العدد : ١٦٨٤١ - الخميس ٠٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤١ - الخميس ٠٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

قيمة الإنسان.. بين المنظومة الغربية والقيم الإسلامية

بقلم: مصطفى عاشور {

الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬القرنين‭ ‬الأخيرين،‭ ‬لم‭ ‬تحدث‭ ‬مواكبة‭ ‬من‭ ‬الفقه‭ ‬والفكر‭ ‬الإسلامي‭ ‬لحركة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬مقارنة‭ ‬بالتطور‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬شهدته‭ ‬التجربة‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأفكار‭ ‬والمؤسسات‭ ‬والتطبيق،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬إهدار‭ ‬قيمة‭ ‬الإنسان‭ ‬وحقوقه‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬ألقى‭ ‬بظلاله‭ ‬القاتمة‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬عطاء‭ ‬الإسلام‭ ‬للإنسان‭ ‬كقيمة‭ ‬وحقوق،‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬التناقض‭ ‬الصارخ‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الكثيرين‭ ‬يظنون‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تقزماً‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬المعرفية‭ ‬الإسلامية‭ ‬تجاه‭ ‬الإنسان‭.‬

ترتبط‭ ‬قيمة‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬المعرفية‭ ‬برؤية‭ ‬تلك‭ ‬المنظومة‭ ‬للذات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وبالحقوق‭ ‬المكفولة‭ ‬لها؛‭ ‬كالحق‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬والحرية‭ ‬والمساواة‭ ‬والعدل‭ ‬والكرامة‭ ‬والأمن‭ ‬وتوفر‭ ‬سبل‭ ‬العيش‭.‬

أما‭ ‬تعرية‭ ‬الذات‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬قيمتها‭ ‬هو‭ ‬إضعاف‭ ‬للوجود‭ ‬الإنساني،‭ ‬وشطب‭ ‬للاستخلاف‭ ‬الإلهي‭ ‬للإنسان‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬ما‭ ‬يهدر‭ ‬قيمة‭ ‬الإنسان‭ ‬هو‭ ‬إجباره‭ ‬على‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬أبعاده‭ ‬الروحية،‭ ‬وإحلال‭ ‬الأشياء‭ ‬المادية‭ ‬مكانها،‭ ‬فتلك‭ ‬المساعي‭ ‬تضع‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬حفرة‭ ‬ضيقة،‭ ‬وتغلق‭ ‬رؤيته‭ ‬الكونية‭ ‬العلوية‭ ‬السماوية،‭ ‬وتقرن‭ ‬قيمته‭ ‬بالمنفعة‭ ‬منه،‭ ‬وتقصر‭ ‬الحضور‭ ‬الإنساني‭ ‬بين‭ ‬حدي‭ ‬اللذة‭ ‬والمنفعة،‭ ‬وكلاهما‭ ‬‮«‬يُشَيِّئ‮»‬‭ ‬الإنسان؛‭ ‬أي‭ ‬يجعله‭ ‬شيئاً‭ ‬مادياً‭.‬

تعرية‭ ‬الذات‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬قيمتها‭ ‬إضعاف‭ ‬للوجود‭ ‬الإنساني‭ ‬وشطب‭ ‬للاستخلاف‭ ‬الإلهي‭ ‬له،‭ ‬والقيمة‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬الجوهر،‭ ‬وهي‭ ‬ما‭ ‬يُعطي‭ ‬الشيء‭ ‬أهميته‭ ‬ومكانته،‭ ‬وترتبط‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الإنساني‭ ‬غالباً‭ ‬بغير‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مادي‭ ‬ومحسوس،‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬متجاوز‭ ‬للمادة،‭ ‬أما‭ ‬المادة‭ ‬فترتبط‭ ‬غالباً‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مُستهلك‭ ‬ومؤقت‭ ‬وحسي‭ ‬ومرتكز‭ ‬على‭ ‬الإشباع‭ ‬واللذة‭ ‬والمنفعة‭.‬

ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬الطبيب‭ ‬النفسي‭ ‬فيكتور‭ ‬إي‭ ‬فرانكل،‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬بحث‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬المعنى‮»‬،‭ ‬بتأكيده‭ ‬أن‭ ‬المادية‭ ‬نظرت‭ ‬إلى‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬المنفعة‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬القيمة‭ ‬المرتكزة‭ ‬على‭ ‬الكرامة،‭ ‬فيقول‭: ‬‮«‬مجتمع‭ ‬اليوم‭ ‬يتميز‭ ‬بالتوجه‭ ‬نحو‭ ‬الإنجاز،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهو‭ ‬يعشق‭ ‬الناجحين‭ ‬والسعداء،‭ ‬ويعشق‭ ‬الشباب‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬ويتجاهل،‭ ‬فعلياً،‭ ‬قيمة‭ ‬كل‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬ذلك،‭ ‬وبذلك‭ ‬يطمس‭ ‬الفرق‭ ‬الحاسم‭ ‬بين‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ذا‭ ‬قيمة‭ ‬بمعنى‭ ‬الكرامة،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬ذا‭ ‬قيمة‭ ‬بمعنى‭ ‬المنفعة،‭ ‬إن‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬كرامة‭ ‬الإنسان‭ ‬ومجرد‭ ‬المنفعة،‭ ‬ينشأ‭ ‬من‭ ‬الارتباك‭ ‬المفاهيمي،‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬إرجاعه‭ ‬بدوره‭ ‬إلى‭ ‬العدمية‭ ‬المعاصرة‭.‬‮«‬

ولعل‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬الجوهرية‭ ‬التي‭ ‬لمسها‭ ‬فرانكل‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬المنظومة‭ ‬المعرفية‭ ‬الغربية‭ ‬تتفهم‭ ‬وتبرر‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أسمته‭ ‬‮«‬القتل‭ ‬الرحيم‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬طبقته‭ ‬ألمانيا‭ ‬النازية،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬مضمونه‭ ‬عن‭ ‬القتل‭ ‬الرحيم‭ ‬الذي‭ ‬سمحت‭ ‬به‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬لذوي‭ ‬الأمراض‭ ‬المزمنة‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬حياتهم‭.‬

أما‭ ‬قيمة‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬خاصة‭ ‬الرقمية،‭ ‬فإنها‭ ‬شهدت‭ ‬تراجعاً‭ ‬كبيراً،‭ ‬فتلك‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬باتت‭ ‬سؤالاً‭ ‬فلسفياً‭ ‬بعدما‭ ‬أعادت‭ ‬تشكيل‭ ‬الإنسان،‭ ‬ولكن‭ ‬وفق‭ ‬منطق‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الإنسان‭ ‬كقيمة‭ ‬في‭ ‬ذاته،‭ ‬بل‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬بُعد‭ ‬واحد،‭ ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬الفيلسوف‭ ‬هربرت‭ ‬ماركوز،‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الإنسان‭ ‬ذو‭ ‬البعد‭ ‬الواحد‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬النظر‭ ‬إهدار‭ ‬لقيمة‭ ‬ذلك‭ ‬الإنسان،‭ ‬الذي‭ ‬جارت‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬فصارت‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬بُعده‭ ‬الروحي،‭ ‬مع‭ ‬تغلغلها‭ ‬في‭ ‬مناشط‭ ‬الإنسان‭ ‬وجوانب‭ ‬حياته،‭ ‬لذا‭ ‬بدت‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬ككيان‭ ‬مستقل‭ ‬على‭ ‬الإنسان،‭ ‬بل‭ ‬كيان‭ ‬مسيطر‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭.‬

التكنولوجيا‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬إضعاف‭ ‬قيمة‭ ‬الإنسان‭ ‬المعاصر‭ ‬واغترابه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تحولت‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬إلى‭ ‬سجن‭ ‬للإنسان،‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬ينعزل‭ ‬عنها،‭ ‬أو‭ ‬ينفك‭ ‬من‭ ‬أسرها،‭ ‬فانتقل‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬سيداً‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬ليكون‭ ‬خاضعاً‭ ‬لمنطق‭ ‬الآلة‭ ‬ذات‭ ‬القلب‭ ‬الحديدي،‭ ‬فالتكنولوجيا‭ ‬لم‭ ‬تعطِ‭ ‬أي‭ ‬قيمة‭ ‬للإنسان،‭ ‬فحسب‭ ‬الفيلسوف‭ ‬مارتن‭ ‬هايدجر،‭ ‬فإن‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬أداة؛‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬وسيلة‭ ‬لفهم‭ ‬العالم،‭ ‬وتطورت‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬سيطرة‭ ‬الإنسان،‭ ‬وبات‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬العالم‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلالها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬حجبت‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬ذاته‭ ‬وعن‭ ‬العالم،‭ ‬وهذا‭ ‬الحجب‭ ‬إهدار‭ ‬لقيمة‭ ‬الإنسان‭.‬

فالتكنولوجيا،‭ ‬حسب‭ ‬مفكرين‭ ‬غربيين،‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬إضعاف‭ ‬قيمة‭ ‬الإنسان‭ ‬المعاصر،‭ ‬ولها‭ ‬مسؤوليتها‭ ‬عن‭ ‬‮«‬تَشَيُّؤ‮»‬‭ ‬الإنسان‭ ‬واغترابه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬فـ«تَشَيُّؤ‮»‬‭ ‬الإنسان‭ ‬يلغي‭ ‬كرامته‭ ‬التي‭ ‬منحها‭ ‬له‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬أما‭ ‬اغترابه‭ ‬فيلغي‭ ‬دوره‭ ‬الاستخلافي‭ ‬في‭ ‬الكون؛‭ ‬لذا‭ ‬انكمش‭ ‬الحضور‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لصالح‭ ‬الآلة،‭ ‬وتراجع‭ ‬استقلال‭ ‬الإنسان‭ ‬الذاتي‭ ‬مع‭ ‬اعتماده‭ ‬الواسع‭ ‬على‭ ‬الآلة،‭ ‬وانعكست‭ ‬تلك‭ ‬التحولات‭ ‬على‭ ‬تغير‭ ‬مكانة‭ ‬الإنسان‭ ‬وعلاقته‭ ‬مع‭ ‬الكون‭ ‬والطبيعة،‭ ‬فإنسان‭ ‬الماضي‭ ‬ولى‭ ‬ولا‭ ‬رجعة‭ ‬له،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬إلا‭ ‬تراجع‭ ‬تلك‭ ‬القيمة‭ ‬الفريدة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬الإنسان‭ ‬باعتباره‭ ‬ذاتاً‭ ‬مستقلة،‭ ‬وباعتباره‭ ‬سيداً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭.‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬تحدث‭ ‬عنه‭ ‬د‭. ‬عبدالوهاب‭ ‬المسيري‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬التفكير‭ ‬المادي‭ ‬يرى‭ ‬أسبقية‭ ‬الطبيعة‭ ‬على‭ ‬الإنسان،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفرض‭ ‬خضوع‭ ‬الإنسان‭ ‬لقوانين‭ ‬الطبيعة‭ ‬وحتمياتها،‭ ‬لكن‭ ‬الرؤية‭ ‬الإيمانية‭ ‬الدينية‭ ‬ترى‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬للطبيعة‭ ‬الأسبقية‭ ‬في‭ ‬الخلق،‭ ‬فإن‭ ‬للإنسان‭ ‬الأفضلية‭ ‬بالتكريم‭ ‬الإلهي،‭ ‬ولذلك‭ ‬فالفلسفة‭ ‬المادية‭ ‬مُعادية‭ ‬للإنسان،‭ ‬عندما‭ ‬ساوت‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬والطبيعة،‭ ‬فحولته‭ ‬إلى‭ ‬شيء،‭ ‬واختزلته‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬المادي‭.‬

وتذهب‭ ‬الرؤية‭ ‬الإسلامية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬سيد‭ ‬في‭ ‬الكون،‭ ‬وأنه‭ ‬تشرف‭ ‬بأن‭ ‬نفخ‭ ‬فيه‭ ‬الخالق‭ ‬سبحانه‭ ‬تعالى‭ ‬من‭ ‬روحه،‭ ‬فهو‭ ‬كائن‭ ‬مكرم‭ ‬في‭ ‬ذاته،‭ ‬وجاءت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الآيات‭ ‬والأحاديث‭ ‬النبوية‭ ‬لتؤكد‭ ‬تلك‭ ‬الحقيقة،‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬وَلَقَدْ‭ ‬كَرَّمْنَا‭ ‬بَنِي‭ ‬آدَمَ‭) (‬الإسراء‭: ‬70‭): ‬وقد‭ ‬كرم‭ ‬الله‭ ‬هذا‭ ‬المخلوق‭ ‬البشري‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬خلقه؛‭ ‬كرمه‭ ‬بخلقته‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الهيئة،‭ ‬بهذه‭ ‬الفطرة،‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الطين‭ ‬والنفخة،‭ ‬فتجمع‭ ‬بين‭ ‬الأرض‭ ‬والسماء‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الكيان‭.‬

الإنسان‭ ‬في‭ ‬الرؤية‭ ‬الإسلامية‭ ‬سيد‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬وتشرَّف‭ ‬بأن‭ ‬نفخ‭ ‬فيه‭ ‬الخالق‭ ‬من‭ ‬روحه‭ ‬وكرمه‭ ‬بالاستعدادات‭ ‬التي‭ ‬أودعها‭ ‬فطرته،‭ ‬التي‭ ‬استأهل‭ ‬بها‭ ‬الخلافة‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬يغير‭ ‬فيها‭ ‬ويبدل،‭ ‬وينتج‭ ‬فيها‭ ‬وينشئ،‭ ‬ويركب‭ ‬فيها‭ ‬ويحلل،‭ ‬ويبلغ‭ ‬بها‭ ‬الكمال‭ ‬المقدر‭ ‬للحياة‭.‬

وكرمه‭ ‬بتسخير‭ ‬القوى‭ ‬الكونية‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬وإمداده‭ ‬بعون‭ ‬القوى‭ ‬الكونية‭ ‬في‭ ‬الكواكب‭ ‬والأفلاك،‭ ‬وكرمه‭ ‬بذلك‭ ‬الاستقبال‭ ‬الفخم‭ ‬الذي‭ ‬استقبله‭ ‬به‭ ‬الوجود،‭ ‬وبذلك‭ ‬الموكب‭ ‬الذي‭ ‬تسجد‭ ‬فيه‭ ‬الملائكة،‭ ‬ويعلن‭ ‬فيه‭ ‬الخالق،‭ ‬جل‭ ‬شأنه،‭ ‬تكريم‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭! ‬وكرمه‭ ‬بإعلان‭ ‬هذا‭ ‬التكريم‭ ‬كله‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬المنزل‭ ‬من‭ ‬الملأ‭ ‬الأعلى‭ ‬الباقي‭ ‬في‭ ‬الأرض؛‭ ‬القرآن‭.‬‮«‬

وفي‭ ‬التطبيق‭ ‬النبوي‭ ‬لقيمة‭ ‬الفرد،‭ ‬أنه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬وقف‭ ‬حينما‭ ‬مرت‭ ‬به‭ ‬جنازة‭ ‬يهودي،‭ ‬وعندما‭ ‬تعجب‭ ‬أصحابه‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬قال‭ ‬لهم‭: ‬‮«‬أليست‭ ‬نفساً؟‮«‬

أما‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬فيقول‭ ‬في‭ ‬تاريخه،‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬القيمة‭ ‬التي‭ ‬يحظى‭ ‬بها‭ ‬الإنسان‭: ‬‮«‬والإنسان‭ ‬رئيس‭ ‬بطبعه،‭ ‬بمقتضى‭ ‬الاستخلاف‭ ‬الذي‭ ‬خُلق‭ ‬له‮«‬‭.‬

وفي‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬الأبتر‭ ‬إلى‭ ‬الإنسان‭ ‬الكوثر‮»‬،‭ ‬ينتقد‭ ‬الفيلسوف‭ ‬طه‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬تجزئة‭ ‬مدارك‭ ‬الإنسان،‭ ‬فهذه‭ ‬التجزئة‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬إضعاف‭ ‬لقيمة‭ ‬الإنسان،‭ ‬لأنها‭ ‬تلغي‭ ‬إحياء‭ ‬الروح‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬مستودع‭ ‬الأسرار‭ ‬والوجود،‭ ‬وحسب‭ ‬عبدالرحمن،‭ ‬فخفض‭ ‬قيمة‭ ‬الإنسان‭ ‬بتحويله‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬الآلة‭ ‬والسلعة‭ ‬والمعلومة؛‭ ‬لأن‭ ‬الأصل‭ ‬في‭ ‬الآلة‭ ‬التجريد‭ ‬والتجزئة،‭ ‬أما‭ ‬السلعة‭ ‬فمبناها‭ ‬على‭ ‬الثمن‭ ‬والربح،‭ ‬والمعلومة‭ ‬مبناها‭ ‬على‭ ‬الرقم‭ ‬والافتراض،‭ ‬وهذا‭ ‬يُخفض‭ ‬قيمة‭ ‬الوجود‭ ‬الإنساني‭ ‬ويضيقه‭.‬

أما‭ ‬الإسلام‭ ‬فشأن‭ ‬آخر‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬قيمة‭ ‬الإنسان،‭ ‬فكما‭ ‬يقول‭ ‬عبدالرحمن‭: ‬‮«‬وتجديد‭ ‬الإنسان‭ ‬إنما‭ ‬يكون‭ ‬بإخراجه‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬الآلة‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬الآية،‭ ‬ومن‭ ‬وضع‭ ‬السلعة‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬الهبة،‭ ‬ومن‭ ‬وضع‭ ‬المعلومة‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬النفحة؛‭ ‬أي‭ ‬الفطرة‮»‬،‭ ‬وبذلك‭ ‬تتكامل‭ ‬عناصر‭ ‬الوجود‭ ‬ومعانيها‭ ‬في‭ ‬الإنسان،‭ ‬ويحظى‭ ‬بالتكريم‭ ‬والقيمة‭.‬

 

{ باحث‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا