العدد : ١٦٨٤٠ - الأربعاء ٠١ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٠ - الأربعاء ٠١ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

«سوق المقاصيص».. قصة لا تنتهي

بقلم: د. نبيل العسومي

السبت ٠٦ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

عبارة‭ ‬سوق‭ ‬المقاصيص‭ ‬عبارة‭ ‬قديمة‭ ‬تلخص‭ ‬تاريخا‭ ‬طويلا‭ ‬ضمن‭ ‬الأسواق‭ ‬البحرينية‭ ‬العريقة‭ ‬مثل‭ ‬سوق‭ ‬الخميس‭ ‬وسوق‭ ‬الأربعاء‭ ‬التي‭ ‬نتذكرها‭ ‬نحن‭ ‬جيل‭ ‬الخمسينيات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬المنامة‭ ‬القديمة‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ملاصقا‭ ‬لسوق‭ ‬الحدادة‭ ‬قريبا‭ ‬من‭ ‬شارع‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬الذي‭ ‬أتذكره‭ ‬وأنا‭ ‬طفل‭ ‬صغير‭ ‬ومع‭ ‬التطور‭ ‬العمراني‭ ‬تم‭ ‬نقله‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬السوق‭ ‬المركزي‭ ‬في‭ ‬المنامة‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭ ‬وبنفس‭ ‬الآلية‭ ‬تم‭ ‬نقله‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬مدينة‭ ‬عيسى‭ ‬بمحاذاة‭ ‬السوق‭ ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تجديده‭ ‬وبعد‭ ‬إغلاقه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬فرضها‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬عاد‭ ‬السوق‭ ‬مؤخرا‭ ‬لاستقبال‭ ‬المواطنين‭ ‬والمقيمين‭ ‬رغم‭ ‬الحديث‭ ‬الذي‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬إمكانية‭ ‬نقله‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭ ‬لتصبح‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬المقاصيص‮»‬‭ ‬قصة‭ ‬تكرر‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭.‬

لكننا‭ ‬فوجئنا‭ ‬بهذه‭ ‬الفوضى‭ ‬التي‭ ‬عمت‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬المقابلة‭ ‬للمسجد‭ ‬بمدينة‭ ‬عيسى‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬تطغى‭ ‬عليه‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاتساق‭ ‬إن‭ ‬صح‭ ‬التعبير‭ ‬والافتقار‭ ‬إلى‭ ‬أبسط‭ ‬المعالم‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتميز‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬لمرتاديه‭ ‬أن‭ ‬يعثروا‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬تقريبا‭ ‬من‭ ‬التحف‭ ‬القديمة‭ ‬إلى‭ ‬الأجهزة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬والملابس‭ ‬والمكيفات‭ ‬والطيور‭ ‬والمواد‭ ‬الغذائية‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يخطر‭ ‬على‭ ‬البال‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يخطر‭ ‬على‭ ‬البال‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬شاهدناه‭ ‬مؤخرا‭ ‬هو‭ ‬شيء‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬لا‭ ‬بتاريخ‭ ‬سوق‭ ‬المقاصيص‭ ‬ولا‭ ‬بفوائده‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬على‭ ‬البائع‭ ‬والمشتري‭.‬

إن‭ ‬فكرة‭ ‬سوق‭ ‬المقاصيص‭ ‬ارتبطت‭ ‬بتاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬كمعلم‭ ‬من‭ ‬معالمها‭ ‬ومزار‭ ‬من‭ ‬المزارات‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬تجذب‭ ‬جميع‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭ ‬وضيوف‭ ‬البحرين‭ ‬والسياح‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬للبيع‭ ‬والشراء‭ ‬وإنما‭ ‬أيضا‭ ‬للتسلية‭ ‬وأذكر‭ ‬فيما‭ ‬مضى‭ ‬كنا‭ ‬أيام‭ ‬الإجازات‭ ‬نذهب‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬رغم‭ ‬بعد‭ ‬المسافة‭ ‬لمشاهدة‭ ‬ما‭ ‬يعرض‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬وبضائع‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها‭ ‬وأشكالها‭ ‬وكانت‭ ‬لهذه‭ ‬الزيارات‭ ‬متعة‭ ‬كبيرة‭ ‬لما‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬من‭ ‬تحف‭ ‬نادرة‭ ‬مثل‭ ‬التحف‭ ‬القديمة‭ ‬والأجهزة‭ ‬الكهربائية‭ ‬القديمة‭ ‬والساعات‭ ‬بمختلف‭ ‬ماركاتها‭ ‬هذه‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬تجذب‭ ‬المهتمين‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قديم‭ ‬و«أنتيك‮»‬‭.‬

‭ ‬ولذلك‭ ‬ارتبط‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬بذاكرة‭ ‬جيلنا‭ ‬ارتباطا‭ ‬وثيقا‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬فإن‭ ‬عدم‭ ‬الاهتمام‭ ‬بهذا‭ ‬السوق‭ ‬أو‭ ‬تحويله‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬غير‭ ‬منظمة‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬الأمر‭ ‬حاليا‭ ‬يحتم‭ ‬الاهتمام‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجهات‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬ليكون‭ ‬سوقا‭ ‬كما‭ ‬عهدناه‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬البحريني‭ ‬الأًصيل‭ ‬سوقا‭ ‬مستقرا‭ ‬ويلعب‭ ‬دوره‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬عاشت‭ ‬عليه‭ ‬أجيال‭ ‬وأجيال‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬الباعة‭ ‬الصغار‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭.‬

الجانب‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يلتف‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬سوق‭ ‬المقاصيص‭ ‬هو‭ ‬مصدر‭ ‬رزق‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬البحرينيين‭ ‬الذي‭ ‬اعتادوا‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬جيلا‭ ‬بعد‭ ‬جيل‭ ‬وليس‭ ‬لهم‭ ‬مصدر‭ ‬رزق‭ ‬آخر‭ ‬يعيشون‭ ‬منه‭ ‬وإنهم‭ ‬يعولون‭ ‬عائلاتهم‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المصدر‭ ‬وهم‭ ‬اليوم‭ ‬أو‭ ‬جلهم‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬اجتماعي‭ ‬قلق‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فقدوا‭ ‬مصدر‭ ‬أرزاقهم‭ ‬الذي‭ ‬ارتبط‭ ‬بهذا‭ ‬السوق‭ ‬وارتبط‭ ‬بما‭ ‬لديهم‭ ‬من‭ ‬خبرة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬حيث‭ ‬يلعبون‭ ‬دورا‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬تدوير‭ ‬البضائع‭ ‬والسلع‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬التخلص‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬نفايات‭ ‬فالأثاث‭ ‬المستعمل‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستفيد‭ ‬منه‭ ‬الفئات‭ ‬المحدودة‭ ‬الدخل‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يجدون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬ضالتهم‭.‬

ولا‭ ‬يخفى‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬المجمعات‭ ‬التجارية‭ ‬الكبرى‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأسواق‭ ‬الحديثة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬فيها‭ ‬المواطن‭ ‬البسيط‭ ‬ضالته‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬فيها‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬الأسواق‭ ‬الشعبية‭ ‬تكون‭ ‬متنفسا‭ ‬لهذه‭ ‬الفئة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬حيث‭ ‬يجدون‭ ‬فيها‭ ‬فرصة‭ ‬لاقتناء‭ ‬حاجاتهم‭ ‬بأقل‭ ‬الأسعار‭ ‬التي‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬دخولهم‭.‬

وهناك‭ ‬جانب‭ ‬مهم‭ ‬أيضا‭ ‬يجب‭ ‬الانتباه‭ ‬إليه‭ ‬وهو‭ ‬مراعاة‭ ‬الفئة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الفرشات‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬البحرينيين‭ ‬الذين‭ ‬ليس‭ ‬لديهم‭ ‬دخل‭ ‬يعيشون‭ ‬منه‭ ‬أو‭ ‬تجارة‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬مداخيل‭ ‬تعود‭ ‬عليهم‭ ‬غير‭ ‬مداخل‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬وكذلك‭ ‬مراعاة‭ ‬مرتادي‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬والمقيمين‭ ‬الذين‭ ‬يجدون‭ ‬ضالتهم‭ ‬فيه،‭ ‬وإزاء‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬فإننا‭ ‬نوجه‭ ‬نداء‭ ‬إلى‭ ‬الجهات‭ ‬المسؤولة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬مكان‭ ‬ثابت‭  ‬ومناسب‭ ‬لإحياء‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬ليكون‭ ‬مصدرا‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬وأن‭ ‬يتم‭ ‬الاستثمار‭ ‬فيه‭ ‬ليكون‭ ‬معلما‭ ‬من‭ ‬المعالم‭ ‬التي‭ ‬يزورها‭ ‬السياح‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تنظيمه‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭ ‬وتخصيص‭ ‬البيع‭ ‬فيه‭  ‬للبحرينيين‭ ‬فقط‭ ‬وليس‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬تسرح‭ ‬فيه‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬وتمرح‭ ‬على‭ ‬حساب‭  ‬المواطنين‭ ‬البسطاء‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا