العدد : ١٦٨٤٠ - الأربعاء ٠١ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٠ - الأربعاء ٠١ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ شوّال ١٤٤٥هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

أمريكا تبحث عن رئيس

تحدثت‭ ‬في‭ ‬المقال‭ ‬السابق‭ ‬عن‭ ‬أزمة‭ ‬غياب‭ ‬الزعامات‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬اليوم‭ ‬وتأثير‭ ‬هذا‭ ‬الغياب‭ ‬على‭ ‬الفوضى‭ ‬السائدة‭ ‬اليوم‭ ‬والمآسي‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬العالم‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬أزمة‭ ‬غياب‭ ‬الزعامات‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬مكانة‭ ‬ووزن‭ ‬وتأثير‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نتطرق‭ ‬بوجه‭ ‬خاص‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اليوم‭.‬

أمريكا‭ ‬كما‭ ‬نعلم‭ ‬مقبلة‭ ‬على‭ ‬انتخابات‭ ‬للرئاسة‭ ‬بعد‭ ‬أشهر‭. ‬مشهد‭ ‬الانتخابات‭ ‬يتصدره‭ ‬اثنان‭ ‬هما‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬المرشحان‭ ‬للرئاسة‭. ‬أحدهما‭ ‬رئيس‭ ‬حالي‭ ‬هو‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن،‭ ‬والثاني‭ ‬رئيس‭ ‬سابق‭ ‬هو‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭.‬

الكل،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬أمريكا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مشاكل‭ ‬كبرى‭ ‬تتعلق‭ ‬بجدارة‭ ‬المرشحين‭ ‬للترشح‭ ‬وقيادة‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭.‬

الأمر‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬الموضوع‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الجدل‭ ‬حول‭ ‬ترشح‭ ‬بايدن‭ ‬وترامب،‭ ‬ليس‭ ‬الاختلاف‭ ‬أو‭ ‬الاتفاق‭ ‬حول‭ ‬مواقفهما‭ ‬وسياساتهما‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬والاختيار‭ ‬بينهما‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬مفترض،‭ ‬وإنما‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬أمر‭ ‬آخر‭ ‬تماما‭ ‬هو‭ ‬موضوع‭ ‬القدرات‭ ‬العقلية‭ ‬والإدراكية‭.‬

من‭ ‬منطلق‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬ولأسباب‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬أغلب‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬انتماءاتهم‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬والحزبية‭ ‬والسياسية‭ ‬العامة،‭ ‬لديهم‭ ‬قناعة‭ ‬بأن‭ ‬الاثنين‭ ‬لا‭ ‬يصلحان‭ ‬لقيادة‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬القادمة‭.‬

ومتابعة‭ ‬التقارير‭ ‬عما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬الحزبين‭ ‬الكبيرين‭ ‬في‭ ‬ورطة‭ ‬حقيقية‭. ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬يشغله‭ ‬اليوم‭ ‬احتمال‭ ‬ألا‭ ‬يستطيع‭ ‬بايدن‭ ‬أن‭ ‬يترشح‭ ‬وأن‭ ‬تحول‭ ‬حالته‭ ‬الصحية‭ ‬والعقلية‭ ‬مثلا‭ ‬دون‭ ‬ذلك‭.. ‬ماذا‭ ‬يفعل‭ ‬الحزب،‭ ‬ومن‭ ‬يرشح؟‭ ‬والحزب‭ ‬الجمهوري‭ ‬أيضا‭ ‬لديه‭ ‬نفس‭ ‬الهاجس‭. ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬القضاء‭ ‬الأمريكي‭ ‬مثلا‭ ‬قرر‭ ‬منع‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬الترشح؟‭.. ‬ما‭ ‬العمل‭ ‬ومن‭ ‬يرشح؟

إذا‭ ‬تأملنا‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬فسنجده‭ ‬عجيبا‭ ‬ومذهلا‭.‬

كأن‭ ‬أمريكا،‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬العظمى،‭ ‬أصبحت‭ ‬عقيمة‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تنجب‭ ‬قادة‭ ‬موثوقين‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬قيادة‭ ‬البلاد؟‭.. ‬كأن‭ ‬أمريكا‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بمقدورها‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬مرشحين‭ ‬طاعنين‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬أحوالهما‭ ‬العقلية‭ ‬والصحية‭ ‬ليست‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يرام‭.‬

ما‭ ‬وجه‭ ‬الغرابة‭ ‬هنا؟

وجه‭ ‬الغرابة‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬والغرب‭ ‬عموما‭ ‬ظلوا‭ ‬عبر‭ ‬عقود‭ ‬يعطون‭ ‬العالم‭ ‬الدروس‭ ‬حول‭ ‬التجربة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الليبرالية‭ ‬الرائدة‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرهم‭ ‬أن‭ ‬تسود‭ ‬العالم‭.‬

يقولون‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬إن‭ ‬نظامهم‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الليبرالي‭ ‬رسخ‭ ‬حكم‭ ‬المؤسسات‭ ‬المستقلة‭ ‬وأطلق‭ ‬الحريات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬المناخ‭ ‬يفرز‭ ‬باستمرار‭ ‬قيادات‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجال‭ ‬تأخذ‭ ‬فرصتها‭ ‬الكاملة‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬وإدارة‭ ‬شؤون‭ ‬البلاد‭.‬

ويقولون‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬باستمرار‭ ‬إنه‭ ‬لهذا‭ ‬فإن‭ ‬الحكم‭ ‬هو‭ ‬حكم‭ ‬مؤسسي،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حكم‭ ‬فرد‭ ‬ينفرد‭ ‬بالسلطة‭. ‬ودأبوا‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬الانتقادات‭ ‬الشديدة‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬غير‭ ‬الغربي‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬رأيهم‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬حكم‭ ‬المؤسسات‭ ‬ويسود‭ ‬فيها‭ ‬حكم‭ ‬الفرد‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬آيات‭ ‬تتيح‭ ‬تداول‭ ‬السلطة‭ ‬وبروز‭ ‬قيادات‭ ‬جيدة‭.‬

بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الآراء‭ ‬ومدى‭ ‬صحتها‭ ‬نظريا‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نستغرب‭ ‬لحال‭ ‬بلد‭ ‬مثل‭ ‬أمريكا‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬ديمقراطيتها‭ ‬هي‭ ‬الرائدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقولونه‭ ‬صحيحا‭ ‬عن‭ ‬نظمهم‭ ‬السياسية،‭ ‬فكيف‭ ‬نفسر‭ ‬إذن‭ ‬الورطة‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬فيها‭ ‬أمريكا‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬لانتخابات‭ ‬الرئاسة،‭ ‬وكأنها‭ ‬أصبحت‭ ‬رهينة‭ ‬بيد‭ ‬اثنين‭ ‬فقط،‭ ‬هما‭ ‬أصلا‭ ‬في‭ ‬رأي‭ ‬الكثيرين‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬نفسها‭ ‬ليسا‭ ‬أهلا‭ ‬لحكم‭ ‬البلاد؟‭.. ‬كيف‭ ‬نفسر‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬بكل‭ ‬تجربتها‭ ‬الديمقراطية‭ ‬تبحث‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬مرشح‭ ‬تثق‭ ‬فيه‭ ‬وفي‭ ‬قدراته‭ ‬وإمكانياته‭ ‬لرئاسة‭ ‬البلاد؟

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬النظم‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬تاريخية‭ ‬عميقة‭. ‬وهذه‭ ‬الأزمة‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬حال‭ ‬موضع‭ ‬جدل‭ ‬واسع‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬الباحثين‭ ‬وعلماء‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭.‬

وللإنصاف،‭ ‬الأزمة‭ ‬ليست‭ ‬قصرا‭ ‬على‭ ‬الغرب‭ ‬وحده‭. ‬كل‭ ‬النظم‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬شرقا‭ ‬وغربا‭ ‬وشمالا‭ ‬وجنوبا‭ ‬تعيش‭ ‬أزمة‭ ‬وإن‭ ‬بأشكال‭ ‬وأبعاد‭ ‬مختلفة‭. ‬وأحد‭ ‬تجليات‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬غياب‭ ‬الزعامات‭ ‬التاريخية‭.‬

لكن‭ ‬من‭ ‬يدري‭. ‬لعل‭ ‬المستقبل‭ ‬سوف‭ ‬يشهد‭ ‬ظهور‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الزعامات‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬تحولات‭ ‬جذرية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وأحواله‭ ‬نحو‭ ‬الأفضل‭ ‬والأكثر‭ ‬عدلا‭ ‬وإنصافا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا