العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

نجاح جنوب إفريقيا في جر إسرائيل إلى العدل الدولية

بقلم: د. نبيل العسومي

الأربعاء ٢٤ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

نجحت‭ ‬دولة‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬جر‭ ‬إسرائيل‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬لاهاي‭ ‬باتهامها‭ ‬بجريمة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬إذ‭ ‬قدمت‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬ملفا‭ ‬متكاملا‭ ‬ومفصلا‭ ‬يفوق‭ ‬80‭ ‬صفحة‭ ‬شاهده‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرة‭ ‬عند‭ ‬نقل‭ ‬وقائع‭ ‬المرافعة‭ ‬الرئيسية‭ ‬لجنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬الموافق‭ ‬11‭ ‬يناير‭ ‬2024،‭ ‬وكانت‭ ‬المرافعة‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬بها‭ ‬ممثلو‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬الإفريقية‭ ‬المهمة‭ ‬خطيرة‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود‭ ‬لثلاثة‭ ‬أسباب‭ ‬على‭ ‬الأقل‭:‬

أولا‭: ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬المرافعة‭ ‬قدمتها‭ ‬دولة‭ ‬تعرضت‭ ‬عبر‭ ‬تاريخها‭ ‬الحديث‭ ‬لجريمة‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬‮«‬الابارتيد‮»‬‭ ‬والتي‭ ‬تحررت‭ ‬منها‭ ‬بعد‭ ‬نضال‭ ‬طويل‭ ‬ومرير‭ ‬استمر‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭ ‬قاده‭ ‬الزعيم‭ ‬الإفريقي‭ ‬الخالد‭ ‬نيلسون‭ ‬مانديلا‭ ‬الذي‭ ‬قضى‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬حكومة‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬الانفرادي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬وسط‭ ‬استنكار‭ ‬وشجب‭ ‬ومقاطعة‭ ‬أغلب‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬المحبة‭ ‬للسلام‭ ‬حيث‭ ‬اصبح‭ ‬هذا‭ ‬المناضل‭ ‬الفذ‭ ‬رمزا‭ ‬لمقاومة‭ ‬سياسة‭ ‬الابارتيد‭ ‬العنصرية‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬النضال‭ ‬موجعا‭ ‬ومؤلما‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬تمكن‭ ‬شعب‭ ‬جمهورية‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬من‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬العنصري‭ ‬الذي‭ ‬حكم‭ ‬البلاد‭ ‬عقودا،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬تقديم‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬هذه‭ ‬الشكوى‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬له‭ ‬معنى‭ ‬الصدقية‭ ‬الكاملة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشكك‭ ‬فيها‭ ‬أحد‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬قد‭ ‬أدانت‭ ‬عملية‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬باعتبارها‭ ‬استهدفت‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬المدنيين،‭ ‬وعليه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اتهام‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬بالانحياز‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭.‬

ثانيا‭: ‬إن‭ ‬المرافعة‭ ‬الجنوب‭ ‬إفريقية‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬قامت‭ ‬على‭ ‬أدلة‭ ‬وأمثلة‭ ‬واقعية‭ ‬وموثقة‭ ‬بالصوت‭ ‬والصورة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقارير‭ ‬دولية‭ ‬أممية‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بالفلسطينيين‭ ‬وبالتالي‭ ‬تجنبت‭ ‬هذه‭ ‬المرافعة‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬تقارير‭ ‬فلسطينية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬عربية‭ ‬كما‭ ‬تجنبت‭ ‬شهادات‭ ‬أو‭ ‬تصريحات‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬ولذلك‭ ‬وجدنا‭ ‬أنها‭ ‬تستشهد‭ ‬بتقارير‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وتصريحها‭ ‬كبار‭ ‬مسؤوليها‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬أنطونيو‭ ‬غوتيرش‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الطعن‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الشهادات‭ ‬أو‭ ‬التقارير‭ ‬أو‭ ‬وصفها‭ ‬بالانحياز‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإلى‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وهذا‭ ‬وجه‭ ‬قوة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرافعة‭ ‬التي‭ ‬استمرت‭ ‬عدة‭ ‬ساعات‭ ‬واستمع‭ ‬إليها‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬وهي‭ ‬مقنعة‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود‭.‬

ثالثا‭: ‬إن‭ ‬المرافعة‭ ‬قد‭ ‬اعتمدت‭ ‬بشكل‭ ‬رئيسي‭ ‬على‭ ‬تصريحات‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬وأقاويلهم‭ ‬وخطبهم‭ ‬التي‭ ‬أكدوا‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالا‭ ‬للشك‭ ‬بأنهم‭ ‬يحرضون‭ ‬على‭ ‬الإبادة‭ ‬والقتل‭ ‬الجماعي‭ ‬وإفناء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وتهجيرهم‭ ‬وتجويعهم‭ ‬وتعطيشهم‭ ‬بل‭ ‬استشهدت‭ ‬المرافعة‭ ‬بما‭ ‬أعلنه‭ ‬صراحة‭ ‬الإرهابي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬بقوله‭ ‬يجب‭ ‬قتل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬جميعهم‭ ‬وإفناؤهم‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬حجج‭ ‬دينية‭ ‬تكلمت‭ ‬عن‭ ‬‮«‬قتل‭ ‬العماليق‭ ‬وإفنائهم‭ ‬عن‭ ‬بكرة‭ ‬أبيهم‭ ‬بشرا‭ ‬وشجرا‭ ‬وحجرا‮»‬‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تصريحات‭ ‬وزراء‭ ‬الحكومة‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬نتنياهو‭ ‬حول‭ ‬ضرورة‭ ‬ضرب‭ ‬غزة‭ ‬بالقنبلة‭ ‬النووية‭ ‬وقتل‭ ‬جميع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬عشرات‭ ‬التصريحات‭ ‬لكبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬من‭ ‬وزراء‭ ‬وعسكريين‭ ‬وأعضاء‭ ‬الكنيست‭ ‬والصحفيين‭ ‬بل‭ ‬والمفكرين‭ ‬والأكاديميين‭ ‬تدعو‭ ‬جميعها‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬الماء‭ ‬والكهرباء‭ ‬والغاز‭ ‬والطعام‭ ‬والدواء‭ ‬عن‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬تلك‭ ‬الدعوات‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭ ‬والتي‭ ‬تعج‭ ‬بالكراهية‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الإبادة‭ ‬بكل‭ ‬أبعادها،‭ ‬حيث‭ ‬أثبتت‭ ‬مرافعة‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالا‭ ‬للشك‭ ‬أن‭ ‬نية‭ ‬الإبادة‭ ‬موجودة‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬فعل‭ ‬الإبادة‭ ‬موجود‭ ‬حقيقة‭ ‬وإن‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬قد‭ ‬فشلوا‭ ‬فشلا‭ ‬ذريعا‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬هذه‭ ‬الإبادة‭ ‬بالقتل‭ ‬أو‭ ‬بمنع‭ ‬تقديم‭ ‬الأغذية‭ ‬الأساسية‭ ‬كالمياه‭ ‬والأدوية‭ ‬والوقود‭ ‬وتوفير‭ ‬الملاجئ‭ ‬والمساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الأخرى‭ ‬لسكان‭ ‬غزة‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬المحاكمة‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬نتائجها‭ ‬هي‭ ‬إدانة‭ ‬أكيدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬ونظامها‭ ‬وأفعالها‭ ‬الإجرامية‭ ‬ضد‭ ‬السكان‭ ‬المدنيين‭ ‬التي‭ ‬قتلت‭ ‬منهم‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬حوالي‭ ‬30‭ ‬ألفا‭ ‬وتسببت‭ ‬في‭ ‬جرح‭ ‬وإعاقة‭ ‬حوالي‭ ‬50‭ ‬ألفا،‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70%‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬الضحايا‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬والشيوخ‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬السن،‭ ‬ومما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬هذه‭ ‬المأساة‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬قد‭ ‬دمرت‭ ‬البنية‭ ‬الأساسية‭ ‬للحياة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬كي‭ ‬تجبر‭ ‬السكان‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬الخيارين‭ ‬كلاهما‭ ‬مر‭ ‬الخيار‭ ‬الأول‭ ‬الموت‭ ‬جوعا‭ ‬وبردا‭ ‬ومرضا‭ ‬أو‭ ‬التهجير‭ ‬خارج‭ ‬وطنهم‭ ‬وبلدهم‭.‬

إن‭ ‬المرافعة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬الموافق‭ ‬12‭ ‬يناير‭ ‬2024‭ ‬بينت‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالا‭ ‬للشك‭ ‬أن‭ ‬الحجة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬ضعيفة‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود،‭ ‬وخاصة‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بحجة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬فإسرائيل‭ ‬دولة‭ ‬محتلة‭ ‬وحتى‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بغلاف‭ ‬غزة‭ ‬فهي‭ ‬أراضٍ‭ ‬فلسطينية‭ ‬محتلة‭ ‬ويحق‭ ‬لمن‭ ‬يتعرض‭ ‬للاحتلال‭ ‬أن‭ ‬يقاوم‭ ‬بجميع‭ ‬الأشكال،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬المستوطنين‭ ‬مسلحون‭ ‬ويمارسون‭ ‬جميع‭ ‬أشكال‭ ‬الإرهاب‭ ‬والاعتداء‭ ‬والاستيطان‭ ‬وهي‭ ‬جميعها‭ ‬منكرة،‭ ‬بحسب‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭. ‬وقد‭ ‬رأينا‭ ‬خلال‭ ‬المرافعة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ضعف‭ ‬الأداء‭ ‬ليس‭ ‬لعدم‭ ‬كفاءة‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬دافعوا‭ ‬عن‭ ‬الرؤية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وإنما‭ ‬ناتج‭ ‬عن‭ ‬ضعف‭ ‬الحجة‭ ‬والقضية‭ ‬التي‭ ‬يدافعون‭ ‬عنها‭ ‬وهي‭ ‬قضية‭ ‬الاحتلال‭ ‬والقتل‭ ‬والإبادة‭ ‬والاستيطان،‭ ‬فكل‭ ‬الشكر‭ ‬والتقدير‭ ‬لجمهورية‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬بلد‭ ‬المناضل‭ ‬الأممي‭ ‬نيلسون‭ ‬مانديلا‭ ‬لوقوفها‭ ‬المشرف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الحق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬التحديات‭ ‬والصعوبات‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تخلت‭ ‬دول‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬عن‭ ‬الوقوف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الحق‭ ‬الفلسطيني‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا