العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

غزة خارج معادلة الهجمات على القواعد الأمريكية في العراق!

بقلم: فاروق يوسف

الخميس ٠١ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

مع‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬اشتدت‭ ‬الهجمات‭ ‬التي‭ ‬يُقال‭ ‬إنها‭ ‬تستهدف‭ ‬القواعد‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وذلك‭ ‬تنفيذا‭ ‬لأجندة‭ ‬المقاومة‭ ‬الإسلامية‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي‭.‬

وعن‭ ‬طريق‭ ‬تلك‭ ‬المحاولة‭ ‬تزعم‭ ‬المقاومة‭ ‬انها‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬معاقبة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بسبب‭ ‬موقفها‭ ‬الداعم‭ ‬للوحشية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬ومن‭ ‬الواجب‭ ‬أن‭ ‬أؤكد‭ ‬أن‭ ‬تعبيري‭ ‬‮«‬إنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي‮»‬‭ ‬و«معاقبة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬‭ ‬هما‭ ‬ليسا‭ ‬من‭ ‬اختراعي،‭ ‬بل‭ ‬هما‭ ‬التعبيران‭ ‬الرسميان‭ ‬اللذان‭ ‬تستعملهما‭ ‬المليشيات‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬عملية‭ ‬قصف‭ ‬تنفذها‭ ‬ولا‭ ‬تنتج‭ ‬عنها‭ ‬أضرار‭ ‬بشرية‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭.‬

قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬صادما‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬عرفنا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬خسائر‭ ‬بشرية‭ ‬عراقية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬عمليات‭ ‬القصف‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تذهب‭ ‬بالخطأ‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬معسكرات‭ ‬عراقية‭. ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تزود‭ ‬المليشيات‭ ‬بالسلاح‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬للمأساة‭ ‬وجهها‭ ‬الضاحك‭.‬

لقد‭ ‬رفع‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬شعارا‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬الحكومة‭ ‬تقصف‭ ‬الحكومة‮»‬‭. ‬تلك‭ ‬المهزلة‭ ‬لن‭ ‬يتمكن‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬إيقافها‭. ‬حتى‭ ‬زعماء‭ ‬الأحزاب‭ ‬الشيعية‭ ‬الكبيرة‭ ‬الموالية‭ ‬لإيران‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬سلطة‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭. ‬أما‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬التي‭ ‬يقصف‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬فعمله‭ ‬الوحيد‭ ‬ينصب‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬البيانات‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬استدعاء‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬‮«‬جنرالات‮»‬‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭.‬

السفيرة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وحدها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬للمسرحية‭ ‬السمجة‭ ‬التي‭ ‬تضيف‭ ‬إلى‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬حيلة‭ ‬جديدة‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬محاولة‭ ‬لتضليل‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬وخداعهم‭. ‬هناك‭ ‬مَن‭ ‬يقامر‭ ‬بهم‭ ‬ويدخل‭ ‬قضيتهم‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬سباق،‭ ‬تسعى‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬تسجيل‭ ‬نقاط‭ ‬في‭ ‬معركتها‭ ‬الوهمية‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

لا‭ ‬تجرؤ‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬العراقية‭ ‬على‭ ‬إعلان‭ ‬قتلاها‭ ‬جراء‭ ‬القصف‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬مؤسسة‭ ‬عسكرية‭ ‬مستقلة‭ ‬بقراراتها‭ ‬يُفترض‭ ‬أنها‭ ‬تابعة‭ ‬لها،‭ ‬هي‭ ‬مؤسسة‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬التي‭ ‬ينص‭ ‬قانونها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬تتلقى‭ ‬أوامرها‭ ‬من‭ ‬القائد‭ ‬العام‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭. ‬وتلك‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬أكاذيب‭ ‬العراق‭ ‬الجديدة‭ ‬مدعاة‭ ‬للسخرية‭. ‬فرئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬محمد‭ ‬شياع‭ ‬السوداني‭ ‬لم‭ ‬تستدعه‭ ‬السفيرة‭ ‬الأمريكية‭ ‬للتشاور‭ ‬في‭ ‬الموضوع،‭ ‬بل‭ ‬اكتفت‭ ‬باستدعاء‭ ‬نوري‭ ‬المالكي‭ ‬وحيدر‭ ‬العبادي‭ ‬وكلاهما‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬منصب‭ ‬رسمي‭. ‬ترى‭ ‬ما‭ ‬الحكمة‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ذلك؟

تعرف‭ ‬السفيرة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬أن‭ ‬الرجلين‭ ‬هما‭ ‬مجرد‭ ‬مشجعين‭ ‬لما‭ ‬يُسمى‭ ‬بالمقاومة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وهما‭ ‬أيضا‭ ‬لا‭ ‬يملكان‭ ‬سلطة‭ ‬القرار‭ ‬الحقيقي‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمليشيات‭. ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬موقعها‭ ‬تتحاشى‭ ‬اللقاء‭ ‬بزعماء‭ ‬المليشيات‭ ‬الذين‭ ‬تضعهم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬مكانهم‭ ‬الحقيقي‭ ‬إرهابيين‭ ‬وجنودا‭ ‬إيرانيين‭ ‬مباشرين‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬حسن‭ ‬نصر‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والحوثي‭ ‬في‭ ‬اليمن‭. ‬ربما‭ ‬توهمت‭ ‬السفيرة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بأن‭ ‬في‭ ‬إمكان‭ ‬الرجلين‭ ‬أن‭ ‬ينقلا‭ ‬رسائلها‭ ‬إلى‭ ‬زعماء‭ ‬المليشيات،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬الفائدة‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬والمليشيات‭ ‬تُدار‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭. ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬ذلك؟

ولكن‭ ‬في‭ ‬مساحة‭ ‬الحوار‭ ‬الملغوم‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لغزة‭. ‬لا‭ ‬ينفع‭ ‬أن‭ ‬نبحث‭ ‬عنها‭ ‬بين‭ ‬التفاصيل‭. ‬فلا‭ ‬إيران‭ ‬حين‭ ‬تستعرض‭ ‬عضلاتها‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ولا‭ ‬تقتل‭ ‬سوى‭ ‬عراقيين‭ ‬ستكون‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬منع‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ولا‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬حين‭ ‬تقتل‭ ‬زعماء‭ ‬مليشيات،‭ ‬تقول‭ ‬إنها‭ ‬متأكدة‭ ‬من‭ ‬تورطهم‭ ‬في‭ ‬قصف‭ ‬قواعدها‭ ‬العسكرية‭.‬

غزة‭ ‬تقع‭ ‬خارج‭ ‬المعادلة‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬مفاجئا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قلت‭ ‬إن‭ ‬العراق‭ ‬يقع‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬خارج‭ ‬المعادلة‭. ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قد‭ ‬أنهت‭ ‬احتلالها‭ ‬للعراق‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬حين‭ ‬سحبت‭ ‬آخر‭ ‬قطعاتها‭ ‬العسكرية‭ ‬أما‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬العراق‭ ‬محتلا‭ ‬فذلك‭ ‬صحيح‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أخذنا‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإيرانية‭ ‬بالاعتبار‭. ‬والحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬يقاوم‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي‭ ‬هو‭ ‬الممثل‭ ‬الرسمي‭ ‬الوحيد‭ ‬للاحتلال‭ ‬الإيراني‭. ‬ما‭ ‬من‭ ‬ملـمح‭ ‬وطني‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬تحرير‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي‭ ‬المزعوم‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬فتح‭ ‬الأبواب‭ ‬كلها‭ ‬للاحتلال‭ ‬الإيراني‭.‬

منذ‭ ‬الأيام‭ ‬الأولى‭ ‬للجمهورية‭ ‬الإيرانية‭ ‬كانت‭ ‬فلسطين‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬فكر‭ ‬مؤسسها‭. ‬حاول‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬أن‭ ‬يفهم‭ ‬أيّ‭ ‬فلسطين‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يفكر‭ ‬فيها‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬الغامض،‭ ‬ولكنه‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬جواب‭ ‬على‭ ‬سؤاله‭. ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬الفشل‭ ‬هو‭ ‬مصير‭ ‬كل‭ ‬محاولة‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬النوع‭. ‬فهل‭ ‬يفكر‭ ‬الإيرانيون‭ ‬بفلسطين‭ ‬شبيهة‭ ‬بالعراق‭ ‬أو‭ ‬اليمن‭ ‬أو‭ ‬لبنان‭. ‬فلسطين‭ ‬التابعة‭ ‬والخالية‭ ‬من‭ ‬الإرادة‭ ‬والشعور‭ ‬الوطني؟‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يحارب‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬مقاومو‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬ليست‭ ‬غزة‭ ‬سوى‭ ‬عنوان‭ ‬جديد‭ ‬لخديعة‭ ‬إيرانية‭ ‬لطالما‭ ‬رعتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بدعاياتها‭ ‬المضللة‭.‬

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا