العدد : ١٦٨٤١ - الخميس ٠٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤١ - الخميس ٠٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٥هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

سيد درويش.. مائة عام بعد الثورة

تحتفل‭ ‬مصر‭ ‬منذ‭ ‬أشهر‭ ‬بمرور‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬رحيل‭ ‬فنان‭ ‬الشعب‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬فقد‭ ‬رحل‭ ‬عن‭ ‬دنيانا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1923‭.. ‬ومرور‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬أحدثها‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الغناء‭ ‬العربي‭ ‬والموسيقى‭ ‬العربية‭.‬

سبق‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬كتبت‭ ‬مقالات‭ ‬عن‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬وموقعه‭ ‬ودوره‭ ‬الفني‭ ‬والوطني‭. ‬قلت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المقالات‭ ‬إن‭ ‬موقع‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الغناء‭ ‬والموسيقى‭ ‬العربية‭ ‬هو‭ ‬كما‭ ‬الثورات‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الشعوب،‭ ‬وكما‭ ‬الزلازل‭ ‬والبراكين‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭.‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬موقع‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭. ‬كان‭ ‬ثورة‭ ‬وبركانا‭ ‬وزلزالا‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الغناء‭ ‬والموسيقى‭ ‬العربية‭. ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬ليس‭ ‬كما‭ ‬بعده‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الموسيقى‭ ‬والغناء‭ ‬ودور‭ ‬الفنان‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬ثورة‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬كانت‭ ‬ثورة‭ ‬شاملة‭ ‬في‭ ‬الكلمات‭ ‬واللحن‭ ‬والأداء‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭. ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬هو‭ ‬المؤسس‭ ‬الأكبر‭ ‬للموسيقى‭ ‬والغناء‭ ‬العربي‭ ‬الأصيل‭ ‬الحديث‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬المؤثرات‭ ‬الأجنبية‭ ‬وخاصة‭ ‬التركية‭ ‬التي‭ ‬هيمنت‭ ‬على‭ ‬الغناء‭ ‬العربي‭ ‬قرونا‭.‬

أتحدث‭ ‬عن‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬وقد‭ ‬استمعت‭ ‬قبل‭ ‬فترة‭ ‬إلى‭ ‬حلقة‭ ‬خاصة‭ ‬بديعة‭ ‬عنه‭ ‬وتاريخه‭ ‬وإبداعاته‭ ‬في‭ ‬إذاعة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬الصواري‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يقدمه‭ ‬الفنانان‭ ‬الكبيران‭ ‬أحلام‭ ‬محمد‭ ‬وعبدالله‭ ‬يوسف‭ ‬ويعده‭ ‬عبدالله‭ ‬يوسف‭. ‬وهو‭ ‬بالمناسبة‭ ‬برنامج‭ ‬متميز‭ ‬جدا‭ ‬إعدادا‭ ‬وإخراجا‭ ‬وأداء‭ ‬أستمتع‭ ‬دوما‭ ‬بالاستماع‭ ‬إليه‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنني‭ ‬أعتبر‭ ‬نفسي‭ ‬قارئا‭ ‬جيدا‭ ‬لتاريخ‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬وملما‭ ‬بأبعاد‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬أحدثها،‭ ‬فإنني‭ ‬استمعت‭ ‬في‭ ‬البرنامج‭ ‬إلى‭ ‬معلومات‭ ‬لم‭ ‬أقرأ‭ ‬عنها‭ ‬وأسمع‭ ‬بها‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭.‬

من‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات‭ ‬مثلا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬في‭ ‬باديته‭ ‬الفنية،‭ ‬حين‭ ‬أعد‭ ‬مع‭ ‬رفيق‭ ‬دربه‭ ‬بديع‭ ‬خيري‭ ‬ثمانية‭ ‬ألحان‭ ‬وذهبا‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬المنتجين،‭ ‬وعرض‭ ‬عليهما‭ ‬مبلغا‭ ‬زهيدا‭ ‬جدا‭ ‬مقابل‭ ‬هذه‭ ‬الألحان‭. ‬بديع‭ ‬خيري‭ ‬ألح‭ ‬على‭ ‬قبول‭ ‬العرض‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنه‭ ‬وسيد‭ ‬درويش‭ ‬جائعان‭ ‬تقريبا‭ ‬ولا‭ ‬يملكان‭ ‬أي‭ ‬مال‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭. ‬لكن‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬انتفض‭ ‬غاضبا‭ ‬وثار‭ ‬ثورة‭ ‬عارمة‭ ‬ومزق‭ ‬النوت‭ ‬الموسيقية‭ ‬لألحانه‭ ‬ورفض‭ ‬العرض،‭ ‬وقال‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقبل‭ ‬بإهانة‭ ‬كرامة‭ ‬الفن‭ ‬والفنان،‭ ‬وقال‭ ‬لبديع‭ ‬خيري‭ ‬تعبيرا‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الحكمة‭ ‬البليغة‭: ‬‮«‬هذه‭ ‬بلاد‭ ‬يجوع‭ ‬فيها‭ ‬العباقرة‮»‬‭.‬

الحديث‭ ‬يطول‭ ‬جدا‭ ‬عن‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬وثورته،‭ ‬لكن‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬إسهامه‭ ‬الأكبر‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬تحدى‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬الغناء‭ ‬والموسيقى‭ ‬العربية‭ ‬وأحدث‭ ‬ثورة‭ ‬شاملة‭ ‬لا‭ ‬سابقة‭ ‬لها‭. ‬كل‭ ‬أساطين‭ ‬التلحين‭ ‬والغناء‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬اعتبروه‭ ‬مخربا‭ ‬مارقا‭ ‬مدمرا‭ ‬للموسيقى‭ ‬العربية،‭ ‬لكن‭ ‬الذاكرة‭ ‬الوطنية‭ ‬حفظت‭ ‬إبداعات‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬ووضعتها‭ ‬في‭ ‬مكانها‭ ‬الصحيح‭ ‬كتجسيد‭ ‬لثورة‭ ‬رائدة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬ثورة‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬مجرد‭ ‬تجديد‭ ‬في‭ ‬الألحان‭ ‬والموسيقى‭. ‬كانت‭ ‬ثورة‭ ‬اجتماعية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬إذ‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الأغنية‭ ‬دفع‭ ‬بفئات‭ ‬الشعب‭ ‬الفقيرة‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬البطولة‭ ‬في‭ ‬أغانيه،‭ ‬وواكب‭ ‬التطلعات‭ ‬والآمال‭ ‬الوطنية‭ ‬العامة‭ ‬بألحانه‭.‬

وسيد‭ ‬درويش‭ ‬كان‭ ‬مثالا‭ ‬ساطعا‭ ‬للدور‭ ‬الوطني‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يلعبه‭ ‬الفنان‭. ‬دوره‭ ‬في‭ ‬ثورة‭ ‬2019‭ ‬الشعبية‭ ‬الوطنية‭ ‬ضد‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإنجليزي‭ ‬دور‭ ‬مشهود‭ ‬سجله‭ ‬التاريخ‭. ‬كان‭ ‬يتقدم‭ ‬المظاهرات‭ ‬ويصدح‭ ‬بألحانه‭ ‬الوطنية‭ ‬الجارفة‭ ‬مؤججا‭ ‬لحماس‭ ‬الجماهير‭. ‬وقدم‭ ‬عشرات‭ ‬الألحان‭ ‬الوطنية‭ ‬الخالدة‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬بالطبع‭ ‬نشيد‭ ‬‮«‬بلادي‭ ‬بلادي‭ ‬لك‭ ‬حبي‭ ‬وفؤادي‮»‬‭ ‬النشيد‭ ‬الوطني‭ ‬المصري‭ ‬اليوم‭.‬

ليس‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬عبقرية‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬اليوم‭ ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬قرن‭ ‬كامل‭ ‬على‭ ‬رحيله،‭ ‬مازالت‭ ‬ألحانه‭ ‬وموسيقاه‭ ‬ودوره‭ ‬الوطني‭ ‬العام‭ ‬هي‭ ‬المثال‭ ‬الذي‭ ‬نتطلع‭ ‬اليه‭.‬

من‭ ‬المفروض‭ ‬بعد‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الموسيقى‭ ‬والغناء‭ ‬العربي‭ ‬قد‭ ‬تقدمت‭ ‬كثيرا‭ ‬جدا‭ ‬وتجاوزت‭ ‬سيد‭ ‬درويش،‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬العجيب‭ ‬أننا‭ ‬اليوم‭ ‬نتطلع‭ ‬إلى‭ ‬مثال‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬ونفتقد‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬وما‭ ‬أسهم‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الفني‭ ‬والعام‭.‬

مازلنا‭ ‬اليوم‭ ‬نتطلع‭ ‬إلى‭ ‬الفنان‭ ‬الذي‭ ‬يحفظ‭ ‬كرامة‭ ‬الفن‭ ‬والفنان‭. ‬ونتطلع‭ ‬إلى‭ ‬الفنان‭ ‬والمبدع‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬تحدي‭ ‬السائد‭ ‬والخروج‭ ‬عن‭ ‬المألوف‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬هموم‭ ‬الناس‭ ‬والأوطان‭. ‬نتطلع‭ ‬إلى‭ ‬الفنان‭ ‬الذي‭ ‬يلعب‭ ‬دورا‭ ‬وطنيا‭ ‬عاما‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭.‬

ومازلنا‭  ‬نحلم‭ ‬ببلاد‭ ‬عربية‭ ‬لا‭ ‬يجوع‭ ‬فيها‭ ‬العباقرة‭ ‬والمبدعون‭ ‬والعلماء‭. ‬

رحم‭ ‬الله‭ ‬هذا‭ ‬الفنان‭ ‬العبقري‭ ‬الفذ‭ ‬الذي‭ ‬استحق‭ ‬عن‭ ‬جدارة‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬فنان‭ ‬الشعب‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا