العدد : ١٦٨٣٦ - السبت ٢٧ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٨ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٣٦ - السبت ٢٧ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٨ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

معالم قضية العصر

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الاثنين ٢٥ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

يجْني‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬كثيراً‭ ‬عندما‭ ‬يُنتج‭ ‬مواداً‭ ‬كيميائية‭ ‬استهلاكية‭ ‬ويدخلها‭ ‬في‭ ‬أسواقنا‭ ‬وبيئتنا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬دراسات‭ ‬متكاملة‭ ‬وشاملة‭ ‬لما‭ ‬قد‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬المواد‭ ‬من‭ ‬فسادٍ‭ ‬عظيمٍ‭ ‬ومزمن‭ ‬لصحتنا‭ ‬وسلامة‭ ‬بيئتنا‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر،‭ ‬كان‭ ‬المبيد‭ ‬الحشري‭ ‬السحري‭ ‬المعروف‭ ‬بالـ«دِي‭ ‬دِي‭ ‬تِي‮»‬‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬إنجازات‭ ‬الإنسان‭ ‬الطبية‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الأمراض‭ ‬كالملاريا‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يقتل‭ ‬الملايين،‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬قليله‭ ‬تم‭ ‬حظر‭ ‬المبيد‭ ‬عندما‭ ‬تأكد‭ ‬أن‭ ‬أضراره‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬منافعه،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬تم‭ ‬تقنينه‭ ‬وحصره‭ ‬في‭ ‬تطبيقات‭ ‬ضيقة‭ ‬جداً‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬البديل‭ ‬المناسب‭. ‬وفي‭ ‬التسعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬أَنْتج‭ ‬الإنسان‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المركبات‭ ‬العضوية‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬عنصري‭ ‬الكلورين‭ ‬والفلورين،‭ ‬واعْتُبرتْ‭ ‬مركبات‭ ‬‮«‬أعجوبة‮»‬‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬تطبيقات‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬ولا‭ ‬تحصى،‭ ‬ثم‭ ‬تبين‭ ‬للعلماء‭ ‬أنفسهم‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬المركبات‭ ‬تنتقل‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬العليا‭ ‬وإلى‭ ‬طبقة‭ ‬الأوزون‭ ‬التي‭ ‬تحمي‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬ومن‭ ‬عليها،‭ ‬فتحلل‭ ‬غاز‭ ‬الأوزون‭ ‬وتسمح‭ ‬بمرور‭ ‬الأشعة‭ ‬فوق‭ ‬البنفسجية‭ ‬القاتلة‭ ‬للوصول‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬كوكبنا،‭ ‬فقام‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الاكتشاف‭ ‬بحظر‭ ‬استخدامها‭.‬

واليوم‭ ‬نقف‭ ‬أمام‭ ‬معضلة‭ ‬في‭ ‬تقديري‭ ‬أشد‭ ‬وطأة‭ ‬وتنكيلاً‭ ‬وتأثيراً‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬ذكرتُها،‭ ‬وأعتَبِرهُا‭ ‬مشكلة‭ ‬العصر‭ ‬القادمة‭ ‬التي‭ ‬ستحير‭ ‬العلماء‭ ‬وتقلق‭ ‬رجال‭ ‬السياسة‭ ‬والحُكم،‭ ‬وهي‭ ‬المنتجات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬والمخلفات‭ ‬الكبيرة‭ ‬والصغيرة‭ ‬الحجم‭ ‬التي‭ ‬تنتج‭ ‬عنها‭ ‬بعد‭ ‬التخلص‭ ‬منها،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الجسيمات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬الدقيقة‭ ‬المجهرية‭ ‬التي‭ ‬تنتج‭ ‬عن‭ ‬تجزؤ‭ ‬وتفتت‭ ‬المخلفات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬إلى‭ ‬جسيمات‭ ‬أصغر‭ ‬فأصغر‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬المايكرو‭ ‬والنانومتر،‭ ‬أي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬المليون‭ ‬وجزء‭ ‬من‭ ‬البليون‭ ‬في‭ ‬الحجم‭.‬

ولذلك‭ ‬أستطيعُ‭ ‬أن‭ ‬أُحدد‭ ‬معالم‭ ‬مشكلة‭ ‬العصر‭ ‬البلاستيكية‭ ‬القادمة‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬قضايا‭ ‬وتحديات‭ ‬رئيسة‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬مواجهتها‭ ‬وإدارتها‭ ‬بأسلوب‭ ‬مستدام‭ ‬وفاعل‭. ‬أما‭ ‬القضية‭ ‬الأولى‭ ‬فتتمثل‭ ‬في‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الكيميائية‭ ‬السرية‭ ‬غير‭ ‬المعروفة‭ ‬التي‭ ‬تضاف‭ ‬عند‭ ‬صناعة‭ ‬المنتجات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعطائها‭ ‬اللون‭ ‬المطلوب،‭ ‬وتحسين‭ ‬خواصها‭ ‬ومميزاتها‭ ‬حسب‭ ‬نوع‭ ‬المُنتج‭. ‬وتأتي‭ ‬تفاصيل‭ ‬هذه‭ ‬المعضلة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬التقرير‭ ‬الدولي‭ ‬الشامل‭ ‬الأول‭ ‬المنشور‭ ‬في‭ ‬14‭ ‬مارس‭ ‬2024‭ ‬باسم‭ ‬تقرير‭ ‬‮«‬بلاست‭ ‬كيم‮»‬‭ (‬PlastChem‭) ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬أَحدثْ‭ ‬ما‭ ‬توصل‭ ‬إليه‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المواد‭ ‬الكيميائية‭ ‬البلاستيكية‮»‬‭. ‬فقد‭ ‬أفاد‭ ‬التقرير‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬16‭ ‬ألفا‭ ‬من‭ ‬المضافات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬الإنسان‭ ‬عنها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تركيبها‭ ‬الكيميائي،‭ ‬ولم‭ ‬يقم‭ ‬بتقييمها‭ ‬بشكلٍ‭ ‬تفصيلي‭ ‬معمق،‭ ‬ولم‭ ‬يجر‭ ‬دراسات‭ ‬مستفيضة‭ ‬حول‭ ‬هويتها،‭ ‬وخصائصها‭ ‬الكيميائية‭ ‬والفيزيائية‭ ‬والحيوية،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬سميتها‭ ‬وتأثيرها‭ ‬وأضرارها‭ ‬والمخاطر‭ ‬التي‭ ‬تنجم‭ ‬عنها‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬والحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬ومكونات‭ ‬بيئتنا‭. ‬وهذه‭ ‬المواد‭ ‬الكيميائية‭ ‬التي‭ ‬تضاف‭ ‬إلى‭ ‬البلاستيك‭ ‬تترشح‭ ‬من‭ ‬المخلفات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬عند‭ ‬تعرضها‭ ‬للمتغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬من‭ ‬الضوء‭ ‬والحرارة‭ ‬وغيرهما،‭ ‬فتنتقل‭ ‬إلى‭ ‬مكونات‭ ‬بيئتنا‭ ‬المختلفة‭ ‬والحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬فيها‭ ‬وتتراكم‭ ‬في‭ ‬أعضائها،‭ ‬ثم‭ ‬عبر‭ ‬السلسلة‭ ‬الغذائية‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الإنسان،‭ ‬ولا‭ ‬يعلم‭ ‬أحد‭ ‬عن‭ ‬عواقبها‭ ‬الصحية‭ ‬على‭ ‬البشر‭ ‬والأمراض‭ ‬والعلل‭ ‬الغامضة‭ ‬والغريبة‭ ‬المزمنة‭ ‬التي‭ ‬سيتعرض‭ ‬لها‭ ‬الإنسان‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭. ‬ولذلك‭ ‬على‭ ‬الجهات‭ ‬الدولية‭ ‬والقومية‭ ‬المختصة‭ ‬إلزام‭ ‬الشركات‭ ‬المصنعة‭ ‬للبلاستيك‭ ‬والمنتجات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬بتقديم‭ ‬قائمة‭ ‬بتركيز‭ ‬ونوعية‭ ‬جميع‭ ‬المواد‭ ‬الكيميائية‭ ‬التي‭ ‬تضاف‭ ‬إلى‭ ‬البلاستيك،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬حثها‭ ‬على‭ ‬إجراء‭ ‬الدراسات‭ ‬اللازمة‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬قابلية‭ ‬هذه‭ ‬المواد‭ ‬على‭ ‬التحلل‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬التراكم‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬معرفة‭ ‬سلامتها‭ ‬وأمنها‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬ومكونات‭ ‬بيئته‭ ‬والحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬قبل‭ ‬إضافتها‭ ‬إلى‭ ‬المنتجات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬وتقديمها‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق‭. ‬

والقضية‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬معالم‭ ‬مشكلة‭ ‬العصر‭ ‬البلاستيكية‭ ‬فهي‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬البلاستيك‭ ‬نفسه‭. ‬فالبلاستيك‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مواد‭ ‬‮«‬متبلمرة‮»‬‭ ‬ذات‭ ‬الوزن‭ ‬الجزيئي‭ ‬الكبير‭ ‬جداً‭ (‬Polymers‭)‬،‭ ‬وتحتوي‭ ‬على‭ ‬خليطٍ‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬العضوية‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬عناصر‭ ‬مختلفة‭ ‬كالكلورين،‭ ‬والفلورين،‭ ‬والبرومين‭ ‬وغيرها‭ ‬الكثير‭. ‬وهذه‭ ‬المركبات‭ ‬المتبلمرة‭ ‬البلاستيكية‭ ‬لها‭ ‬خاصية‭ ‬سلبية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬سلامة‭ ‬البيئة‭ ‬وصحة‭ ‬الإنسان‭ ‬والحياة‭ ‬الفطرية،‭ ‬فهي‭ ‬عندما‭ ‬تنتقل‭ ‬إلى‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة‭ ‬لا‭ ‬تتحلل‭ ‬كلياً،‭ ‬وإنما‭ ‬تتفتت‭ ‬وتتكسر‭ ‬وتتجزأ‭ ‬كيميائياً‭ ‬وفيزيائياً‭ ‬وحيوياً‭ ‬إلى‭ ‬أجزاء‭ ‬أصغر،‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬في‭ ‬حجمها‭ ‬إلى‭ ‬جسيمات‭ ‬بلاستيكية‭ ‬دقيقة‭ ‬جداً،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬تُرى‭ ‬بالعين‭ ‬المجردة،‭ ‬ولها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التحرك‭ ‬والانتقال‭ ‬إلى‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الأنف‭ ‬أو‭ ‬الجلد‭ ‬من‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي،‭ ‬أو‭ ‬الفم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استهلاك‭ ‬مواد‭ ‬غذائية‭ ‬أو‭ ‬مشروبات‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الجسيمات‭ ‬المجهرية،‭ ‬وهي‭ ‬بدورها‭ ‬تنتقل‭ ‬إلى‭ ‬الرئتين‭ ‬فتتراكم‭ ‬فيهما،‭ ‬أو‭ ‬تنتقل‭ ‬إلى‭ ‬مجرى‭ ‬الدم‭ ‬وتدخل‭ ‬في‭ ‬خلايا‭ ‬الجسم‭ ‬وباقي‭ ‬الأعضاء،‭ ‬فتتراكم‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬ويزيد‭ ‬تركيزها‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭.‬

وهنا‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬صنفين‭ ‬كبيرين‭ ‬من‭ ‬المخلفات،‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬المخلفات‭ ‬الكبيرة‭ ‬الحجم‭ ‬التي‭ ‬نراها‭ ‬بالعين‭ ‬المجردة‭ ‬في‭ ‬سواحل‭ ‬ووسط‭ ‬البحر،‭ ‬وفي‭ ‬الأعماق‭ ‬في‭ ‬تربة‭ ‬قاع‭ ‬البحر،‭ ‬وفي‭ ‬الصحاري،‭ ‬وعلى‭ ‬الأشجار،‭ ‬وفي‭ ‬مواقع‭ ‬دفن‭ ‬المخلفات‭ ‬البلدية‭ ‬الصلبة،‭ ‬والثاني‭ ‬وهو‭ ‬الأخطر‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬سراً‭ ‬حياة‭ ‬الحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬والإنسان‭ ‬وهو‭ ‬المخلفات‭ ‬المايكروبلاستيكية‭ ‬والنانوبلاستيكية‭ ‬غير‭ ‬المرئية‭. ‬أما‭ ‬الصنف‭ ‬الأول،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬البيئات‭ ‬البحرية،‭ ‬فقد‭ ‬تكونت‭ ‬مواقع‭ ‬ضخمة‭ ‬معروفة‭ ‬وتمت‭ ‬دراستها‭ ‬بالتفصيل،‭ ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ،‭ ‬وتغطي‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الكيلومترات‭ ‬المربعة‭ ‬وتحمل‭ ‬في‭ ‬بطنها‭ ‬هذه‭ ‬المخلفات‭ ‬مثل‭ ‬منطقة‭(‬Great‭ ‬Pacific‭ ‬Garbage‭ ‬Patch‭). ‬وهذه‭ ‬المخلفات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬تكون‭ ‬إما‭ ‬طافية‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬الماء،‭ ‬وإما‭ ‬عالقة‭ ‬في‭ ‬عمود‭ ‬الماء،‭ ‬وإما‭ ‬جاثمة‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬التربة‭ ‬القاعية‭ ‬أو‭ ‬بداخلها‭. ‬كما‭ ‬أكدت‭ ‬دراسة‭ ‬منشورة‭ ‬في‭ ‬23‭ ‬فبراير‭ ‬2024‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬علوم‭ ‬وتقنية‭ ‬البيئة‮»‬‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬مواقع‭ ‬مهمة‭ ‬للجسيمات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬الطافية‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ‮»‬،‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬المخلفات‭ ‬توسعت‭ ‬دائرة‭ ‬انتشارها‭ ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬نائية‭ ‬ومحمية‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ‭. ‬وهذه‭ ‬الدراسة‭ ‬أخذت‭ ‬عينات‭ ‬من‭ ‬المخلفات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬والمايكروبلاستيكية‭ ‬السطحية‭ (‬حجمها‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬330‭ ‬مايكرومتر‭) ‬التي‭ ‬تسرح‭ ‬وتمرح‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬الماء‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬المحميات‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬هاواي،‭ ‬حيث‭ ‬أفادت‭ ‬بأن‭ ‬تركيزها‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬285200‭ ‬قطعة‭ ‬لكل‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع‭. ‬والصنف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬المخلفات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬فهي‭ ‬الجسيمات‭ ‬الدقيقة‭ ‬والمجهرية،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬ستشكل‭ ‬التهديد‭ ‬الأكبر‭ ‬للبشرية‭ ‬جمعاء،‭ ‬وستكون‭ ‬محل‭ ‬بحث‭ ‬تفصيلي‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬من‭ ‬تخصصات‭ ‬مختلفة،‭ ‬وبخاصة‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬تأثيراتها‭ ‬الصحية‭ ‬عندما‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬أعضاء‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان،‭ ‬والأسقام‭ ‬والعلل‭ ‬المستقبلية‭ ‬التي‭ ‬ستسببها‭ ‬للبشرية‭.‬

وأما‭ ‬القضية‭ ‬الثالثة‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬معالم‭ ‬مشكلة‭ ‬العصر‭ ‬البلاستيكية‭ ‬فهي‭ ‬تصنيع‭ ‬منتجات‭ ‬بلاستيكية‭ ‬مستدامة‭ ‬وسليمة‭ ‬بيئياً‭ ‬وآمنة‭ ‬صحياً‭ ‬للإنسان،‭ ‬بحيث‭ ‬تأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬‮«‬دورة‭ ‬حياة‭ ‬البلاستيك‮»‬‭ ‬وأداة‭ ‬التصميم‭ ‬البيئي‭ ‬منذ‭ ‬الخطوة‭ ‬الأولى،‭ ‬وتتميز‭ ‬بعدة‭ ‬خصائص‭ ‬بيئية‭ ‬وصحية‭ ‬سليمة،‭ ‬منها‭ ‬أنها‭ ‬تكون‭ ‬قابلة‭ ‬للتحلل‭ ‬الحيوي‭ ‬عندما‭ ‬تُصرف‭ ‬في‭ ‬البيئة،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬سهلة‭ ‬التدوير‭ ‬وإعادة‭ ‬الاستعمال،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬المواد‭ ‬المضافة‭ ‬آمنة‭ ‬وسليمة‭ ‬للإنسان‭ ‬والحياة‭ ‬الفطرية‭. ‬كذلك‭ ‬يتم‭ ‬تقنين‭ ‬وتنظيم‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المضافات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬آلية‭ ‬وأداة‭ ‬دولية‭ ‬كمعاهدة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬حول‭ ‬التلوث‭ ‬العالمي‭ ‬بالبلاستيك‭. ‬فهذه‭ ‬المشكلة‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬خيوطها‭ ‬تنكشف‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬وبدأت‭ ‬معالمها‭ ‬تتضح‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً،‭ ‬ستكون‭ ‬هي‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬المشكلات‭ ‬البيئية‭ ‬الصحية‭ ‬التي‭ ‬واجهها‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬فنحن‭ ‬سنتعامل‭ ‬مع‭ ‬منتج‭ ‬واسع‭ ‬الانتشار‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬التخلي‭ ‬عنه،‭ ‬ونتعامل‭ ‬مع‭ ‬مخلفات‭ ‬صلبة‭ ‬بلاستيكية‭ ‬ثابتة‭ ‬ومستقرة‭ ‬ولا‭ ‬تتحلل‭ ‬وتفشت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكونات‭ ‬بيئتنا‭ ‬والحياة‭ ‬الفطرية،‭ ‬ثم‭ ‬سنتعامل‭ ‬مع‭ ‬التهديد‭ ‬الصحي‭ ‬الأكبر‭ ‬وهو‭ ‬مخلفات‭ ‬مايكروبلاستيكية‭ ‬مجهرية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬مشاهدتها‭ ‬أمامنا‭ ‬بالعين‭ ‬المجردة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬رؤيتها‭ ‬في‭ ‬عناصر‭ ‬بيئتنا،‭ ‬وهي‭ ‬أخذت‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬تزحف‭ ‬رويداً‭ ‬رويدا‭ ‬إلى‭ ‬شرايين‭ ‬أجسامنا،‭ ‬وتغزو‭ ‬كل‭ ‬عضو،‭ ‬وكل‭ ‬خلية‭ ‬من‭ ‬خلايانا،‭ ‬وأخيراً‭ ‬سنقف‭ ‬أمام‭ ‬أمراض‭ ‬مستعصية‭ ‬على‭ ‬العلاج‭ ‬وفريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬قد‭ ‬نجمت‭ ‬بسبب‭ ‬تراكم‭ ‬وارتفاع‭ ‬تركيز‭ ‬هذه‭ ‬الجسيمات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬الدقيقة‭ ‬في‭ ‬أعضائنا‭. ‬

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا