‬الارتياح،‭ ‬واعلم‭ ‬أنّ‭ ‬جلد‭ ‬الذات،‭ ‬وإلقاء‭ ‬محاضرة‭ ‬على‭ ‬نفسك‭ ‬حول‭ ‬الخطأ‭ ‬الذي‭ ‬ارتكبته‭ ‬لن‭ ‬يصحّح‭ ‬المسار‭ ‬ولن‭ ‬يعدل‭ ‬النتائج،‭ ‬واعلم‭ ‬أنّك‭ ‬لستَ‭ ‬الأفضل‭ ‬ولست‭ ‬الأسوأ‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض‭ ‬فلا‭ ‬تؤذي‭ ‬نفسك‭ ‬بكثرة‭ ‬التفكير،‭ ‬بل‭ ‬عِش‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬سلامٍ‭ ‬وتصالح‭ ‬ووئام،‭ ‬فإنّ‭ ‬لنفسك‭ ‬عليك‭ ‬حقّا‭.‬

4‭ - ‬اعتبر‭ ‬الموقف‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬لك‭ ‬أمرا‭ ‬طارئا‭ ‬كما‭ ‬يحصل‭ ‬لجميع‭ ‬البشر،‭ ‬ولا‭ ‬تغلق‭ ‬باب‭ ‬الأمل‭ ‬والاستبشار،‭ ‬والرجاء‭ ‬والتّيمن‭ ‬مع‭ ‬التوبة‭ ‬والاستغفار‭ ‬وصدق‭ ‬النية‭ ‬وحسن‭ ‬العمل،‭ ‬وركّز‭ ‬على‭ ‬أهدافك‭ ‬القادمة،‭ ‬وانخرط‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬النافعة‭ ‬التي‭ ‬تفيدك‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة،‭ ‬واستفد‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬والتجارب‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬مستواك‭ ‬وترتيب‭ ‬أمورك‭ ‬وتنمية‭ ‬مهاراتك‭ ‬وتنظيم‭ ‬ملفاتك‭ ‬وتحبير‭ ‬كلماتك‭ ‬وتقليل‭ ‬هفواتك،‭ ‬واعمل‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬‮«‬أحيانا‭ ‬أفوز‭ ‬وأحيانا‭ ‬ليس‭ ‬أخسر‭ ‬بل‭ ‬أتعلّم‮»‬‭.‬

5‭ - ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الشعور‭ ‬بجلد‭ ‬الذات‭ ‬يتعلقّ‭ ‬بأحداث‭ ‬ووقائع‭ ‬حصلت‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬فلا‭ ‬داع‭ ‬لتكرارها‭ ‬وتذّكُرها‭ ‬والوقوف‭ ‬على‭ ‬أطلالها‭ ‬العتيقة،‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬لن‭ ‬تفيدك‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬بل‭ ‬ستزيدك‭ ‬ألما‭ ‬وحزنا،‭ ‬حاول‭ ‬تجنّب‭ ‬الذكريات‭ ‬الأليمة‭ ‬وارض‭ ‬بقضاء‭ ‬الله‭ ‬وقدره‭ ‬واحمده‭ ‬عليها‭.‬

6‭ - ‬ابتعد‭ ‬عن‭ ‬الكسل‭ ‬والخمول،‭ ‬ومارس‭ ‬النشاط‭ ‬والجدّ‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬واهتم‭ ‬بالرياضة،‭ ‬وساهم‭ ‬في‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ذات‭ ‬النفع‭ ‬العام‭ ‬التي‭ ‬تعطيك‭ ‬دافعيّة‭ ‬وحلاوة‭ ‬ولذّة‭.‬

7‭ - ‬هناك‭ ‬فرق‭ ‬بسيط‭ ‬بين‭ ‬جلد‭ ‬الذات‭ ‬ومحاسبة‭ ‬النفس،‭ ‬فجلد‭ ‬الذات‭ ‬مرفوض،‭ ‬بينما‭ ‬محاسبة‭ ‬النفس‭ ‬مطلوبة‭ ‬ومرغوبة،‭ ‬وقد‭ ‬ذكر‭ ‬العلامة‭ ‬ابن‭ ‬القيم‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬فوائد‭ ‬المحاسبة‭: ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬عيوب‭ ‬النفس‭ ‬وإصلاحها،‭ ‬ومعرفة‭ ‬حق‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عليها،‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬العُجب‭ ‬والرياء‭ ‬وأمراض‭ ‬القلوب،‭ ‬وفتح‭ ‬باب‭ ‬الخضوع‭ ‬والذّل‭ ‬والانكسار‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭.‬

شمعة‭ ‬أخيرة‭:‬

إن‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬شعَثٌ‭ ‬لا‭ ‬يلمُّه‭ ‬إلا‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬الله،‭ ‬وفيه‭ ‬وحشةٌ‭ ‬لا‭ ‬يُزيلها‭ ‬إلا‭ ‬الأُنس‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬خَلوته،‭ ‬وفيه‭ ‬حزنٌ‭ ‬لا‭ ‬يُذهبِه‭ ‬إلّا‭ ‬السُّرور‭ ‬بمعرفته‭ ‬وصدق‭ ‬معاملته،‭ ‬وفيه‭ ‬قلقٌ‭ ‬لا‭ ‬يسكِّنه‭ ‬إلّا‭ ‬الاجتماع‭ ‬عليه،‭ ‬والفرار‭ ‬منه‭ ‬إليه،‭ ‬وفيه نيران‭ ‬حسراتٍ‭ ‬لا‭ ‬يطفئها‭ ‬إلّا‭ ‬الرِّضا‭ ‬بأمره‭ ‬ونهيه‭ ‬وقضائه‭. (‬ابن‭ ‬القيم،‭ ‬مدارج‭ ‬السالكين‭ ‬ج‭ ‬4‭ ‬ص‭: ‬17‭) ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا