العدد : ١٦٨٤٢ - الجمعة ٠٣ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٢ - الجمعة ٠٣ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

ماذا وراء التصعيد الفرنسي ضد روسيا؟

بقلم: د. نبيل العسومي

السبت ٢٣ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

الذي‭ ‬يستمع‭ ‬إلى‭ ‬تصريحات‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬أو‭ ‬فحوى‭ ‬المقابلات‭ ‬التي‭ ‬أجرتها‭ ‬معه‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية‭ ‬وعبر‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬استعداد‭ ‬فرنسا‭ ‬للدخول‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إرسال‭ ‬قوات‭ ‬برية‭ ‬إلى‭ ‬كييف،‭ ‬والذي‭ ‬يطالع‭ ‬أيضا‭ ‬تفاصيل‭ ‬الاتفاق‭ ‬الأمني‭ ‬الذي‭ ‬وقعه‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬فلاديمير‭ ‬زيلينسكي‭ ‬مؤخرا‭ ‬يتبادر‭ ‬إلى‭ ‬ذهنه‭ ‬بأن‭ ‬الجمهورية‭ ‬الفرنسية‭ ‬دولة‭ ‬مواجهة‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وإن‭ ‬الحرب‭ ‬قائمة‭ ‬بينهما‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يتبادر‭ ‬إلى‭ ‬الذهن‭ ‬بأن‭ ‬روسيا‭ ‬تستعد‭ ‬لغزو‭ ‬فرنسا‭.‬

الغريب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفورة‭ ‬الماركونية‭ ‬من‭ ‬التصريحات‭ ‬والتهديدات‭ ‬الدنكيشونية‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬عامة‭ ‬وضد‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬خاصة‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬معزولة‭ ‬تماما‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الفرنسي‭ ‬حيث‭ ‬أجمعت‭ ‬أغلب‭ ‬الأحزاب‭ ‬الفرنسية‭ ‬من‭ ‬أقصى‭ ‬اليمين‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬اليسار‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬والتنديد‭ ‬بها‭ ‬واعتبارها‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الهروب‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬أو‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬التغطية‭ ‬على‭ ‬المشكلات‭ ‬الداخلية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬المتفاقمة‭ ‬ولعل‭ ‬أفضل‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬اعتبره‭ ‬أحد‭ ‬زعماء‭ ‬اليسار‭ ‬الفرنسي‭ ‬السيد‭ ‬ميلونشوة‭ ‬جنونا‭ ‬حقيقيا‭ ‬ومحاولة‭ ‬لتوريط‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬لا‭ ‬ناقة‭ ‬لها‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬جمل‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬التصريحات‭ ‬الفجة‭ ‬لاقت‭ ‬رفضا‭ ‬شبه‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الشركاء‭ ‬الأوروبيين‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬الأمريكان‭ ‬أنفسهم‭ ‬ولم‭ ‬يساند‭ ‬السيد‭ ‬ماكرون‭ ‬تقريبا‭ ‬إلا‭ ‬رئيس‭ ‬لاتفيا‭ ‬فهنالك‭ ‬إجماع‭ ‬شبه‭ ‬كامل‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التوريطات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تورطت‭ ‬فيها‭ ‬دول‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬بل‭ ‬وشاركت‭ ‬في‭ ‬افتعالها‭ ‬وخلقها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬3‭ ‬إجراءات‭:‬

الأول‭: ‬الرفض‭ ‬القاطع‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وشركائها‭ ‬لانضمام‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬والذي‭ ‬قدمه‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬كتعبير‭ ‬عن‭ ‬حسن‭ ‬النية‭ ‬والاستعداد‭ ‬للتعاون‭ ‬والشراكة‭ ‬الأمنية‭ ‬الكاملة‭ ‬وهذا‭ ‬الرفض‭ ‬يؤكد‭ ‬النزعة‭ ‬العدوانية‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬بشكل‭ ‬استفزازي‭ ‬ويخفي‭ ‬المقاصد‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تقويض‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭.‬

الثاني‭: ‬المساعدة‭ ‬على‭ ‬حدوث‭ ‬انقلاب‭ ‬ضد‭ ‬فيكتور‭ ‬يانكوفيتش‭ ‬الرئيس‭ ‬الشرعي‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬والاتيان‭ ‬بمجموعة‭ ‬نازية‭ ‬معادية‭ ‬لروسيا‭ ‬لتحكم‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وتتحول‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬لتهديد‭ ‬الروس‭ ‬الأوكران‭ ‬ومسحهم‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الدنباس‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬إثارة‭ ‬الفتن‭ ‬داخل‭ ‬روسيا‭ ‬لإضعاف‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬الكبيرة‭ ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬نشر‭ ‬مؤخرا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الصحافة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بأن‭ ‬وكالة‭ ‬المخابرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬قد‭ ‬أنشأت‭ ‬24‭ ‬قاعدة‭ ‬أو‭ ‬مركزا‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الحدود‭ ‬الروسية‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الإجراء‭ ‬هدفه‭ ‬التصنت‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬ومحاولة‭ ‬الإضرار‭ ‬بأمنها‭ ‬واستقرارها‭.‬

الثالث‭: ‬الخديعة‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬شاركت‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وألمانيا‭ ‬في‭ ‬اتفاقيات‭ ‬مينسك‭ ‬2014‭ ‬ومينسك‭ ‬2015‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬عليها‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وجمهورية‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وشهدت‭ ‬عليها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬وألمانيا‭ ‬كدولتين‭ ‬ضامنتين‭ ‬لهذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬اعترفت‭ ‬المستشار‭ ‬الألمانية‭ ‬السابقة‭ ‬أنجيلا‭ ‬ميركل‭ ‬بأن‭ ‬هاتين‭ ‬الاتفاقيتين‭ ‬كان‭ ‬هدفهما‭ ‬الأساسي‭ ‬هو‭ ‬إعطاء‭ ‬فرصة‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬لتسليح‭ ‬نفسها‭ ‬وتستعد‭ ‬لخوض‭ ‬حرب‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬وهذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬وأصبحت‭ ‬معلومة‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬كان‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬مخادعة‭ ‬روسيا‭ ‬ومحاصرتها‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لخنقها‭ ‬وإثارة‭ ‬القلاقل‭ ‬لتفتيتها‭.‬

هذا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬العوامل‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬يعلمها‭ ‬القاصي‭ ‬والداني‭ ‬اليوم‭ ‬وهي‭ ‬تنصل‭ ‬دول‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬عن‭ ‬عهودها‭ ‬في‭ ‬التسعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬بعدم‭ ‬توسع‭ ‬هذا‭ ‬الحلف‭ ‬الذي‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬دفاعيا‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬الحدود‭ ‬الروسية‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الحلف‭ ‬قد‭ ‬سعى‭ ‬باستمرار‭ ‬إلى‭ ‬محاصرة‭ ‬روسيا‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬إلى‭ ‬أعتاب‭ ‬الحدود‭ ‬الروسية‭ ‬بعد‭ ‬انضمام‭ ‬فنلندا‭ ‬والسويد‭ ‬إلى‭ ‬الحلف‭.‬

هذه‭ ‬النزعة‭ ‬العدوانية‭ ‬وانعدام‭ ‬الإحساس‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬الإنسانية‭ ‬والسياسية‭ ‬والقانونية‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬رسائل‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬بأن‭ ‬الحلف‭ ‬لن‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬السعي‭ ‬لإسقاط‭ ‬روسيا‭ ‬ونظامها‭ ‬السياسي‭ ‬وتفكيكها‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الحلف‭ ‬في‭ ‬يوغسلافيا‭ ‬السابقة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أي‭ ‬قوة‭ ‬منافسة‭ ‬لحلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬أو‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬قدراتها‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬نضع‭ ‬تصريحات‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬المتكررة‭ ‬والعدوانية‭ ‬تجاه‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬كرد‭ ‬فعل‭ ‬على‭ ‬فشل‭ ‬الخطط‭ ‬الغربية‭ ‬وخطط‭ ‬الناتو‭ ‬بعد‭ ‬فشل‭ ‬الهجوم‭ ‬المضاد‭ ‬الأوكراني‭ ‬الذي‭ ‬أنفقت‭ ‬عليه‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬عندها‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬وأسلحة‭ ‬وذخائر‭ ‬ولكنها‭ ‬هزمت‭ ‬هزيمة‭ ‬نكراء‭ ‬أمام‭ ‬القوة‭ ‬الروسية‭ ‬الجبارة‭.‬

إن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬العدوانية‭ ‬لا‭ ‬تخدم‭ ‬الأمن‭ ‬والسلام‭ ‬العالمي‭ ‬خاصة‭ ‬وإن‭ ‬روسيا‭ ‬برهنت‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬عن‭ ‬استعدادها‭ ‬الدائم‭ ‬للتفاوض‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬حلول‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تحييد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وإلى‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬وضمان‭ ‬حقوق‭ ‬الروس‭ ‬بحيث‭ ‬يكون‭ ‬لهم‭ ‬وضع‭ ‬خاص‭ ‬في‭ ‬الأقاليم‭ ‬المحاذية‭ ‬للحدود‭ ‬الروسية‭ ‬وكاد‭ ‬ممثلو‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬المفاوضات‭ ‬بتركيا‭ ‬أن‭ ‬يوقعوا‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬والمأساة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الويات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وبريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬في‭ ‬اللحظات‭ ‬الأخيرة‭ ‬أفشل‭ ‬ذلك‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تنهي‭ ‬الحرب‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬ونصف‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬بالوكالة‭ ‬لصالح‭ ‬الغرب‭ ‬أما‭ ‬تصريحات‭ ‬ماكرون‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬صدى‭ ‬لهذا‭ ‬التورط‭ ‬الغربي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا