العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

قبل وقوع نكبة التهجير والنزوح الجديدة في رفح

بقلم: بهاء رحال {

الأربعاء ٢١ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

الاحتلال‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬رفح‭ ‬تكتظ‭ ‬بالنازحين‭ ‬وأن‭ ‬الاجتياح‭ ‬البري‭ ‬يعني‭ ‬ارتكابه‭ ‬سلسلة‭ ‬مذابح‭ ‬ومجازر،‭ ‬وهو‭ ‬يعلم‭ ‬تضاريس‭ ‬المدينة‭ ‬ومساحتها‭ ‬الضيقة،‭ ‬ويعلم‭ ‬ما‭ ‬يحاصرها‭ ‬وما‭ ‬يكبلها،‭ ‬لكنه‭ ‬يواصل‭ ‬دمويته‭ ‬غير‭ ‬آبه‭ ‬بكل‭ ‬النداءات‭ ‬والدعوات،‭ ‬مستعدًا‭ ‬لكل‭ ‬الاحتمالات،‭ ‬ضاربًا‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بعرض‭ ‬الحائط،‭ ‬مستمرًا‭ ‬في‭ ‬إبادته‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬منذ‭ ‬بدأت‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬سيمنع‭ ‬الاحتلال‭ ‬ويدفعه‭ ‬ليوقف‭ ‬مسلسل‭ ‬جرائمه،‭ ‬ومن‭ ‬ينقذ‭ ‬رفح‭ ‬المكتظة‭ ‬بالنازحين‭ ‬من‭ ‬مأساوية‭ ‬المشهد‭ ‬الذي‭ ‬ينتظرها‭.‬

حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬ماضية‭ ‬في‭ ‬مخططها‭ ‬الدموي،‭ ‬وهي‭ ‬تواصل‭ ‬حربها،‭ ‬ممعنة‭ ‬بارتكاب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬الإبادة،‭ ‬ومستمرة‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬الانتقام‭.‬

يقال‭ ‬إن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬طالب‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬اتصال‭ ‬هاتفي‭ ‬بتوخي‭ ‬الحذر‭ ‬في‭ ‬اجتياح‭ ‬رفح،‭ ‬لكن‭ ‬الأخير‭ ‬رفض‭ ‬مدعيا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬وقف‭ ‬الحرب‭ ‬أو‭ ‬تهدئة‭ ‬عملياتها‭ ‬ولن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬الحرب‭.‬

أمريكا‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬دخول‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬إلى‭ ‬رفح‭ ‬سينتج‭ ‬عنه‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المذابح‭ ‬والمجازر‭ ‬وهي‭ ‬عملية‭ ‬دموية،‭ ‬من‭ ‬ألفها‭ ‬إلى‭ ‬يائها،‭ ‬ولهذا‭ ‬أخذت‭ ‬موقفًا‭ ‬منها‭ ‬كما‭ ‬يرشح،‭ ‬لكنها‭ ‬غير‭ ‬جادة‭ ‬في‭ ‬مطالباتها،‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬لم‭ ‬تتخذ‭ ‬خطوات‭ ‬عملية‭ ‬للجم‭ ‬نتنياهو‭ ‬وأركان‭ ‬حربه‭.‬

أمريكا‭ ‬التي‭ ‬انصهرت‭ ‬مع‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬اليوم‭ ‬الأول،‭ ‬وكانت‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬الاحتلال‭ ‬بالعتاد‭ ‬والسلاح‭ ‬وفتحت‭ ‬جسورًا‭ ‬من‭ ‬الامداد،‭ ‬ووفرت‭ ‬الغطاء‭ ‬السياسي‭ ‬الدولي‭ ‬والدعم‭ ‬الكامل،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تدعم‭ ‬الاحتلال‭ ‬وهي‭ ‬لم‭ ‬تتخذ‭ ‬موقفًا‭ ‬بضرورة‭ ‬وقف‭ ‬الحرب،‭ ‬فهي‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬إن‭ ‬شاءت‭ ‬أن‭ ‬تتوقف‭ ‬الحرب‭ ‬لتوقفت،‭ ‬ويتوقف‭ ‬العدوان،‭ ‬ومسلسل‭ ‬الجرائم‭ ‬وتتوقف‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬سيضطر‭ ‬الاحتلال‭ ‬إلى‭ ‬الموافقة‭ ‬ملتزًما‭ ‬بقرارات‭ ‬أمريكا،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يقوى‭ ‬على‭ ‬عدائها،‭ ‬بيد‭ ‬أنها‭ ‬حتى‭ ‬اليوم،‭ ‬تمارس‭ ‬الدعم‭ ‬والرعاية‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬موافقة‭ ‬ضمنية‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬حتى‭ ‬رفح،‭ ‬وإن‭ ‬بدت‭ ‬بعض‭ ‬الخلافات‭ ‬بين‭ ‬نتنياهو‭ ‬وبايدن‭ ‬تطفو‭ ‬على‭ ‬السطح‭.‬

لقاء‭ ‬باريس‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬رفيع،‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬الرغبة‭ ‬بوقف‭ ‬الحرب،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬صوت‭ ‬إتمام‭ ‬الصفقة‭ ‬عاليًا،‭ ‬وكنا‭ ‬نراهن‭ ‬عليها،‭ ‬كون‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬الحرب‭ ‬وحده‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سيمنع‭ ‬استمرار‭ ‬الكارثة‭ ‬واستمرار‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة،‭ ‬ولكن‭ ‬نتنياهو‭ ‬الذي‭ ‬عارض‭ ‬صفقة‭ ‬التبادل‭ ‬وعارض‭ ‬اتفاق‭ ‬باريس،‭ ‬يصر‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬حربه،‭ ‬ويسعى‭ ‬لاتساع‭ ‬رقعتها‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬المحاذير‭ ‬نشوب‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭.‬

نتنياهو‭ ‬الذي‭ ‬ضرب‭ ‬كل‭ ‬المواثيق‭ ‬الدولية‭ ‬والإنسانية‭ ‬وكل‭ ‬الأعراف‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬لن‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬ضرب‭ ‬بعض‭ ‬معاهدات‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬ولن‭ ‬يوقف‭ ‬حربه‭ ‬إثر‭ ‬التهديدات‭ ‬المصرية‭ ‬الرافضة‭ ‬لمخططات‭ ‬التهجير،‭ ‬فالواقع‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬غزة‭ ‬صعب‭ ‬وفي‭ ‬رفح‭ ‬مأساوي‭ ‬وهو‭ ‬ينذر‭ ‬بكارثة‭ ‬تنتظر‭ ‬مليونا‭ ‬ومئتي‭ ‬ألف‭ ‬من‭ ‬النازحين‭ ‬وسط‭ ‬ظروف‭ ‬قاهرة‭ ‬والموت‭ ‬يتربص‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الجهات‭ .‬

وبينما‭ ‬يواصل‭ ‬الاحتلال‭ ‬حربه‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬ويواصل‭ ‬عدوانه‭ ‬الآثم،‭ ‬ويرتكب‭ ‬المذابح‭ ‬والمجازر،‭ ‬تقف‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬وجهه‭ ‬كالعنقاء‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تموت،‭ ‬بل‭ ‬تصمد‭ ‬بثبات‭ ‬وتواصل‭ ‬صبرها‭ ‬لتخرج‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬وتعود‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وتنجو‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬الحرب‭.‬

غزة‭ ‬التي‭ ‬تحتمل‭ ‬ظروف‭ ‬ومعاناة‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة،‭ ‬وتحديات‭ ‬الجوع‭ ‬والقتل‭ ‬والتدمير‭ ‬والهدم،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬ويحدث‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬ويلات،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تراهن‭ ‬على‭ ‬الصوت‭ ‬الدولي‭ ‬ولا‭ ‬الصوت‭ ‬العربي،‭ ‬وقد‭ ‬واجهت‭ ‬العدوان‭ ‬وحدها‭ ‬طيلة‭ ‬ما‭ ‬مضى،‭ ‬حيث‭ ‬اصطف‭ ‬العالم‭ ‬عاجزًا‭ ‬عن‭ ‬إدخال‭ ‬المساعدات‭ ‬وحتى‭ ‬عجز‭ ‬عن‭ ‬إيصال‭ ‬شربة‭ ‬ماء‭. ‬فيحق‭ ‬لغزة‭ ‬أن‭ ‬تلومنا‭ ‬وأن‭ ‬تعتب‭ ‬علينا‭ ‬وأن‭ ‬تلعن‭ ‬عجزنا‭ ‬وضعفنا،‭ ‬ولا‭ ‬يحق‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نتركها‭ ‬لتواجه‭ ‬مصيرها‭ ‬المبهم‭ ‬وحدها‭.‬

أن‭ ‬تترك‭ ‬غزة‭ ‬لمواجهة‭ ‬مصيرها‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب،‭ ‬أخطر‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينتظرها،‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الخراب‭ ‬الذي‭ ‬حل‭ ‬والكارثة‭ ‬التي‭ ‬حدثت،‭ ‬والدمار‭ ‬الهائل‭ ‬الذي‭ ‬ضربها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مفاصل‭ ‬الحياة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تقدر‭ ‬عليه‭ ‬وحدها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭.‬

غزة‭ ‬التي‭ ‬صبرت‭ ‬واستطاعت‭ ‬الصمود‭ ‬وحدها‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬العدوان‭ ‬خلال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر،‭ ‬وهي‭ ‬مستمرة‭ ‬بالثبات،‭ ‬رغم‭ ‬الواقع‭ ‬الصعب‭ ‬والحصار‭ ‬المطبق‭ ‬والخراب‭ ‬الكبير‭ ‬ورغم‭ ‬فصول‭ ‬الحرب‭ ‬المستعرة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تنته،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الخوف‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يعتاد‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬الصورة،‭ ‬فتتضاءل‭ ‬قوة‭ ‬التضامن‭ ‬وتتراجع‭ ‬عمليات‭ ‬الدعم‭ ‬والمناصرة،‭ ‬وهذا‭ ‬الفتور‭ ‬مخيف‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬والعدوان،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬استعداد‭ ‬الاحتلال‭ ‬لاجتياح‭ ‬دموي‭ ‬لرفح‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يخيف‭ ‬أكثر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬غزة‭ ‬المصير‭ ‬المبهم،‭ ‬كلما‭ ‬تراجعت‭ ‬صورتها‭ ‬في‭ ‬الأخبار‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والتواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وكلما‭ ‬تراخى‭ ‬البعض‭ ‬وتراجع‭ ‬حظها‭ ‬في‭ ‬الحضور‭.‬

تراجع‭ ‬حضور‭ ‬غزة‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الصدفة،‭ ‬وليس‭ ‬لأن‭ ‬العدوان‭ ‬توقف،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬المقاومة‭ ‬انتهت،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬الاحتلال‭ ‬تراجع‭ ‬وانسحب،‭ ‬ولكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬سياسة‭ ‬جديدة‭ ‬تجاه‭ ‬غزة،‭ ‬وهذا‭ ‬خطر‭ ‬وجب‭ ‬الالتفات‭ ‬إليه،‭ ‬مع‭ ‬ضرورة‭ ‬عدم‭ ‬التراخي‭ ‬والفتور‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬والعدوان،‭ ‬وهذا‭ ‬واجب‭ ‬لا‭ ‬يسقط،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬غزة‭ ‬حاضرة‭ ‬كل‭ ‬الوقت‭ ‬وألا‭ ‬تغيب‭ ‬أو‭ ‬تُغيّب،‭ ‬عن‭ ‬قصد‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬قصد‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬تزايد‭ ‬احتمالات‭ ‬قيام‭ ‬الاحتلال‭ ‬بشن‭ ‬عدوانه‭ ‬الدموي‭ ‬على‭ ‬رفح‭ ‬بهدف‭ ‬فرض‭ ‬مخططات‭ ‬تهجير‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬بما‭ ‬سيعني‭ ‬وقوع‭ ‬نكبة‭ ‬جديدة‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ربما‭ ‬تفوق‭ ‬نكبة‭ ‬1948‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا