العدد : ١٦٨٤٠ - الأربعاء ٠١ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٠ - الأربعاء ٠١ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

بوتين يواصل تحدياته للغرب

بقلم: د. نبيل العسومي

السبت ٠٩ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

شكل‭ ‬الخطاب‭ ‬الأخير‭ ‬للرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬بوتين‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭ ‬الماضي‭ ‬والموجه‭ ‬إلى‭ ‬الأمة‭ ‬الروسية‭ ‬وبمشاركة‭ ‬وحضور‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الروسي‭ ‬مرجعا‭ ‬جديدا‭ ‬لرؤية‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬ولروسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الـ‭ ‬6‭ ‬المقبلة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬آفاق‭ ‬علاقات‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬المختلفة‭ ‬وبخاصة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ودول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬تحديدا‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬يواصل‭ ‬فيه‭ ‬بوتين‭ ‬تحديه‭ ‬للغرب‭ ‬وعند‭ ‬أهم‭ ‬مفاصله‭ ‬الذي‭ ‬وصف‭ ‬بأنه‭ ‬برنامج‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬بوتين‭ ‬المرشح‭ ‬للانتخابات‭ ‬التي‭ ‬ستجرى‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭.‬

أولا‭: ‬الاعتزاز‭ ‬الكبير‭ ‬بالإنجازات‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬وبخاصة‭ ‬خلال‭ ‬السنتين‭ ‬الماضيتين‭ ‬اللتين‭ ‬شهدتا‭ ‬حصارا‭ ‬غريباً‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬ومقاطعة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬7000‭ ‬عقوبة‭ ‬شملت‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬تقريبا‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬المشاركة‭ ‬المباشرة‭ ‬لدول‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وخاصة‭ ‬ما‭ ‬سمى‭ ‬بالهجوم‭ ‬المضاد‭ ‬الأوكراني‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬عشرات‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬وتوريد‭ ‬الأسلحة‭ ‬بكل‭ ‬أشكالها‭ ‬وأنواعها‭ ‬إلى‭ ‬الجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬استطاعت‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الحصار‭ ‬وهذه‭ ‬العدوان‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬نتائج‭ ‬اقتصادية‭ ‬باهرة‭ ‬وغير‭ ‬مسبوقة‭ ‬جعلت‭ ‬منها‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬قبل‭ ‬ألمانيا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬بل‭ ‬وجعلت‭ ‬منها‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الخامسة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وخلال‭ ‬السنوات‭ ‬الست‭ ‬القادمة‭ ‬سوف‭ ‬تصبح‭ ‬روسيا‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الرابعة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬الصين‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وجمهورية‭ ‬الهند‭ ‬وهذا‭ ‬يوضح‭ ‬أن‭ ‬الأهداف‭ ‬المعلنة‭ ‬لخنق‭ ‬روسيا‭ ‬وإضعافها‭ ‬اقتصاديا‭ ‬ودفعها‭ ‬إلى‭ ‬الانهيار‭ ‬المالي‭ ‬لن‭ ‬تنجح‭ ‬نهائيا‭.‬

وهذا‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬ما‭ ‬يدهش‭ ‬أعداء‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬الذين‭ ‬تخيلوا‭ ‬أن‭ ‬7000‭ ‬عقوبة‭ ‬سوف‭ ‬تدفع‭ ‬روسيا‭ ‬إلى‭ ‬الاستسلام‭ ‬واقتصادها‭ ‬إلى‭ ‬الانهيار‭ ‬مثلما‭ ‬خططت‭ ‬دول‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭.‬

ثانيا‭: ‬الصمود‭ ‬العسكري‭ ‬العجيب‭ ‬والمدهش‭ ‬أمام‭ ‬هجوم‭ ‬حوالي‭ ‬50‭ ‬دولة‭ ‬تشارك‭ ‬في‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التسلح‭ ‬والتمويل‭ ‬والتدريب‭ ‬وتقديم‭ ‬الاستشارات‭ ‬وعشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المرتزقة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الذين‭ ‬يقاتلون‭ ‬في‭ ‬الجبهة‭ ‬الأمامية‭ ‬مع‭ ‬الجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬حيث‭ ‬فشل‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالهجوم‭ ‬المضاد‭ ‬الذي‭ ‬استمر‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬وانتهى‭ ‬بالخذلان‭ ‬والسقوط‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الصمود‭ ‬البطولي‭ ‬الروسي‭ ‬أمام‭ ‬السلاح‭ ‬الغربي‭ ‬‮«‬المتطور‭ ‬جدا‮»‬‭ ‬كان‭ ‬مفاجأة‭ ‬لم‭ ‬يتوقعها‭ ‬الغرب‭ ‬أبدا‭ ‬فلا‭ ‬صواريخ‭ ‬الباتريوت‭ ‬استطاعت‭ ‬اسقاط‭ ‬أو‭ ‬تحييد‭ ‬القوة‭ ‬الجوية‭ ‬الروسية‭ ‬ولا‭ ‬الصواريخ‭ ‬البريطانية‭ ‬والألمانية‭ ‬والتشيكية‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تهزم‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬على‭ ‬الجبهة‭ ‬كما‭ ‬إن‭ ‬الدبابات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والألمانية‭ ‬وحتى‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬‮«‬فخر‭ ‬الصناعة‭ ‬العسكرية‭ ‬الغربية‮»‬‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تخترق‭ ‬الخطوط‭ ‬الدفاعية‭ ‬الروسية‭ ‬بل‭ ‬الأهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬تحول‭ ‬من‭ ‬الدفاع‭ ‬إلى‭ ‬الهجوم‭ ‬وهو‭ ‬يتقدم‭ ‬حاليا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الجبهات‭ ‬وفي‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬إلحاق‭ ‬هزيمة‭ ‬نكراء‭ ‬بالجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬الذي‭ ‬يستعد‭ ‬للاستسلام‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬وهو‭ ‬تأكيد‭ ‬ليس‭ ‬لهزيمة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬فقط‭ ‬وإنما‭ ‬لهزيمة‭ ‬الغرب‭ ‬بأكمله‭ ‬الذي‭ ‬حشد‭ ‬كل‭ ‬إمكانياته‭ ‬وقدراته‭ ‬وأسلحته‭ ‬لإلحاق‭ ‬هزيمة‭ ‬استراتيجية‭ ‬بروسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬المساعدات‭ ‬الغربية‭ ‬تتدفق‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لمنع‭ ‬الهزيمة‭ ‬العسكرية‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬منع‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬الانتصار‭ ‬الكامل‭ ‬وكما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬مؤخرا‭ ‬والذي‭ ‬ذهب‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬هدد‭ ‬بإرسال‭ ‬قوات‭ ‬فرنسية‭ ‬نظامية‭ ‬لتقاتل‭ ‬مع‭ ‬القوات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬حيث‭ ‬أوضح‭ ‬بوتين‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬ردا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدعوات‭ ‬بأن‭ ‬من‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬جديدة‭ ‬وليس‭ ‬مستبعدا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬أن‭ ‬تستخدم‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬الأسلحة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة‭ ‬إن‭ ‬حدثت‭.‬

ثالثا‭: ‬التشبث‭ ‬بالسلام‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬نجاح‭ ‬روسيا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وتفوقها‭ ‬عسكريا‭ ‬الذي‭ ‬يجعلها‭ ‬تتفاخر‭ ‬بما‭ ‬حققته‭ ‬من‭ ‬إنجازات‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬فإن‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬وفي‭ ‬كلمات‭ ‬وخطابات‭ ‬سابقة‭ ‬كان‭ ‬دائما‭ ‬حريصا‭ ‬على‭ ‬تأكيد‭ ‬اهتمام‭ ‬روسيا‭ ‬أولا‭ ‬وأخيرا‭ ‬بإقامة‭ ‬السلام‭ ‬وضمان‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي‭ ‬المتساوي‭ ‬للجميع‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬السلام‭ ‬لن‭ ‬يتحقق‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬روسيا‭ ‬أهدافها‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتغير‭ ‬وهي‭ ‬اجتثاث‭ ‬النازية‭ ‬من‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ونزع‭ ‬الأسلحة‭ ‬الهجومية‭ ‬الخطيرة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬وضمان‭ ‬الوضع‭ ‬الحيادي‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬بعد‭ ‬دخولها‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬والاعتراف‭ ‬بالحدود‭ ‬الجديدة‭ ‬لروسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬غير‭ ‬القابلة‭ ‬للنقاش‭ ‬والتفاوض،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬قد‭ ‬انفقت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬مليار‭ ‬بهدف‭ ‬إفساد‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬وبين‭ ‬الشعب‭ ‬الروسي‭ ‬والشعب‭ ‬الأوكراني‭ ‬الشقيقين‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬تحديدا‭ ‬أعاد‭ ‬بوتين‭ ‬تأكيد‭ ‬استعداد‭ ‬روسيا‭ ‬لبناء‭ ‬علاقات‭ ‬مثمرة‭ ‬ومتساوية‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ومع‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬ككل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬احترام‭ ‬حقوق‭ ‬روسيا‭ ‬وأمنها‭ ‬وعدم‭ ‬التعدي‭ ‬على‭ ‬استقرارها‭ ‬أو‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤونها‭.‬

هذا‭ ‬بالطبع‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النقاط‭ ‬المهمة‭ ‬تتعلق‭ ‬بالإصلاح‭ ‬الداخلي‭ ‬للاقتصاد‭ ‬والمجتمع‭ ‬وتقوية‭ ‬البنية‭ ‬النحتية‭ ‬والخدمات‭ ‬خاصة‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالتعليم‭ ‬والتعليم‭ ‬العالي‭ ‬وتخريج‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المهندسين‭ ‬والفنيين‭ ‬الذين‭ ‬يحتاجهم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬النهوض‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا