العدد : ١٦٨٤٢ - الجمعة ٠٣ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٢ - الجمعة ٠٣ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

أزمة التفاوض مع الجانب الإسرائيلي

بقلم: د. أحمد رفيق عوض

السبت ٣٠ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

التفاوض‭ ‬مع‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬مرير‭ ‬ومقلق‭ ‬ومفاجئ‭ ‬ومثير‭ ‬للسخرية‭ ‬والعجب،‭ ‬فهو‭ ‬مرير‭ ‬لأنه‭ ‬قد‭ ‬يدور‭ ‬عدة‭ ‬ساعات‭ ‬بلا‭ ‬نتيجة‭ ‬وبلا‭ ‬هدف‭ ‬أيضا،‭ ‬فهناك‭ ‬آليات‭ ‬معينة‭ ‬يعرفها‭ ‬كل‭ ‬مفاوض‭ ‬محترف‭ ‬يستطيع‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬يفرغ‭ ‬كل‭ ‬المحادثات‭ ‬من‭ ‬معناها‭ ‬ومبناها،‭ ‬كأن‭ ‬يطيل‭ ‬مسألة‭ ‬التعريفات‭ ‬ويحيلها‭ ‬إلى‭ ‬معانيها‭ ‬القانونية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والفروقات‭ ‬الدقيقة‭ ‬بينها،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬قضايا‭ ‬هامشية‭ ‬جدا‭ ‬كمكان‭ ‬انعقاد‭ ‬المحادثات،‭ ‬وشكل‭ ‬المائدة،‭ ‬واللغة‭ ‬المستعملة‭ ‬وباقي‭ ‬البروتوكول‭ ‬المعمول‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬يتم‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬مسألة‭ ‬جوهرية‭ ‬قبل‭ ‬مناقشة‭ ‬المسائل‭ ‬الثانوية،‭ ‬المتعلقة‭ ‬بها‭ ‬والمؤدية‭ ‬إليها،‭ ‬مما‭ ‬يوجب‭ ‬العودة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬المسائل،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يربك‭ ‬مجرى‭ ‬المفاوضات،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬وضع‭ ‬آلية‭ ‬مفاوضات‭ ‬تناقش‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬المسائل‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة،‭ ‬وتطرح‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬الأسئلة،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬تماما،‭ ‬كأن‭ ‬يتم‭ ‬وضع‭ ‬آلية‭ ‬مفاوضات‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬طرح‭ ‬قضية‭ ‬واحدة‭ ‬ويمنع‭ ‬طرح‭ ‬أي‭ ‬قضية‭ ‬أخرى‭ ‬والإسرائيلي‭ ‬ماهر‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬مفاوضاته،‭ ‬فهو‭ ‬يختار‭ ‬الشكل‭ ‬الأنسب‭ ‬لطرح‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬يود‭ ‬ربحها،‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الحق‭ ‬وإنما‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬أسلوب‭ ‬إدارة‭ ‬المفاوضات،‭ ‬وهكذا‭ ‬فعل‭ ‬القوي‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مراحل‭ ‬التاريخ،‭ ‬ومن‭ ‬عجب‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬ينهار‭ ‬هذا‭ ‬القوي‭ ‬فلا‭ ‬تجري‭ ‬معه‭ ‬مفاوضات‭ ‬وإنما‭ ‬يوقع‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬وثيقة‭ ‬استسلام‭ ‬والإسرائيلي‭ ‬يميل‭ ‬دائما‭ ‬إلى‭ ‬تجزئة‭ ‬كل‭ ‬قضية‭ ‬إلى‭ ‬عناصر‭ ‬أولية،‭ ‬ويناقشها‭ ‬كلا‭ ‬على‭ ‬حدة،‭ ‬اعتقاداً‭ ‬منه‭ ‬أنه‭ ‬سيحقق‭ ‬ربحا‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬جزئية،‭ ‬فإذا‭ ‬جمع‭ ‬أرباحه‭ ‬على‭ ‬ضالتها‭ ‬فسيجد‭ ‬أنه‭ ‬حقق‭ ‬ربحا‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الحقيقة‭ ‬أو‭ ‬الواقع،‭ ‬ويعتبر‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الربح‭ ‬كان‭ ‬حصيلة‭ ‬مهارة‭ ‬إنسانية‭ ‬لا‭ ‬تعتمد‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية،‭ ‬إنه‭ ‬بذلك‭ ‬يحقق‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يفعله‭ ‬الغزاة‭ ‬عادة،‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يفاوضون‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الضعف‭.‬

والتفاوض‭ ‬مع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬مقلق‭ ‬باعتباره‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الحقائق‭ ‬أوهاماً،‭ ‬ومن‭ ‬المسلمات‭ ‬قضايا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬برهان،‭ ‬ومن‭ ‬التاريخ‭ ‬حكاية‭ ‬أخرى،‭ ‬وهو‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الحقيقة‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬وجها‭ ‬واحدا،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬للتاريخ‭ ‬وجهة‭ ‬محددة،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬النشاط‭ ‬الإنساني‭ ‬بعامة‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬إيجابية‭. ‬يقلقك‭ ‬أن‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬الأشياء‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تراه،‭ ‬ويرى‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تراه،‭ ‬وتستغرب‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬لك‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وهو‭ ‬يهتز‭ ‬من‭ ‬الثقة‭ ‬أن‭ ‬فلسطين‭ ‬كانت‭ ‬أرضا‭ ‬بلا‭ ‬شعب،‭ ‬وأن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬غير‭ ‬معرف،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬أعطيت‭ ‬لليهود‭ ‬بوعد‭ ‬إلهي،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬سذاجة‭ ‬هذه‭ ‬الأوهام‭ ‬وعدم‭ ‬دقتها‭ ‬العلمية‭ ‬والدينية‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬حقائق‭ ‬عنده‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تناقشها‭. ‬إنه‭ ‬يجرك‭ ‬إلى‭ ‬منطقته‭ ‬المعتمة،‭ ‬إنه‭ ‬عمليا‭ ‬يجرك‭ ‬إلى‭ ‬لا‭ ‬وعيه،‭ ‬إلى‭ ‬هواجسه،‭ ‬وعليك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬أن‭ ‬تلطف‭ ‬من‭ ‬غلوائه،‭ ‬وأن‭ ‬تستعمل‭ ‬أدواته‭ ‬أيضا‭. ‬يقلقك‭ ‬أن‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬يؤمن‭ ‬بها‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬فضاء‭ ‬مختلف‭ ‬ومن‭ ‬قاموس‭ ‬مختلف،‭ ‬ويقلقك‭ ‬أن‭ ‬يناقشك‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬بوعي‭ ‬غير‭ ‬واقعي،‭ ‬ويقلقك‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬خصما‭ ‬وحكما‭ ‬للتاريخ‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭. ‬إنه‭ ‬دائما‭ ‬متوجس‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬حقيقة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬واقعة،‭ ‬ومن‭ ‬كل‭ ‬وثيقة‭. ‬يقلقك‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬شرح‭ ‬بديهيات‭ ‬انتهى‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬نقاشها،‭ ‬مقلق‭ ‬أن‭ ‬تناقش‭ ‬إسرائيليا‭ ‬قد‭ ‬يقول‭ ‬لك‭ ‬على‭ ‬حين‭ ‬غرة‭ ‬لماذا‭ ‬تعتقد‭ ‬دائما‭ ‬أن‭ ‬الشمس‭ ‬تشرق‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬الشرق‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تثبت‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬الشمس‭ ‬كانت‭ ‬ولم‭ ‬تزل‭ ‬تشرق‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الجهة،‭ ‬وإذا‭ ‬كنت‭ ‬حسن‭ ‬الحظ‭ ‬دائما،‭ ‬فقد‭ ‬يقتنع‭ ‬هذا‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بسرعة‭.‬

والتفاوض‭ ‬مع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬مفاجئ‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬الإرباك‭ ‬الحقيقي،‭ ‬فما‭ ‬تراه‭ ‬أنت‭ ‬بالإطار‭ ‬العام‭ ‬والصورة‭ ‬الكلية،‭ ‬يراه‭ ‬هو‭ ‬مجزأ،‭ ‬وبهذا‭ ‬يكون‭ ‬أقدر‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬التفاصيل‭ ‬الصغيرة‭ ‬والزاوية‭ ‬المعتمة‭. ‬إن‭ ‬كل‭ ‬مفاوض‭ ‬فلسطيني‭ ‬فوجئ‭ ‬تماما‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬المعلومات‭ ‬الدقيقة‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬يمتلكها‭ ‬المفاوض‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬حول‭ ‬شراء‭ ‬الأراضي‭ ‬داخل‭ ‬الخط‭ ‬الأخضر،‭ ‬وحول‭ ‬تهجير‭ ‬المواطنين‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬وحول‭ ‬منابع‭ ‬الأنهار‭ ‬ومصادر‭ ‬المياه‭ ‬وأحواضها،‭ ‬والاتفاقات‭ ‬السرية‭ ‬مع‭ ‬أطراف‭ ‬عديدة،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬هذا،‭ ‬فالإسرائيلي‭ ‬يرى‭ ‬نواقصنا‭ ‬وعيوبنا‭ ‬أكثر‭ ‬منا،‭ ‬وهو‭ ‬يتتبع‭ ‬سقطاتنا‭ ‬وأغلاطنا‭ ‬ويحللها‭ ‬ويصنفها‭ ‬ويخرج‭ ‬منها‭ ‬بنتائج،‭ ‬والمشكلة‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يقدم‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬الغربي‮»‬‭ ‬المتنور‭.‬

ويفاجئك‭ ‬أن‭ ‬يتبنى‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬قضيتك،‭ ‬فيقول‭ ‬لك‭ ‬إنه‭ ‬الطرف‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يمنحك‭ ‬كيانا‭ ‬مستقلاً،‭ ‬ويفاجئك‭ ‬أنه‭ ‬يريد‭ ‬الانفصال‭ ‬عن‭ ‬رائحة‭ ‬جسدك‭ ‬ولكنه‭ ‬يريد‭ ‬ماءك‭ ‬الذي‭ ‬تستحم‭ ‬به‭ ‬ويفاجئك‭ ‬أنه‭ ‬يريد‭ ‬منك‭ ‬أن‭ ‬تؤمن‭ ‬بوجوده‭ ‬وحقه‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬هو‭ ‬فيها‭ ‬بذبحك‭ ‬أو‭ ‬تجويعك‭ ‬أو‭ ‬إنكار‭ ‬وجودك،‭ ‬ويفاجئك‭ ‬أنه‭ ‬يريد‭ ‬دخول‭ ‬مناطقك‭ ‬الروحية‭ ‬‮«‬لينظفها،‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مشاعر‭ ‬كره‭ ‬أو‭ ‬حقد‭ ‬أو‭ ‬رفض‭ ‬له،‭ ‬فيما‭ ‬يفاجئك‭ ‬أنه‭ ‬يريد‭ ‬تقديم‭ ‬صورته‭ ‬إليك‭ ‬كما‭ ‬يريد‭ ‬هو،‭ ‬لا‭ ‬كما‭ ‬تريد‭ ‬أنت‭ ‬ولا‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬ويفاجئك‭ ‬تنوره‭ ‬وليبراليته‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬اللحظة‭ ‬يفاجئك‭ ‬تعصبه‭ ‬الأعمى‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬إلا‭ ‬نفسه،‭ ‬ويفاجئك‭ ‬أنه‭ ‬ينسحب‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬رام‭ ‬الله‭ ‬ولكنه‭ ‬يقطع‭ ‬الطريق‭ ‬إليها،‭ ‬ويفاجئك‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬دائما‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬واثق‭ ‬أبدا‭ ‬مما‭ ‬تم‭ ‬التوصل‭ ‬إليه‭.‬

والتفاوض‭ ‬مع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬مثير‭ ‬للسخرية‭ ‬والعجب،‭ ‬فكل‭ ‬مفاوض‭ ‬هو‭ ‬ملك‭ ‬إسرائيل‭ ‬و‭ ‬‮«‬الرائي‮»‬‭ ‬فيها،‭ ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬حلم‭ ‬الأجيال‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وإسبانيا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬والنمسا،‭ ‬وبهذا‭ ‬الصدد‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬إسرائيلي‭ ‬الآن‭ ‬يعتبر‭ ‬أنه‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬جماعة‭ ‬شديدة‭ ‬الذكاء،‭ ‬بالغة‭ ‬الحكمة،‭ ‬قامت‭ ‬بمعجزة‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬أو‭ ‬معجزة‭ ‬الأجيال‭ ‬كلها،‭ ‬وأن‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬أقامها‭ ‬كانت‭ ‬حصيلة‭ ‬ألفي‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬الحنين‭ ‬والصبر‭ ‬والتضحية‭ ‬والتدبير،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬المفاوض‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يأتي‭ ‬مثقلاً‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الأعباء‭ ‬الشخصية‭ ‬والحزبية‭ ‬والتاريخية،‭ ‬ويتنافس‭ ‬المفاوضون‭ ‬في‭ ‬التقصي‭ ‬والتحري،‭ ‬ويتنافسون‭ ‬في‭ ‬مناقشة‭ ‬تفاصيل‭ ‬التفاصيل،‭ ‬وإعادة‭ ‬رسم‭ ‬الخرائط‭ ‬ومناقشة‭ ‬المستندات،‭ ‬والبدء‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة،‭ ‬ورغم‭ ‬وجود‭ ‬فروق‭ ‬حقيقية‭ ‬بين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬ووجهات‭ ‬نظرهم،‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬يتفقون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الميل‭ ‬إلى‭ ‬التنافس‭ ‬على‭ ‬الدقة‭ ‬والتنطع‭ ‬فيها‭.‬

ومن‭ ‬السخرية‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬ينظر‭ ‬إليك‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬أنك‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬المتابعة‭ ‬ولا‭ ‬التركيز،‭ ‬وإنك‭ ‬إذا‭ ‬جعت‭ ‬قل‭ ‬انتباهك،‭ ‬وإذا‭ ‬جلست‭ ‬جميلة‭ ‬فإنك‭ ‬تهتز،‭ ‬وإذا‭ ‬نمت‭ ‬في‭ ‬فندق‭ ‬فاخر‭ ‬فإنك‭ ‬ستكون‭ ‬ألين‭ ‬جانبا،‭ ‬وأنه‭ ‬إذا‭ ‬فاوضك‭ ‬من‭ ‬أمرَ‭ ‬يوما‭ ‬بسجنك‭ ‬فستتحول‭ ‬تلقائياً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الجانب‭ ‬الأضعف،‭ ‬وأنك‭ ‬إذا‭ ‬منحت‭ ‬امتيازات‭ ‬معينة‭ ‬فإنك‭ ‬ستكون‭ ‬مفاوضا‭ ‬سهلا‭.‬

والتفاوض‭ ‬مع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يثير‭ ‬السخرية‭ ‬والعجب،‭ ‬لأنه‭ ‬يتحول‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬ما‭ ‬إلى‭ ‬حوار‭ ‬طرشان‭ ‬حقيقي،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬فيها‭ ‬المفاوض‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬شيئاً‭ ‬أو‭ ‬يقول‭ ‬شيئاً،‭ ‬هنا‭ ‬تتحول‭ ‬القاعة‭ ‬إلى‭ ‬حظيرة‭ ‬دجاج‭ ‬يقال‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ولا‭ ‬يقال‭ ‬شيئا،‭ ‬والمفاوض‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬خبير‭ ‬بذلك،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدعونه‭ ‬باللغة‭ ‬العبرية‭ ‬بلبول‭ ‬بيتسيم‮»‬‭ ‬أي‭ ‬خلط‭ ‬بيض،‭ ‬وهي‭ ‬ترجمة‭ ‬حرفية‭ ‬للتعبير‭ ‬العبري،‭ ‬وقد‭ ‬تعني‭ ‬بالتعبير‭ ‬الاصطلاحي‭ ‬اللعب‭ ‬بالخصيتين‭ ‬أو‭ ‬‮«‬طق‭ ‬الحنك‮»‬‭ ‬كما‭ ‬نقول‭ ‬بالعربية،‭ ‬وعندما‭ ‬يقوم‭ ‬المفاوض‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بذلك،‭ ‬فهو‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬الطرف‭ ‬الثاني‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬بالانسحاب‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬لأسباب‭ ‬سياسية‭ ‬وغيرها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإنه‭ ‬يقوم‭ ‬بذلك‭ ‬مرتاح‭ ‬البال‭ ‬والضمير‭.‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬روايتي‭ ‬آخر‭ ‬القرن‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬عن‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬سنة‭ ‬1999‭ ‬والمرة‭ ‬الثانية‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬الرعاة‭ ‬سنة‭ ‬2014‭.‬

{ رئيس‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬

المستقبلية‭ ‬بجامعة‭ ‬القدس

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا