العدد : ١٦٨٣٦ - السبت ٢٧ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٨ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٣٦ - السبت ٢٧ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٨ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

حدود الخلافات الأمريكية الإسرائيلية بشأن حرب غزّة

بقلم: د. حسن نافعة

الخميس ٢٨ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

تصاعدَت‭ ‬مؤخراً‭ ‬حدّة‭ ‬الانتقادات‭ ‬الشفوية‭ ‬الموجهة‭ ‬إلى‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭. ‬ففي‭ ‬مقابلةٍ‭ ‬له‭ ‬مع‭ ‬محطّة‭ ‬إم‭ ‬إس‭ ‬إن‭ ‬بي‭ ‬سي،‭ ‬الأمريكية،‭ ‬لم‭ ‬يكتف‭ ‬بايدن‭ ‬بالقول‭ ‬إن‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬يدير‭ ‬بها‭ ‬نتنياهو‭ ‬حربه‭ ‬الحالية‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭ ‬‮«‬تضرّ‭ ‬إسرائيل‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تنفعها‮»‬،‭ ‬لكنه‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬تحذير‭ ‬نتنياهو‭ ‬من‭ ‬إقدام‭ ‬قواته‭ ‬على‭ ‬اجتياح‭ ‬مدينة‭ ‬رفح‭ ‬التي‭ ‬يحتشد‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬مليون‭ ‬ونصف‭ ‬المليون‭ ‬مواطن‭ ‬فلسطيني،‭ ‬معتبراً‭ ‬ذلك‭ ‬بمثابة‭ ‬‮«‬خطّ‭ ‬أحمر‮»‬‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬تجاوزه‭. ‬ولأنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬خلافات‭ ‬حقيقية‭ ‬بين‭ ‬بايدن‭ ‬ونتنياهو‭ ‬بشأن‭ ‬ضرورة‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬ما‭ ‬يتعلّق‭ ‬منها‭ ‬بتدمير‭ ‬البنية‭ ‬العسكرية‭ ‬لحركة‭ ‬حماس‭ ‬وإسقاط‭ ‬حكمها‭ ‬في‭ ‬غزّة‭ ‬واستعادة‭ ‬الأسرى‭ ‬المحتجزين‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬بايدن‭ ‬لم‭ ‬يتردّد‭ ‬لحظة‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬دعم‭ ‬غير‭ ‬محدود‭ ‬لمساعدة‭ ‬نتنياهو‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬تلك‭ ‬الأهداف‭ ‬في‭ ‬أسرع‭ ‬وقت‭ ‬ممكن،‭ ‬فمن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تثور‭ ‬أسئلة‭ ‬كثيرة‭ ‬حول‭ ‬طبيعة‭ (‬وحدود‭) ‬التغير‭ ‬الذي‭ ‬طرأ‭ ‬على‭ ‬موقف‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬تجاه‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو،‭ ‬وكذلك‭ ‬بشأن‭ ‬آفاق‭ ‬هذا‭ ‬التغير‭ ‬ونتائجه‭ ‬المحتملة،‭ ‬سواء‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمسار‭ ‬حرب‭ ‬غزّة‭ ‬نفسها‭ ‬أو‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مستقبل‭ ‬العلاقات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ككل‭.‬

يُعد‭ ‬الدعم‭ ‬الذي‭ ‬قدّمته‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬للحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬فور‭ ‬وقوع‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬العلاقات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬ربما‭ ‬باستثناء‭ ‬الدعم‭ ‬الذي‭ ‬قدّمته‭ ‬إدارة‭ ‬نيكسون‭ - ‬كيسنجر‭ ‬للحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬فور‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973‭. ‬فعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬العسكري‭ ‬والاستراتيجي‭ ‬سارعت‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن،‭ ‬بعد‭ ‬أقلّ‭ ‬من‭ ‬24‭ ‬ساعة‭ ‬من‭ ‬وقوع‭ ‬هجوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬بإرسال‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬حاملات‭ ‬الطائرات‭ ‬والسفن‭ ‬القتالية‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة،‭ ‬وبعد‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬قرّرت‭ ‬إرسال‭ ‬مجموعة‭ ‬قتالية‭ ‬أخرى‭ ‬شملت‭ ‬تمركز‭ ‬ألفي‭ ‬مقاتل‭ ‬أمريكي‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬الشواطئ‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬قيل‭ ‬إن‭ ‬الهدف‭ ‬الرئيسي‭ ‬منها‭ ‬ردع‭ ‬إيران‭ ‬وحلفائها‭ ‬وضمان‭ ‬عدم‭ ‬توسّع‭ ‬نطاق‭ ‬الحرب‭ ‬وتحوّلها‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬شاملة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬طبعا‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬احتاجته‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬استشاراتٍ‭ ‬عسكريةٍ‭ ‬ودعم‭ ‬استخباراتي‭. ‬كما‭ ‬أقامت‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬جسراً‭ ‬جوياً‭ ‬لمدّ‭ ‬إسرائيل‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحتاجه‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬وذخيرة،‭ ‬وبتقديم‭ ‬دعم‭ ‬مادي‭ ‬هائل،‭ ‬بدأ‭ ‬بملياري‭ ‬دولار،‭ ‬ثم‭ ‬راح‭ ‬يتزايد‭ ‬بسرعة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬14‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬

وعلى‭ ‬الصعد‭ ‬السياسية‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬والإعلامية،‭ ‬قدّمت‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬لإسرائيل‭ ‬دعماً‭ ‬لا‭ ‬يقلّ‭ ‬ضخامة،‭ ‬فقد‭ ‬تبنّت‭ ‬كليا‭ ‬الرواية‭ ‬القائلة‭ ‬بتعرّض‭ ‬إسرائيل‭ ‬لهجوم‭ ‬إرهابي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬أيّدت‭ ‬بدون‭ ‬تحفّظ‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬أعلنتها‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة،‭ ‬واعتبرتها‭ ‬ردّ‭ ‬فعل‭ ‬طبيعي‭ ‬ومشروع‭ ‬يكفله‭ ‬الحقّ‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس،‭ ‬كما‭ ‬راحت‭ ‬أجهزة‭ ‬الإعلام‭ ‬الأمريكية‭ ‬تروّج‭ ‬السردية‭ ‬التي‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬شيطنة‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬وإظهارها‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬تنظيم‭ ‬إرهابي‭ ‬لا‭ ‬يتورّع‭ ‬عن‭ ‬ذبح‭ ‬الأطفال‭ ‬واغتصاب‭ ‬النساء،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬أعلنت‭ ‬تأييدها‭ ‬جميع‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقها‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭. ‬ولم‭ ‬تكتف‭ ‬بذلك‭ ‬كله،‭ ‬وإنما‭ ‬استخدمت‭ ‬الفيتو‭ ‬ثلاث‭ ‬مرّات‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ (‬في‭ ‬18‭ ‬أكتوبر‭ ‬و8‭ ‬ديسمبر‭ ‬2023‭ ‬و20‭ ‬فبراير‭ ‬2024‭) ‬للحيلولة‭ ‬دون‭ ‬صدور‭ ‬قرار‭ ‬بوقف‭ ‬دائم‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار‭. ‬وتأسيساً‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحقائق‭ ‬كلها،‭ ‬يمكن‭ ‬القول،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬مبالغة،‭ ‬إن‭ ‬الحرب‭ ‬الإجرامية‭ ‬التي‭ ‬تشن‭ ‬حالياً‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزّة‭ ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬أمريكية‭ ‬إسرائيلية‭ ‬مشتركة‭.‬

عوامل‭ ‬كثيرة‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬حدوث‭ ‬تغير‭ ‬طفيف‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭. ‬أولاً،‭ ‬صمود‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬وفصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الأخرى‭ ‬فترة‭ ‬طالت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬أشهر‭. ‬وثانياً‭ ‬قيام‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬المنخرطة‭ ‬في‭ ‬محور‭ ‬المقاومة،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬وجماعة‭ ‬الحوثيين‭ ‬اليمنية،‭ ‬بإسناد‭ ‬عسكري‭ ‬للفصائل‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ما‭ ‬دلّ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الوجود‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬لم‭ ‬يحقّق‭ ‬هذا‭ ‬الردع‭ ‬المنشود،‭ ‬بل‭ ‬أسهم‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬في‭ ‬استدراج‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نحو‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬عملياتٍ‭ ‬عسكرية‭ ‬مباشرة‭ ‬ضد‭ ‬جماعة‭ ‬الحوثيين،‭ ‬وثالثاً‭ ‬انكشاف‭ ‬همجية‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬تسبّبت‭ ‬هجماته‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬وجرح‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬مائة‭ ‬ألف‭ ‬مدني‭ ‬فلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزّة،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬واضحة‭ ‬لإخلاء‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭ ‬وإجبار‭ ‬سكّانه‭ ‬على‭ ‬الرحيل‭ ‬قسراً‭. ‬ورابعاً،‭ ‬سقوط‭ ‬القناع‭ ‬عن‭ ‬السردية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬ما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬حدوث‭ ‬تحوّل‭ ‬جذري‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬وتزايد‭ ‬حدّة‭ ‬الانتقادات‭ ‬الموجّهة‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬بايدن‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬نفسه‭. ‬وخامساً،‭ ‬إعلان‭ ‬منظّمات‭ ‬من‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬الناخبين‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬رفضها‭ ‬التصويت‭ ‬لمصلحة‭ ‬بايدن‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬المقبلة‭.‬

لم‭ ‬يمسّ‭ ‬التغير‭ ‬الذي‭ ‬طرأ‭ ‬على‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬جوهر‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬سعت‭ ‬إسرائيل‭ ‬لتحقيقها‭ ‬واقتصر‭ ‬على‭ ‬أمريْن‭. ‬الأول‭: ‬يتعلّق‭ ‬بالبعد‭ ‬الإنساني‭ ‬للأزمة،‭ ‬فقد‭ ‬بدا‭ ‬نتنياهو‭ ‬فاقد‭ ‬الحسّ‭ ‬تماما‭ ‬تجاه‭ ‬المعاناة‭ ‬الهائلة‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بسبب‭ ‬حرب‭ ‬التدمير‭ ‬والتجويع‭ ‬والإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬فرضها‭ ‬عليه‭. ‬ويصرّ،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬على‭ ‬اقتحام‭ ‬مدينة‭ ‬رفح‭ ‬التي‭ ‬يتكدّس‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬مليون‭ ‬ونصف‭ ‬المليون‭ ‬فلسطيني‭. ‬وقد‭ ‬حاول‭ ‬بايدن‭ ‬حثّ‭ ‬نتنياهو‭ ‬على‭ ‬السماح‭ ‬بدخول‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬إلى‭ ‬القطاع،‭ ‬وطالبه‭ ‬بعدم‭ ‬اقتحام‭ ‬مدينة‭ ‬رفح‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬تقديم‭ ‬خطّة‭ ‬مقنعة‭ ‬تضمن‭ ‬حماية‭ ‬المدنيين‭ ‬الذين‭ ‬يتكدّسون‭ ‬فيها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يستجب‭ ‬له،‭ ‬بل‭ ‬راح‭ ‬يواصل‭ ‬تصريحاته‭ ‬المستفزّة‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬إصراره‭ ‬على‭ ‬اقتحام‭ ‬رفح،‭ ‬ولم‭ ‬يتردّد‭ ‬في‭ ‬اتهام‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يحاول‭ ‬ثنيه‭ ‬عن‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الخطوة‭ ‬بمعاداة‭ ‬إسرائيل‭ ‬ومنعها‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬‮«‬نصر‭ ‬مطلقٍ‭ ‬على‭ ‬حماس‮»‬‭. ‬الثاني‭: ‬يتعلق‭ ‬برؤية‭ ‬نتنياهو‭ ‬إلى‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬بعد‭ ‬توقّف‭ ‬القتال،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬والأمريكيون‭ ‬‮«‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬حماس‮»‬‭. ‬وكذلك‭ ‬رؤيته‭ ‬المستقبلية‭ ‬لتسوية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬فليست‭ ‬لدى‭ ‬نتنياهو‭ ‬خطة‭ ‬واضحة‭ ‬لإدارة‭ ‬القطاع‭ ‬بعد‭ ‬توقف‭ ‬القتال،‭ ‬فهو‭ ‬تارة‭ ‬يتحدّث‭ ‬عن‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬اقتطاع‭ ‬‮«‬حزام‭ ‬أمني‮»‬‭ ‬شمال‭ ‬القطاع،‭ ‬وتارة‭ ‬أخرى‭ ‬يتحدّث‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬احتفاظ‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالقدرة‭ ‬على‭ ‬التدخل‭ ‬الأمني‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة،‭ ‬ويرفض‭ ‬عودة‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لإدارته،‭ ‬مفضلاً‭ ‬وضع‭ ‬القطاع‭ ‬تحت‭ ‬سلطة‭ ‬إدارة‭ ‬مدنية‭ ‬تتشكّل‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬القبائل‭ ‬ووجهاء‭ ‬العائلات،‭ ‬شريطة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مستعدّة‭ ‬للتنسيق‭ ‬الدائم‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتصل‭ ‬بالشؤون‭ ‬الأمنية‭.‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬يرفض‭ ‬رفضا‭ ‬قاطعا‭ ‬‮«‬حلّ‭ ‬الدولتين‮»‬،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المقترحة‭ ‬منزوعة‭ ‬السلاح‭. ‬أما‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬فتسعى‭ ‬إلى‭ ‬إقناع‭ ‬نتنياهو‭ ‬بقبول‭ ‬هدنة‭ ‬طويلة‭ ‬مؤقتة،‭ ‬تأمل‭ ‬أن‭ ‬تتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬دائم‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬لاحقة،‭ ‬ما‭ ‬يتيح‭ ‬إمكانية‭ ‬إنهاء‭ ‬ملفّ‭ ‬الأسرى‭ ‬وضمان‭ ‬عودة‭ ‬جميع‭ ‬المحتجزين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬والأمريكيين‭ ‬إلى‭ ‬ذويهم‭ ‬عبر‭ ‬التفاوض،‭ ‬ثم‭ ‬بدء‭ ‬مرحلة‭ ‬انتقالية‭ ‬تتولى‭ ‬خلالها‭ ‬دول‭ ‬عربية،‭ ‬إدارة‭ ‬القطاع‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬نزع‭ ‬سلاح‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬وضمان‭ ‬عدم‭ ‬تكرار‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭. ‬والشروع‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬‮«‬تجديد‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‮»‬‭ ‬بطريقةٍ‭ ‬تؤهلها‭ ‬لاستلام‭ ‬إدارة‭ ‬القطاع‭ ‬وبدء‭ ‬المفاوضات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتنشيط‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭. ‬وبهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬تضمن‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لنفسها‭ ‬فترة‭ ‬هدوء‭ ‬طويلة‭ ‬تستطيع‭ ‬خلالها‭ ‬التفرّغ‭ ‬لمتطلبات‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬المقبلة‭. ‬وتضمن‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬إنجاز‭ ‬معظم‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقها‭. ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬‮«‬الضربة‭ ‬القاضية‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الانتصار‭ ‬المطلق‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يتحدّث‭ ‬عنه‭ ‬نتنياهو‭ ‬ويصرّ‭ ‬عليه‭.‬

هذا‭ ‬الطرح‭ ‬الأمريكي‭ ‬لا‭ ‬يستهوي‭ ‬نتنياهو‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬مستقبله‭ ‬السياسي‭ ‬مرهونٌ‭ ‬بالقدرة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬انتصار‭ ‬عسكري‭ ‬شامل‭ ‬لا‭ ‬شبهة‭ ‬فيه،‭ ‬يسمح‭ ‬بغسل‭ ‬عار‭ ‬الهزيمة‭ ‬القاسية‭ ‬التي‭ ‬تكبّدها‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬والتي‭ ‬يتحمّل‭ ‬وحده‭ ‬المسؤولية‭ ‬السياسية‭ ‬عنها،‭ ‬رغم‭ ‬حرصه‭ ‬الشديد‭ ‬على‭ ‬التنصّل‭ ‬منها‭ ‬وتحميلها‭ ‬للأجهزة‭ ‬الأمنية‭. ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو‭ ‬يخشى‭ ‬أن‭ ‬تؤدّي‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬هدنة‭ ‬مؤقتة‭ ‬طويلة‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬دائم‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يتسبّب‭ ‬في‭ ‬انهيار‭ ‬حكومته،‭ ‬واللجوء‭ ‬إلى‭ ‬انتخابات‭ ‬برلمانية‭ ‬مبكّرة‭ ‬يدرك‭ ‬يقينا‭ ‬أن‭ ‬حزبه‭ ‬سيخسرها،‭ ‬وأنها‭ ‬ستؤدّي‭ ‬ليس‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬دوره‭ ‬السياسي‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬ملاحقته‭ ‬قضائياً،‭ ‬وربما‭ ‬دخوله‭ ‬السجن‭. ‬لذا‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يرفض‭ ‬نتنياهو‭ ‬قبول‭ ‬العرض‭ ‬المرن‭ ‬الذي‭ ‬تقدّمت‭ ‬به‭ ‬حماس‭ ‬أخيراً،‭ ‬والذي‭ ‬ترى‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أنه‭ ‬يصلح‭ ‬أساسا‭ ‬للتفاوض،‭ ‬بل‭ ‬وقد‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الإقدام‭ ‬بالفعل‭ ‬على‭ ‬اجتياح‭ ‬مدينة‭ ‬رفح،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكترث‭ ‬كثيراً‭ ‬لحجم‭ ‬المأساة‭ ‬الانسانية‭ ‬التي‭ ‬ستترتب‭ ‬حتما‭ ‬على‭ ‬خطوة‭ ‬كهذه،‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬اتّساع‭ ‬الهوة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بشأن‭ ‬سبل‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬المأزق‭ ‬الراهن‭.‬

لدى‭ ‬بايدن‭ ‬وسائل‭ ‬عديدة‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬نتنياهو،‭ ‬بل‭ ‬لإجباره‭ ‬على‭ ‬قبول‭ ‬وقف‭ ‬فوري‭ ‬ودائم‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار،‭ ‬لكنه‭ ‬لن‭ ‬يستخدمها،‭ ‬فهو‭ ‬يبدو‭ ‬شديد‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬إلحاق‭ ‬أي‭ ‬أذى‭ ‬بإسرائيل،‭ ‬لأنه،‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬‮«‬صهيوني‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬النخاع‭. ‬ولأنه،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ركيزة‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وأنها‭ ‬‮«‬وجدت‭ ‬لتبقى‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬لتعيّن‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إيجادها‮»‬‭. ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬يستطيع‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬دفع‭ ‬القيادات‭ ‬اليهودية‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬إلى‭ ‬انتقاد‭ ‬نتنياهو،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬رئيس‭ ‬الأغلبية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ،‭ ‬تشاك‭ ‬شومر،‭ ‬والذي‭ ‬ذهب،‭ ‬أخيراً،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬المطالبة‭ ‬بانتخابات‭ ‬برلمانية‭ ‬مبكّرة‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ورفض‭ ‬طلب‭ ‬نتنياهو‭ ‬التحدّث‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬الكتلة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭. ‬وتلك‭ ‬إجراءات‭ ‬أظنّ‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬لردع‭ ‬نتنياهو‭. ‬لذا‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتحسّب‭ ‬لوقوع‭ ‬الأسوأ‭.‬

{ أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

‭ ‬بجامعة‭ ‬القاهرة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا