العدد : ١٦٨٣٧ - الأحد ٢٨ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٣٧ - الأحد ٢٨ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

غزة تتوجع في الشهر الفضيل

بقلم: د. نبيل العسومي

الجمعة ١٥ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

حل‭ ‬بنا‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬حاملا‭ ‬معه‭ ‬بشائر‭ ‬الخير‭ ‬والتقوى‭ ‬والعبادة‭ ‬والتقرب‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬بالصلاة‭ ‬والاستغفار‭ ‬والصدقات‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬حلوله‭ ‬بنا‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬يحمل‭ ‬ألما‭ ‬ووجعا‭ ‬في‭ ‬قلوبنا‭ ‬وفي‭ ‬نفوسنا‭ ‬عندما‭ ‬نرى‭ ‬أخوة‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬يعانون‭ ‬الأمرين‭ ‬ومهددين‭ ‬بالمجاعة‭ ‬الكاملة‭ ‬ولا‭ ‬ندري‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬سيصيبهم‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬الذي‭ ‬يمر‭ ‬عليهم‭ ‬قاسيا‭ ‬وموجعا‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬نقص‭ ‬الطعام‭ ‬والشراب‭ ‬والأدوية‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الإنسانية‭ ‬اليومية‭ ‬الضرورية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬دونها‭ ‬يصبح‭ ‬الإنسان‭ ‬مهددا‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬ومهددا‭ ‬في‭ ‬مستقبله‭ ‬ومستقبل‭ ‬أولاده‭.‬

هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭ ‬يعود‭ ‬علينا‭ ‬بالخير‭ ‬وعلى‭ ‬أشقائنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بلاد‭ ‬العالم‭ ‬بالخير‭ ‬والبركة‭ ‬ونتمنى‭ ‬أن‭ ‬ينعم‭ ‬أهلنا‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بالخير‭ ‬مع‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬ترتكبها‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬الإرهابية‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الغزاوي‭ ‬المغلوب‭ ‬على‭ ‬أمره‭.‬

دفعني‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المقدمة‭ ‬شعور‭ ‬عميق‭ ‬بالألم‭ ‬بالرغم‭ ‬مما‭ ‬يحمله‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬من‭ ‬نسمات‭ ‬البركة‭ ‬والفرح‭ ‬والسعادة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬مشارق‭ ‬الأرض‭ ‬ومغاربها‭ ‬الذين‭ ‬يعتبرون‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭ ‬بمثابة‭ ‬العيد‭ ‬والفرصة‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬والأسر‭ ‬وسائر‭ ‬المسلمين‭ ‬باعتباره‭ ‬شهر‭ ‬العبادة‭ ‬والأكثر‭ ‬تعزيزا‭ ‬للجانب‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والإنساني‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفرح‭ ‬وهذه‭ ‬السعادة‭ ‬التي‭ ‬يشيعها‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬المسلمين‭ ‬منغصة‭ ‬بالألم‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وبالدم‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬كل‭ ‬فرح‭ ‬عندنا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬طعم‭ ‬حقيقي‭.‬

ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإننا‭ ‬عندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬بركاته‭ ‬وفضائله‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ ‬أفرادا‭ ‬وجماعات،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نستذكر‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬3‭ ‬جوانب‭ ‬من‭ ‬بركات‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭.‬

الأول‭: ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬هو‭ ‬شهر‭ ‬العبادة‭ ‬بامتياز‭ ‬والتقرب‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬بالصلاة‭ ‬والدعاء‭ ‬وتلاوة‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬خلاله‭ ‬ترقى‭ ‬النفوس‭ ‬والقلوب‭ ‬ويصبح‭ ‬المسلم‭ ‬أكثر‭ ‬فهما‭ ‬لمعاني‭ ‬الصيام‭ ‬وأكثر‭ ‬إدراكا‭ ‬لقيمه‭ ‬الروحية‭ ‬والعبادية‭ ‬ولعل‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬كل‭ ‬ليلة‭ ‬من‭ ‬ليالي‭ ‬رمضان‭ ‬من‭ ‬عبادة‭ ‬وتلاوة‭ ‬تشارك‭ ‬فيها‭ ‬الأغلبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬إسلامي‭ ‬وحتى‭ ‬غير‭ ‬إسلامي‭ ‬ولعل‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬يشكل‭ ‬فيها‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬حضورا‭ ‬استثنائيا‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬التعبد‭ ‬والتقوى‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬الذي‭ ‬كرم‭ ‬أبناء‭ ‬البحرين‭ ‬بالإسلام‭ ‬وفضائله‭.‬

ثانيا‭: ‬الجانب‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬يحول‭ ‬أيام‭ ‬رمضان‭ ‬ولياليه‭ ‬إلى‭ ‬لقاءات‭ ‬وتواصل‭ ‬دائمين‭ ‬يلتقي‭ ‬خلاله‭ ‬الأبناء‭ ‬والآباء‭ ‬والأجداد‭ ‬والأصدقاء‭ ‬من‭ ‬أذان‭ ‬المغرب‭ ‬وحتى‭ ‬الفجر‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬بيتا‭ ‬تقريبا‭ ‬إلا‭ ‬ويحتضن‭ ‬أفرادا‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬يومي‭ ‬تقريبا‭ ‬ويتحول‭ ‬الحضور‭ ‬الجماعي‭ ‬إلى‭ ‬قاعدة‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬بعكس‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬يتفرد‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬بطعامه‭ ‬الخاص‭ ‬عبر‭ ‬نظام‭ ‬طلبات‭ ‬التوصيل‭ ‬بحيث‭ ‬يطلب‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬طلباته‭ ‬وكأنه‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬منعزلة‭ ‬عن‭ ‬الباقي‭.‬

ولذلك‭ ‬عندما‭ ‬يأتي‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬الكريم‭ ‬تتغير‭ ‬هذه‭ ‬المعادلة‭ ‬الخاطئة‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬حياتنا‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬وأفسدتها‭ ‬وأفسدت‭ ‬الجو‭ ‬العائلي‭ ‬الذي‭ ‬أساسه‭ ‬الاجتماع‭ ‬والتواصل‭ ‬اليومي‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬أصبحوا‭ ‬يتمنون‭ ‬حياتنا‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العام‭ ‬على‭ ‬شاكلة‭ ‬حياتنا‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭.‬

ثالثا‭: ‬الإسراف‭ ‬وما‭ ‬أدراك‭ ‬ما‭ ‬الإسراف‭ ‬هو‭ ‬المسلمة‭ ‬الثالثة‭ ‬التي‭ ‬يتصف‭ ‬بها‭ ‬سلوك‭ ‬الأغلبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬البحرينيون‭ ‬وقد‭ ‬كتبنا‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬عن‭ ‬ظاهرة‭ ‬الإسراف‭ ‬وإلقاء‭ ‬الطعام‭ ‬في‭ ‬براميل‭ ‬القمامة‭ ‬أجلكم‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬مخالفة‭ ‬واضحة‭ ‬لتعاليم‭ ‬الإسلام‭ ‬ومبادئه‭ ‬العظيمة‭ ‬فقد‭ ‬حذرنا‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬من‭ ‬الإسراف‭ ‬والتبذير‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬وصف‭ ‬المبذرين‭ ‬بإخوان‭ ‬الشياطين‭ ‬فظاهرة‭ ‬التبذير‭ ‬عندنا‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬تحديدا‭ ‬أصبحت‭ ‬مشكلة‭ ‬حقيقية‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬صعوبة‭ ‬الحياة‭ ‬وارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬وارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬التضخم‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الإنفاق‭ ‬لأموال‭ ‬غير‭ ‬موجودة‭ ‬أصلا‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬القروض‭ ‬والتداين‭ ‬بشتى‭ ‬ألوانه،‭ ‬ولذلك‭ ‬عندما‭ ‬ينتهي‭ ‬رمضان‭ ‬ويحل‭ ‬العيد‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬تعاني‭ ‬الأمرين‭ ‬من‭ ‬الاختلال‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬مصاريفها‭ ‬ونفقاتها‭ ‬ويظل‭ ‬هذا‭ ‬الاختلال‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬مستمرًا‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬وعليه‭ ‬وجب‭ ‬التذكير‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬بضرورة‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬روح‭ ‬الإسلام‭ ‬وهي‭ ‬روح‭ ‬التقشف‭ ‬ونبذ‭ ‬التبذير‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬التضامن‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يبيت‭ ‬أحد‭ ‬منهم‭ ‬جائعا‭ ‬أو‭ ‬تنقصه‭ ‬أساسيات‭ ‬الحياة‭ ‬الكريمة‭.‬

تلك‭ ‬نقاط‭ ‬أحببت‭ ‬الإشارة‭ ‬إليها‭ ‬بمناسبة‭ ‬حلول‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬سائلا‭ ‬المولى‭ ‬العلي‭ ‬القدير‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬شهر‭ ‬خير‭ ‬وبركة‭ ‬وأن‭ ‬يحل‭ ‬السلام‭ ‬وأن‭ ‬يتوقف‭ ‬العدوان‭ ‬عن‭ ‬شعب‭ ‬غزة‭ ‬الشقيق‭ ‬المظلوم‭ ‬وأن‭ ‬يستعيد‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعية‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬القتل‭ ‬والإبادة‭ ‬إنه‭ ‬سميع‭ ‬مجيد‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا