العدد : ١٦٨٤١ - الخميس ٠٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤١ - الخميس ٠٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

إلى أين تتجه الجولة الحالية من الصراع مع إسرائيل؟

بقلم: د. حسن نافعة {

الخميس ١٨ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

ليست‭ ‬الحرب‭ ‬المشتعلة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وقطاع‭ ‬غزّة‭ ‬بؤرتها‭ ‬الرئيسية،‭ ‬أولى‭ ‬جولات‭ ‬الصراع‭ ‬المسلّح‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬والكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬ولن‭ ‬تكون‭ ‬آخرها،‭ ‬فمنذ‭ ‬إعلان‭ ‬قيام‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬14‭ ‬مايو‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬خاض‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬مواجهته‭ ‬عشرات‭ ‬الجولات‭ ‬القتالية‭. ‬أولاها‭ ‬دارت‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬1948،‭ ‬ثم‭ ‬انتقلت‭ ‬المواجهة‭ ‬إلى‭ ‬الساحة‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬1956،‭ ‬ثم‭ ‬اتسعت‭ ‬المواجهة‭ ‬لتشمل‭ ‬في‭ ‬1967‭ ‬ثلاث‭ ‬ساحات‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬مصرية‭ ‬وسورية‭ ‬وأردنية،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتقلص‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬لتقتصر‭ ‬على‭ ‬الساحتين‭ ‬المصرية‭ ‬والسورية‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬1973،‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬آخر‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬تشارك‭ ‬فيها‭ ‬جيوش‭ ‬عربية‭ ‬نظامية‭.‬

‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬انتقلت‭ ‬المواجهات‭ ‬المسلحة‭ ‬إلى‭ ‬أيدي‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة،‭ ‬وأصبح‭ ‬لبنان‭ ‬الساحة‭ ‬التي‭ ‬دارت‭ ‬فوقها‭ ‬معظم‭ ‬الجولات‭ ‬القتالية‭ ‬من‭ ‬1978‭ ‬إلى‭ ‬2006،‭ ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنتقل‭ ‬إلى‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭ ‬الذي‭ ‬دارت‭ ‬فوق‭ ‬ساحته‭ ‬كل‭ ‬جولات‭ ‬القتال‭ ‬من‭ ‬2008‭ ‬إلى‭ ‬2023‭. ‬أما‭ ‬الجولة‭ ‬الحالية،‭ ‬والتي‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬انطلاق‭ ‬عملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬في‭ ‬7‭/‬10‭/‬2023‭ ‬ودارت‭ ‬رحاها‭ ‬فوق‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭ ‬في‭ ‬48‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينتقل‭ ‬رحاها‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬إلى‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة،‭ ‬فيمكن‭ ‬القول‭ ‬إنها‭ ‬تختلف‭ ‬نوعيًّا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبقها‭ ‬من‭ ‬جولات،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الدوافع‭ ‬التي‭ ‬تسبّبت‭ ‬في‭ ‬اندلاعها،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬نوعية‭ ‬الأطراف‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬المنخرطة‭ ‬فيها‭ ‬وعددها،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬استغرقتها،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬النتائج‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬التي‭ ‬تمخّضت‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬تتمخّض‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬

في‭ ‬وسع‭ ‬كلّ‭ ‬متأملٍ‭ ‬لتاريخ‭ ‬الصراع‭ ‬المسلح‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬وإسرائيل‭ ‬أن‭ ‬يستخلص‭ ‬مجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الحقائق،‭ ‬يمكن‭ ‬عرض‭ ‬أهمها‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭: ‬

الأولى‭: ‬تتعلّق‭ ‬بضرورة‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬مرحلتيْن‭ ‬مختلفتين‭ ‬نوعيا،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬طبيعة‭ ‬القوى‭ ‬المشاركة‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬الأقل‭. ‬تشمل‭ ‬الأولى‭ ‬الفترة‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1948‭ ‬و1973‭. ‬وتشمل‭ ‬الثانية‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬نهاية‭ ‬حرب‭ ‬1973‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم‭. ‬ففي‭ ‬الأولى،‭ ‬اقتصرت‭ ‬جولات‭ ‬الصراع‭ ‬المسلّح‭ ‬على‭ ‬جيوش‭ ‬نظامية‭ ‬تابعة‭ ‬لدول‭ ‬اختلف‭ ‬عدُدها‭ ‬من‭ ‬جولةٍ‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬وانتهت‭ ‬بهزائم‭ ‬عسكرية‭ ‬أو‭ ‬سياسية‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬نتائج‭ ‬وخيمة،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬الصراع‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬مجمل‭ ‬الأوضاع‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬فحرب‭ ‬48‭ ‬مكّنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬احتلال‭ ‬مساحة‭ ‬تزيد‭ ‬بنسبة‭ ‬50%‭ ‬عن‭ ‬المساحة‭ ‬المقرّرة‭ ‬للدولة‭ ‬اليهودية‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬تقسيم‭ ‬فلسطين‭ ‬لعام‭ ‬1947‭. ‬ورغم‭ ‬توقيع‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬اتفاقيات‭ ‬منفصلة‭ ‬للهدنة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يحُل‭ ‬دون‭ ‬حرصها‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬التوسّع،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬باحتلال‭ ‬قرية‭ ‬أم‭ ‬الرشراش‭ ‬المصرية‭ (‬إيلات‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬بضم‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬مائتي‭ ‬كم‭ ‬مربع‭ ‬من‭ ‬المساحة‭ ‬المخصّصة‭ ‬لقطاع‭ ‬غزّة‭ ‬في‭ ‬اتفاقية‭ ‬الهدنة‭ ‬الموقعة‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وإسرائيل‭ ‬عام‭ ‬1949‭. ‬

وبعد‭ ‬حرب‭ ‬1956،‭ ‬أصبح‭ ‬بمقدور‭ ‬السفن‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المرور‭ ‬عبر‭ ‬مضيق‭ ‬باب‭ ‬المندب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متاحا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬وفي‭ ‬حرب‭ ‬1967،‭ ‬تمكّنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬استكمال‭ ‬احتلالها‭ ‬ما‭ ‬تبقّى‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬سيناء‭ ‬المصرية‭ ‬وهضبة‭ ‬الجولان‭ ‬السورية‭. ‬

ورغم‭ ‬الانتصار‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬حقّقه‭ ‬الجيشان‭ ‬المصري‭ ‬والسوري‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬حرب‭ ‬1973،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬استعادة‭ ‬سيناء‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬معاهدة‭ ‬سلام‭ ‬منفصلة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬عام‭ ‬1979‭. ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬هضبة‭ ‬الجولان‭ ‬السورية‭ ‬محتلة،‭ ‬وعجزت‭ ‬سورية‭ ‬عن‭ ‬تحريرها‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭: ‬وهي‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬1973،‭ ‬اقتصرت‭ ‬جولات‭ ‬القتال‭ ‬التي‭ ‬اندلعت‭ ‬خلالها‭ ‬على‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلّحة‭ ‬وحدها،‭ ‬وهي‭ ‬فصائل‭ ‬مستقلة‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬للأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬الرسمية،‭ ‬ولم‭ ‬تستطع‭ ‬إسرائيل‭ ‬خلال‭ ‬أيٍّ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المواجهات‭ ‬فرض‭ ‬إرادتها‭ ‬على‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬منها‭ ‬أقوى‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭.‬

الحقيقة‭ ‬الثانية‭: ‬تتعلق‭ ‬بالمسار‭ ‬الذي‭ ‬سلكه‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬وإسرائيل‭. ‬ففي‭ ‬تقديري‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬شهد‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬رئيسية،‭ ‬حين‭ ‬قرّرت‭ ‬إسرائيل‭ ‬اجتياح‭ ‬بيروت‭ ‬عام‭ ‬1982،‭ ‬وأصرّت‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬إخراج‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬لبنان‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬معاهدة‭ ‬سلام‭ ‬بالقوة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العربي،‭ ‬فقد‭ ‬تبيّن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬تحديداً،‭ ‬وبما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالا‭ ‬لأي‭ ‬شك،‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وليست‭ ‬مهتمّة‭ ‬بالبحث‭ ‬عن‭ ‬تسوية‭ ‬حقيقية‭ ‬ومتوازنة‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭.‬

الحقيقة‭ ‬الثالثة‭: ‬تتعلق‭ ‬بموقع‭ ‬الجولة‭ ‬الحالية‭ ‬من‭ ‬القتال‭ ‬على‭ ‬خريطة‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الممتدّ‭ ‬نحو‭ ‬قرن،‭ ‬وبتأثيراتها‭ ‬المحتملة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬ففي‭ ‬هذه‭ ‬الجولة‭ ‬تمكّن‭ ‬فصيل‭ ‬فلسطيني‭ ‬بعينه،‭ ‬ولأول‭ ‬مرّة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬من‭ ‬أخذ‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة‭ ‬بيده‭ ‬والإقدام‭ ‬على‭ ‬اقتحام‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭ ‬قبل‭ ‬1948،‭ ‬عبر‭ ‬هجوم‭ ‬كاسح‭ ‬جرى‭ ‬شنّه‭ ‬على‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭ ‬اعتمادا‭ ‬على‭ ‬قدراته‭ ‬وإمكاناته‭ ‬الذاتية‭ ‬وحدها،‭ ‬تخطيطاً‭ ‬وتنفيذاً‭ ‬ومتابعة،‭ ‬ما‭ ‬أجبر‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬العربية‭ ‬والإقليمية‭ ‬والعالمية‭ ‬المعنيّة‭ ‬على‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬مواقفها‭ ‬الحقيقية‭.‬

‭ ‬وهنا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نميز‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬نفسه،‭ ‬والذي‭ ‬كانت‭ ‬محصّلته‭ ‬تمكّن‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬انتصار‭ ‬حاسم‭ ‬عبر‭ ‬إلحاق‭ ‬هزيمة‭ ‬ساحقة‭ ‬وخاطفة‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وما‭ ‬جرى‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬إسرائيلية‭ ‬وفلسطينية‭ ‬وعربية‭ ‬وإقليمية‭ ‬ودولية،‭ ‬وهي‭ ‬ردود‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تتفاعل‭ ‬بشدة،‭ ‬لكن‭ ‬محصلتها‭ ‬الإجمالية‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭:‬

‭ ‬أولا،‭ ‬قدرة‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المسلحة‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬القتال‭ ‬وإلحاق‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة‭ ‬ومؤلمة‭ ‬بالجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬سبعة‭ ‬أشهر‭ ‬على‭ ‬بداية‭ ‬هذه‭ ‬الجولة‭. ‬

ثانيا،‭ ‬انكشاف‭ ‬وحشية‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬قرر‭ ‬الانتقام‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬وارتكاب‭ ‬أعمال‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬دفعت‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬قضية‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭. ‬

ثالثا،‭ ‬تعرية‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬والغربي‭ ‬المنحاز‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بشكل‭ ‬مطلق‭ ‬وأعمى‭ ‬وغير‭ ‬مسبوق‭. ‬رابعا،‭ ‬الصمود‭ ‬الأسطوري‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وإصراره‭ ‬على‭ ‬التمسّك‭ ‬بأرضه‭ ‬ورفض‭ ‬كل‭ ‬المحاولات‭ ‬الرامية‭ ‬لترحيله‭ ‬منها‭ ‬قسرا‭.‬

‭ ‬خامسا،‭ ‬عودة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬صدارة‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬وتصاعد‭ ‬تعاطف‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬معها‭ ‬بشكلٍ‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭.‬

من‭ ‬السابق‭ ‬لأوانه‭ ‬تحديد‭ ‬الكيفية‭ ‬التي‭ ‬ستنتهي‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬الجولة‭ ‬من‭ ‬القتال،‭ ‬وهي‭ ‬الأطول‭ ‬والأكثر‭ ‬إيلاما‭ ‬لإسرائيل‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬صراعها‭ ‬مع‭ ‬العرب،‭ ‬أو‭ ‬حصر‭ ‬نتائجها‭ ‬النهائية،‭ ‬خصوصاً‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬والجيوسياسي،‭ ‬فما‭ ‬زالت‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬تحتفظ‭ ‬بعشرات‭ ‬الأسرى‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬وتصرّ‭ ‬على‭ ‬تبادلهم‭ ‬بجميع‭ ‬الأسرى‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬السجون‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬وانسحاب‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬ورفع‭ ‬الحصار‭ ‬والبدء‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬الإعمار،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬شروطا‭ ‬تعجيزية‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬إجبار‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالهزيمة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يرفضه‭ ‬كليا‭. ‬

ولأنه‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬في‭ ‬مقدوره‭ ‬تحقيق‭ ‬انتصار‭ ‬عسكري‭ ‬حاسم،‭ ‬ويملك‭ ‬ورقة‭ ‬ضغط‭ ‬قوية،‭ ‬التهديد‭ ‬باجتياح‭ ‬رفح‭ ‬التي‭ ‬يتكدّس‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬مليون‭ ‬ونصف‭ ‬المليون‭ ‬فلسطيني،‭ ‬يرفض‭ ‬نتنياهو‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬ويقترح‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هدنة‭ ‬إنسانية‭ ‬طويلة‭ ‬المدى‭ ‬نسبيا،‭ ‬لتبادل‭ ‬الأسرى‭ ‬وتخفيف‭ ‬المعاناة‭ ‬الإنسانية‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬المحاصرين‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬يتمكن‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬استئناف‭ ‬القتال‭ ‬لتحقيق‭ ‬هدفه‭ ‬الأسمى،‭ ‬تدمير‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬وإخراجها‭ ‬كليا‭ ‬من‭ ‬المعادلة‭.‬

‭ ‬ويبدو‭ ‬أنه‭ ‬يراهن‭ ‬على‭ ‬إمكانية‭ ‬أن‭ ‬تمارس‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ضغوطاً‭ ‬على‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬لإجبارها‭ ‬على‭ ‬تليين‭ ‬موقفها‭ ‬بدعوى‭ ‬‮«‬إنقاذ‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬إنقاذه‮»‬،‭ ‬غير‭ ‬أنني‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬لن‭ ‬ترضخ‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الضغوط،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تقبل‭ ‬إسرائيل‭ ‬بحل‭ ‬وسط‭ ‬يستجيب‭ ‬للحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬المطالب‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المشروعة،‭ ‬وبما‭ ‬يكفي‭ ‬للسماح‭ ‬للمقاومة‭ ‬المسلحة‭ ‬بالخروج‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجولة‭ ‬من‭ ‬القتال‭ ‬مرفوعة‭ ‬الرأس‭ ‬وحماية‭ ‬الانتصار‭ ‬الذي‭ ‬حققته‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬فسوف‭ ‬تنزلق‭ ‬الجولة‭ ‬الراهنة‭ ‬حتما‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬إقليمية‭ ‬شاملة،‭ ‬قد‭ ‬تغيّر‭ ‬وجه‭ ‬المنطقة‭ ‬كليا‭.‬

أهم‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬الجولة‭ ‬الراهنة‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬المسلّح‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬أنها‭ ‬أعادت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وبشكل‭ ‬نهائي‭ ‬لا‭ ‬رجعة‭ ‬فيه،‭ ‬إلى‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬صاحبها‭ ‬الأصلي‭ ‬والوحيد،‭ ‬بعد‭ ‬مرحلة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬التيه‭ ‬والعبث‭ ‬بمصير‭ ‬هذه‭ ‬القضية،‭ ‬وذلك‭ ‬مكسبٌ‭ ‬ضخمٌ‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أبداً‭.‬

 

{ أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬

في‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا