العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

«عقيدة بايدن».. أي عقيدة؟!

الكاتب‭ ‬الأمريكي‭ ‬المعروف‭ ‬توماس‭ ‬فريدمان‭ ‬طرح‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬نشرته‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬نيويورك‭ ‬تايمز‮»‬‭ ‬ملامح‭ ‬وأبعاد‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ ‬‮«‬عقيدة‭ ‬بايدن‮»‬‭.‬

يقول‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الملامح‭ ‬لـ«عقيدة‭ ‬بايدن‮»‬‭ ‬آخذة‭ ‬في‭ ‬التبلور‭. ‬ويقصد‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬استراتيجية‭ ‬لإدارة‭ ‬بايدن‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬تتشكل‭ ‬وتتبلور،‭ ‬ويعتبر‭ ‬أنها‭ ‬استراتيجية‭ ‬كبيرة‭ ‬جدا‭ ‬وشاملة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬قضايا‭ ‬المنطقة‭.‬

وفي‭ ‬تقدير‭ ‬الكاتب‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الجديدة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬مسارات‭ ‬هي‭: ‬

المسار‭ ‬الأول‭: ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬موقف‭ ‬صارم‭ ‬حازم‭ ‬ضد‭ ‬إيران‭ ‬لردعها،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الرد‭ ‬العسكري‭ ‬الحازم‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬والمليشيات‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

المسار‭ ‬الثاني‭: ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬مبادرة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬أمريكية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬لتبني‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭. ‬وتتضمن‭ ‬المبادرة‭ ‬اعتراف‭ ‬أمريكا‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬منزوعة‭ ‬السلاح‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة‭ ‬بشرط‭ ‬قيام‭ ‬مؤسسات‭ ‬فلسطينية‭ ‬ذات‭ ‬مصداقية‭ ‬وقدرات‭ ‬أمنية،‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬الدول‭ ‬قابلة‭ ‬للحياة‭ ‬ولا‭ ‬تهدد‭ ‬بأيّ‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الاشكال‭ ‬أمن‭ ‬إسرائيل‭.‬

المسار‭ ‬الثالث‭: ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬تحالف‭ ‬أمني‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬والسعودية،‭ ‬يشمل‭ ‬أيضا‭ ‬تطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬السعودية‭ ‬وإسرائيل‭. ‬ويعتبر‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬إذا‭ ‬نجحت‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬التطبيع،‭ ‬فسيكون‭ ‬هذا‭ ‬أكبر‭ ‬تحول‭ ‬استراتيجي‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬منذ‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد‭ ‬عام‭ ‬1979‮»‬‭.‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يطرحه‭ ‬الكاتب‭ ‬الأمريكي‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بعقيدة‭ ‬بايدن‭.‬

السؤال‭ ‬هو‭: ‬لماذا‭ ‬الحديث‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لإدارة‭ ‬بايدن،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬عامها‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬السلطة؟

الجواب‭ ‬معروف‭. ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬تعيش‭ ‬أزمة‭ ‬كبرى‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم‭ ‬وفي‭ ‬الداخل‭ ‬الأمريكي‭ ‬أيضا،‭ ‬وخصوصا‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬الابادة‭ ‬التي‭ ‬يشنها‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وموقف‭ ‬الإدارة‭ ‬منها‭.‬

الدعم‭ ‬الأعمى‭ ‬لحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الصهيونية‭ ‬والعجز‭ ‬الكامل‭ ‬الذي‭ ‬أظهرته‭ ‬الإدارة‭ ‬في‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬موقف‭ ‬مستقل‭ ‬تفرضه‭ ‬أفقدها‭ ‬المصداقية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭.. ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وفي‭ ‬العالم‭ ‬كله‭. ‬وفي‭ ‬داخل‭ ‬أمريكا‭ ‬كل‭ ‬التقارير‭ ‬تؤكد‭ ‬انصراف‭ ‬العرب‭ ‬الأمريكيين‭ ‬عن‭ ‬بايدن‭ ‬وإدارته‭ ‬بسبب‭ ‬موقفه‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬عنصر‭ ‬تهديد‭ ‬كبير‭ ‬لمحاولته‭ ‬العودة‭ ‬للحكم‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬القادمة‭.‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬سبب‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬اليوم‭. ‬هي‭ ‬محاولة‭ ‬لتصوير‭ ‬الأمر‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬وراء‭ ‬العجز‭ ‬الأمريكي‭ ‬الحالي‭ ‬وفقدان‭ ‬المصداقية‭ ‬لدى‭ ‬العرب‭ ‬والعالم‭ ‬رؤية‭ ‬استراتيجية‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬لا‭ ‬يدركها‭ ‬الكثيرون‭.‬

حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬العقيدة‮»‬‭ ‬او‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لإدارة‭ ‬بايدن‭ ‬التي‭ ‬يطرحها‭ ‬توماس‭ ‬فريدمان‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬وحي‭ ‬الخيال‭. ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬على‭ ‬ارض‭ ‬الواقع‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬او‭ ‬بعيد‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬بصدد‭ ‬التفكير‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬النحو‭ ‬ولا‭ ‬تبنّي‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب‭ ‬التي‭ ‬طرحها‭.‬

أولا،‭ ‬الكل‭ ‬يعلم‭ ‬ان‭ ‬مسألة‭ ‬ان‭ ‬تقوم‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬بمواجهة‭ ‬إيران‭ ‬عسكريا‭ ‬وسياسيا‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الكاتب‭ ‬وردعها‭ ‬وإنهاء‭ ‬خطرها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ليست‭ ‬واردة‭ ‬أساسا‭ ‬في‭ ‬تفكير‭ ‬الإدارة‭. ‬كل‭ ‬المواقف‭ ‬والتصرفات‭ ‬الأمريكية‭ ‬تؤكد‭ ‬هذا‭. ‬المطروح‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬استرضاء‭ ‬إيران‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬التفاهم‭ ‬معها‭ ‬وتجنب‭ ‬أيّ‭ ‬تصعيد‭. ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬يدعم‭ ‬المشروع‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

وثانيا،‭ ‬الكل‭ ‬يعلم‭ ‬ان‭ ‬ادارة‭ ‬بايدن‭ ‬لا‭ ‬تستطيع،‭ ‬ولا‭ ‬تريد‭ ‬أصلا،‭ ‬ان‭ ‬تفرض‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬على‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭. ‬واهم‭ ‬جدا‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يتصور‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬تستطيع‭ ‬ان‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬قبول‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭. ‬نظريا‭ ‬هي‭ ‬تستطيع‭ ‬إن‭ ‬أوقفت‭ ‬كل‭ ‬المساعدات‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تفعل‭ ‬هذا‭. ‬

وثالثا،‭ ‬من‭ ‬السخف‭ ‬والاستفزاز‭ ‬طرح‭ ‬تحالف‭ ‬استراتيجي‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬والسعودية‭ ‬او‭ ‬غيرها‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭.‬

حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬ان‭ ‬كل‭ ‬الحلفاء‭ ‬التقليديين‭ ‬لأمريكا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬أصبحت‭ ‬ثقتهم‭ ‬فيها‭ ‬محدودة‭. ‬وبايدن‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬المعروف‭ ‬عنه‭ ‬انه‭ ‬لا‭ ‬يكنّ‭ ‬تقديرا‭ ‬كبيرا‭ ‬لهذا‭ ‬التحالف‭ ‬ولا‭ ‬لحلفاء‭ ‬أمريكا‭.‬

الخلاصة‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬عقيدة‮»‬‭ ‬او‭ ‬استراتيجية‭ ‬كبرى‭ ‬جديدة‭ ‬لإدارة‭ ‬بايدن‭ ‬يراد‭ ‬به‭ ‬محاولة‭ ‬تبييض‭ ‬وجهها‭ ‬وتصوير‭ ‬الأمر‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬ان‭ ‬لديها‭ ‬حكمة‭ ‬خفيّة‭ ‬وبعد‭ ‬نظر‭ ‬واستراتيجية‭ ‬لا‭ ‬يدركها‭ ‬أحد‭.‬

وهذا‭ ‬ليس‭ ‬صحيحا‭.. ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬ليس‭ ‬لديها‭ ‬لا‭ ‬حكمة،‭ ‬ولا‭ ‬استراتيجية‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تنقذها‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الأزمة‭ ‬والضياع‭ ‬الحالية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا